احتلت المنيا قديمًا أهمية عظيمة بين أقاليم مصر، فكانت تضم منطقة “الأشمونين” عاصمة الإقليم الخامس عشر في مصر العليا، ومركز عبادة الإله “تحوت” سيد السماء، إله الحكمة والمعرفة، الذي علم المصريين الكتابة والحساب، ومُقسم الزمن، وينتسب إلى اسمه أول شهور التقويم المصري القديم “توت”.

أما مدينة المنيا نفسها فقد كان اسمها “منعت خوفو” أي مرضعة خوفو، لأن فيها ولد الملك خوفو، وحور الاسم بعد ذلك إلى “منوحور” ثم “موني” إلى أن أصبح المنيا.

آثار فرعونية ورومانية

محافظة المنيا “عروس النيل” بها العديد من الأماكن الأثرية التي تضم أثار فرعونية ورومانية ومسيحية وإسلامية، ففي “الأشمونين” توجد تماثيل للإله تحوت، أشهرها تمثال له على شكل قرد البابون المقدس، أحد الأشكال التي يحل بها الإله “تحوت”، وأُطلق عليها الإغريق مدينة هيرموبوليس، كما يوجد في “الأشمونين” بقايا السوق اليوناني، وبقايا كنيسة على النظام البازلكي.

و”تحوت” هو صاحب الدور الأعظم في أسطورة محكمة الموتى، حيث يظهر على هيئة رجل برأس طائر “أبو منجل” يصاحب الميت أثناء عملية وزن قلبه ويقارنه بريشة “ماعت” ممثلة الحق والعدل ـ “نظيره الأنثوي”، ويسجل بقلمه نتيجة الميزان، فإذا كان وزن قلب الميت أثقل من ريشة “ماعت” ألقى بقلبه للوحش “عمعموت” ليلتهمه، وإذا كان أخف، يسلمه إلى حورس، الذي يصطحبه إلى أوزيريس ليدخل بعدها الجنة.

وعلى بعد 15 كيلو متر شمالي شرق مدينة “ديرمواس”، تقع مدينة “تل العمارنة” وهي المنطقة التي اختارها إخناتون وزوجته نفرتيتي لإقامة عاصمة مملكته التي سماها “أخت آتون” وهي عاصمة مصر الفرعونية الحديثة، والتي شيدها لعبادة الإله الواحـد “آتون”.

أما منطقة “بني حسن” والتي تقع على بعد 22 كيلو متر جنوبي شرق مدينة المنيا، فيوجد بها 39 مقبرة منحوتة في الصخر، أهمها مقبرة أمنمحات ومقبرة “خنوم حتب” ومقبرة “باكت” ومقبرة “خيتى” والتي رسمت على جدرانها أشكال مختلفة لممارسة الرياضة.

وفي منطقة “إسطبل عنتر” يوجد معبدًا منحوتًا في الصخر للإلهة “باخت”والذي بناه حتشبسوت وتحتمس الثالث، كما توجد في منطقة “تونا الجبل” مقبرة بيتوزيريس كبير الكهنة من العصر اليوناني الروماني، ومومياء إيزادورا شهيدة الحب الطاهر، وسراديب الإله تحوت.

آثار مسيحية وإسلامية

على مسافة 25 كيلو متر شمالي شرق مدينة المنيا، يوجد دير السيدة العذراء، أحد أهم المواقع التي مرت بها العائلة المقدسة وأقامت فيها أثناء رحلتها إلى مصر، وفيها كنيسة منحوتة في الصخر أقامتها الإمبراطورة “هيلانة” خلال القرن الرابع الميلادي وتحتوي على مجموعة نادرة من الأيقونات التي تعود إلى أوائل العصر المسيحي.

وفي مدينة البهنسا يوجد العديد من الآثار الإسلامية، مثل مسجد الحسن بن صالح بن علي زين العابدين حفيد الحسين ابن علي، وهو المسجد الوحيد في مصر الذي له قبلتين، وضريح سيدي فتح الباب، مسجد سيدي علي الجمام، قاضى قضاة البهنسا وإمام المالكية في عصره، إضافة لمجموعة من القباب مثل قبة أبو سمرة، وقبة الأمير زياد الفضل بن الحارث بن عبد المطلب بن عم النبي.

كما يوجد مسجدي العمراوي واللمطي بمدينة المنيا، واللذان يعودان للعصر الفاطمي، ومسجد الوداع أقدم مساجد المنيا، والذي تم تجديده في العصرين المملوكي والعثماني، ومسجد الشيخ عبادة بن الصامت أول مسجد في ملوي وله مئذنتين من العصرين الأيوبي والعثماني.

الزراعة

تبلغ المساحة المنزرعة في محافظة المنيا نحو 600 ألف فدان، وتحتل المنيا مرتبة متقدمة في زراعة وإنتاج محصول القمح على مستوى مصر، حيث تم زراعة 249 ألف فدان في 2020، كما تتميز المحافظة بزراعة الذرة الشامية، والثوم وفول الصويا.

