خلال السنوات الماضية استطاعت بعض الدول الأوروبية غلق بيوت الدعارة، الأمر الذي أشاد به المعنيين بحقوق الإنسان، لما رأوه من استغلال جنسي وتسليع للمرأة في مجال الدعارة، على عكس دولا أخرى مثل ألمانيا قاموا بتقنين وضع الدعارة في دولهم خلال السنوات الماضية، وسن التشريعات لصالح العاملين في هذا المجال.
كورونا تغلق أكبر بيوت الدعارة في أوروبا
ومع انتشار جائحة كورونا، كانت فئة السيدات اللاتي يعملن في مجال الدعارة الأكثر تضررا، وخصوا مع غلق عدد كبير من تلك البيوت في ظل الإجراءات التي اتخذتها عددا من الدول لمواجهة فيروس كورونا، وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلن ” الباشا” أحد أكبر بيوت الدعارة في أوروبا إفلاسه، بعد تضرره بسبب إجراءات مكافحة فيروس كورونا التي فرضتها ألمانيا.
وقال آرمن لوبشيد، مدير بيت “باشا” المؤلف من 10 طوابق، ويعد من بين أشهر معالم مدينة كولونيا لصحيفة “إكسبرس” المحلية: “وصلنا إلى النهاية”. وانتقد تعامل السلطات الألمانية مع أزمة الوباء لا سيّما عدم قدرتهم على الوضوح فيما خصّ موعد عودة الأعمال.
وكانت ألمانيا حظرت أعمال الدعارة في ولاية نورث راين – وستفيليا منذ تفشي الفيروس. وتعمل عادة 120 عاملة جنس في “باشا” ويضمّ نحو 60 موظفاً من بينهم الطهاة ومصففوا الشعر. وأثيرت مخاوف من أن إغلاق بيوت الدعارة المرخصّة قانونياً، سيعرّض عاملات الجنس إلى خطر كبير بسبب إجبارهن على العمل في الخفاء.
وفى ألمانيا فرض فيروس كورونا تعديلات على العاملات في هذا المجال، فقد أغلقت بعض بيوت الدعارة الألمانية دون سابق إنذار، فخافت العاملات اللائي تم توظيفهن من التشرد، فبحث الكثير منهن عن طرق لمواصلة العمل، في المنزل أو الشوارع، وفقا لصحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية.
وكانت جمعية الخدمات الجنسية قد انتقدت استمرار إغلاق بيوت الدعارة، وحذرت من أن صناعتها تستنزف بشكل منهجي حتى الموت، وفق ما نقلت وسائل إعلام ألمانية. وشددت على أن استمرار إغلاق بيوت الدعارة سيدفع أصحاب هذه البيوت إلى الدمار، فيما ستتجه البغايا إلى طرق غير شرعية، داعية إلى قبول مخاطر بيوت الدعارة مع البحث عن طرق عمل غير مألوفة.
استغلال جنسي للمرأة
وتعني بكلمة الدعارة هي تقديم خدمات جنسية بمقابل (غالبا يكون مقابلا ماديا). باحثون تاريخيون يصفونها بأنها أقدم مهنة في التاريخ. وتشكل اليوم هاجسا مقلقا في عدة بلدان، خاصة مع انتشار ما يعرف بظاهرة “الرقيق الأبيض”.
في عام 2002 صدر قانون ينظم ممارسة الدعارة داخل البلاد، لكن هذا القانون لم يوفر حماية أفضل للنساء والفتيات من الاستغلال.
وفي ألمانيا تنتشر أكثر أشكال الاستغلال الجنسي. هذا ما قاله ديتمار رولر، رئيس المكتب الألماني لمنظمة حقوق الإنسان إذ وصف “ألمانيا بأنها هي دار دعارة أوروبا”، ويشمل ذلك عددا كبيرا من حالات الدعارة القسرية.
وحسب الشرطة الجنائية الألمانية تم في عام 2017 إجراء 327 محاكمة وضبط 500 من الضحايا موثقين. وفي الوقت الذي يكون فيه الرجال ضحايا العمل القسري، فإن غالبية الضحايا من النساء تكون في مجال الاستغلال الجنسي.
وتفيد إحصائيات الشرطة الجنائية الألمانية أن البلدان الأصلية لهؤلاء الضحايا هي بلغاريا ورومانيا ثم ألمانيا. كما لاحظت السلطات زيادة ملحوظة في عدد الضحايا من نيجيريا. فالكثير من النساء ينزلقن بسبب الخداع حول الظروف الحقيقية في أعمال الدعارة ـ ولا يخرجن بعدها من تلك الدوامة.
والكثير من القوادين يخدعون نساء شابات ويضغطون عليهن بسبب العلاقة العاطفية لممارسة الدعارة. وغالبا ما يدعون أن لديهم ديون، وبالتالي وجب على البنت أو المرأة أن تقدم المساعدة للتخلص من هذه الديون-وفقا لتصريحات صحفية لديتمار رولر.
وفي تصريحات لموقع لدوتش فيله الألمانية رأت غيرهارد ترابرت، مؤسس “جمعية الفقر والصحة في ألمانيا”، أن الفقر هو الدافع القوي للامتهان الدعارة، ويقول: “نحن نعلم أنه باستمرار هناك نساء يمارسن الدعارة، من أجل العيش فقط، لأن المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة لم تعد كافية حقاً للعيش في هذا المجتمع”. كما دعا ترابرت إلى إلغاء الدعارة وإعادة النظر إلى صورة المرأة داخل المجتمع: “نحن بحاجة إلى صورة مختلفة عن المرأة، خاصة لدى الشباب: إنها ليست كائن لإشباع الرغبة، وإنما كائن مستقل وأنه لا علاقة للحب، باستغلال المرأة وممارسة العنف بحقها”.
ومن جهته، أخبر خوسيه منديس بوتا، رئيس لجنة تكافُـؤ الفرص بين الرجال والنساء في الجمعية البرلمانية التابعة لمجلس أوروبا ومقرر المجلس، swissinfo.ch أن جميع المعلومات تُـشير إلى حقيقة تتمثل في أن غالبية اللاتي يعملن في الوقت الحاضر، مُرغَـمات على مزاولة هذا العمل، لافِتاً النظر إلى انحدار معظمهن من خلفيات فقيرة، وقال: “الاعتقاد بأن معظم الدّعارة تجري طواعية، هو خرافة برأيي. فالذين يختارون “هذه المهنة” بمحض إرادتهم، يُـشكِّلون أقلية صغيرة”.
وترى الناشطة النسوية، إلهام عيداروس، أن النسويات والحقوقيات حول العالم لازالوا مختلفون في أمر الدعارة، فبعضهن يرى أنها استغلال لأجساد النساء ولابد من تجريمه، والبعض الأخر يرى أنه عمل مثل أي عمل قائم، وبالتالي لابد من تقنينه مع وجود قوانين تجرم الاستغلال للنساء او القاصرات.
وأكدت الناشطة النسوية أن هناك بلدان لا تجرم ولا تقنن وهي أسوء بكثير من التي تبيح الدعارة، لأن هذه البلدان يكون فيها فرص استغلال النساء كبيرة جدا، دون رادع أو قانون. وأضافت إلى جانب البلدان التي تجرم العاملات في الدعارة وخصوصا أن هناك بعض السيدات اللاتي يلجأن لهذه المهنة بسبب الأوضاع الاقتصادية والفقر، وبالتالي من الأفضل ان يتم تأهيل هؤلاء السيدات لامتهان مهن ” تفيد المجتمع”، بدلا من العمل في الدعارة وتجريم من يدفع المال أو الوسيط(القواد) لممارسة الجنس.
هولندا … حياتي لا تقدر بثمن
في فبراير الماضي، أعلنت مدينة امستردام في بيان صحفي، أنها تدرس إقامة فندق كبير مخصص للدعارة لنقل العاملين في هذا المجال خارج منطقة الضوء الأحمر التي تعود لقرون. ويتسبب السائحون المخمورون في الكثير من المشاكل في المنطقة، ويتصرفون بصورة غير لائقة تجاه النساء العاملات في مجال الدعارة.
يذكر أن القانون الساري المفعول في هولندا ينص على أن بيع وشراء الجنس أمور مسموح بها قانونا ما دامت تتعلق “بالجنس بين بالغين برضاهما”.
ورغم تقنين الأمر منذ قرون، ووجود الدعارة بشكل واضح وصرح، إلا أنه في إبريل من العام الماضي، أطلقت حملة حقوقية بعنوان “حياتي لا تقدّر بثمن” عبر وسائل التواصل الاجتماعي في هولندا تهدف إلى تجريم الدعارة في البلاد.
ونشرت المجموعة المسؤولة عن هذه الحملة، التي تستلهم أفكارها جزئيا من الرؤى المسيحية والنسوية، صورا في موقع انستغرام تظهر مؤيدين لها وهم يرفعون لافتات كتب عليها “حياتي لا تقدّر بثمن” و”ماذا لو كانت أختك؟” و”الدعارة سبب ونتيجة لانعدام المساواة”.
السويد تجرم دفع المال مقابل الجنس
تحت عنوان لماذا تعاقب السويد الشاري، كتبت جانيس ريموند في صحيفة كريستيان سينس مونيتر حول سر نجاح السويد في مكافحة الدعارة والرقيق الأبيض التي تعتمد على الاستغلال الجنسي للإناث والأطفال.
وتشير الصحيفة إلى أن سر ذلك يكمن في القانون الذي سنته السويد عام 1999 والذي يعاقب الشاري عند تلقي خدمات جنسية أو اتجار بالبشر لأغراض جنسية.
كشفت مراجعة الحكومة السويدية للإحصائيات القانون سجلا حافلا بالنجاح من خلال تطبيق قانون مكافحة الدعارة الذي بدأ العمل به قبل عشر سنوات، وذلك لتقييمه والعمل بناء على حصيلة العمل به.
لا تعاقب السويد العاملات في الدعارة لكنها تقدم موارد مساعدة لهن، وتستهدف بالعقاب الرجال المجهولين الساعين وراء الخدمات الجنسية ممن يشترون الأطفال والنساء لأغراض الدعارة. ولا تكمن فاعلية القانون في عقوبة الرجال بحد ذاتها، وهي عقوبة بسيطة، بل في كشف هوية من يشتري الخدمات الجنسية وفضحه في العلن.
وأصبح بعض الرجال في السويد يخشون انكشافهم كزبائن في سوق الدعارة أكثر من العقوبة القانونية البسيطة. تفيد فحوى نتائج تطبيق القانون في السويد إلى انخفاض كبير في أنشطة عصابات الاتجار بالرقيق الأبيض في السويد، وانخفاض كبير في الدعارة مع نجاح دور الحكومة في توفير خدمات لعون الضحايا.