وتمثل المساحة المنزرعة بالمحاصيل البستانية وعلى رأسها محصول العنب 15 % من إجمالي المساحة المنزرعة في مصر، ويبلغ إنتاج العنب في محافظة المنيا نحو 180 ألف طن سنويًا، كما تتميز المنيا بزراعة العديد من النباتات الطبية والعطرية، مثل البردقوش والكسبرة والكراوية والينسون، بإجمالي 22 ألف فدان يتم تصدير إنتاجها للخارج.

كما أظهرت محافظة المنيا تقدمًا في الاستصلاح الزراعي، حيث تم استصلاح مساحة 20 ألف فدان غرب المنيا ضمن مشروع المليون ونصف المليون فدان، تم زراعة أغلبها بنظم زراعة جديدة، وبمياه الآبار حيث تم حفر 80 بئر جوفي، وتميز المشروع بتنوع المحاصيل، لكن شكاوى كثيرة قدمت للرقابة الإدارية، تفيد بإهدار ملايين الجنيهات في عمليات حفر الآبار بالمحافظة دون جدوى.

كما تحتاج التنمية الزراعية في المحافظة، التي أثبتت تجارب الاستصلاح أن أراضيها لا تحتاج لمجهود كبير في عمليات الاستصلاح، إلى خطط طموحة للتوسع في استصلاح الأراضي وتمليكها للشباب.

الثروة السمكية

تعتمد محافظة المنيا على نهر النيل في إنتاج الأسماك، وقد عانى الصيادين خلال السنوات الماضية من ضعف الإنتاج نتيجة لتلوث النيل في المنيا، واستخدام أساليب صيد ضارة مثل مواتير كهرباء على قوارب الصيد، واستخدام المواد الكيماوية والجير الحي، وهي المشكلات التي تحاول شرطة المسطحات السيطرة عليها، إضافة لإلقاء ملايين الزريعة لتنمية الثروة السمكية بالنيل.

كما تعتبر مشروعات الاستزراع السمكي، مورد هام للثروة السمكية ومعوضًا عن ضعف إنتاج النيل من الأسماك، ومن هذه المشروعات مشروع المفرخ السمكي الضخم بالمطاهرة والذي يتكون من 22 حوضًا مساحة الحوض 16 قيراطًا، وحوضين كبيرين مساحة الحوض 2 فدان، و8 حضانات، وصالة تفريخ، بإجمالي 15 مليون زريعة، وهو المشروع الذي من شأنه أن يحدث طفرة في إنتاج الأسماك بالمحافظة.

ويواجه صيادو المنيا مشكلات عدة منها زيادة الضرائب حيث اشتكوا أن الضرائب تعاملهم كتجار وليس كعمال، وارتفاع رخص الصيد للمراكب، ونقص أسواق الأسماك.

وفيما يتعلق بتنظيم الصيادين، فقد شهدت المنيا أول نقابة للصيادين عام 2011، والتي جاء تأسيسها للدفاع عن مصالح الصيادين وهو الدور الذي أهملته جمعيات الصيادين في المنيا، والمنتشرة في “الحوارات، دير البرش، الدياب، قلدون، دير أبو حنس بملوي، المطاهرة بأبو قرقاص، جبل الطير بسما لوط”.

الصناعة

تضم المنيا 4 مجمعات أو مناطق صناعية، وهي: منطقة المطاهرة الصناعية بالمنيا الجديدة وبها مصانع لإنتاج المواد الغذائية، والموبيليا والأثاث والمنسوجات والملابس الجاهزة ومواد البناء والأدوات الطبية، والمنتجات الهندسية والكيماوية.

وهناك منطقتين صناعيتين يتبعان الهيئة الصناعات الثقيلة، إحداهما بالسرارية على الطريق الصحراوي الشرقي، وفيها مصنع رويال لإنتاج الأسمنت الأبيض، والأخرى في منطقة الشيخ فضل مركز بني مزار على مساحة 95 كيلو متر مربع وهي لا يوجد بها سوى الشركة العربية الوطنية للأسمنت، لإنتاج الأسمنت الرمادي.

وعلى مساحة 50 فدانًا تقع المنطقة الرابعة، وبها مصانع إنتاج الرخام والمواد الغذائية والأعلاف ومركزات العصائر والبلاط والهياكل المعدنية وتضم 60 مصنعًا.

إلا أن المناطق الصناعية الأربع تشهد تعثر مئات المصانع المغلقة، ما حد من فرص التشغيل بالمحافظة، كما توقف مشروع مدينة الصناعات اليدوية الذي أعلنت عنه المحافظة.

في ذيل التنمية

تمتلك المنيا “موطن الآلهة” مكانة تاريخية وأماكن تراثية وأثرية متعددة ومتنوعة، وإمكانيات زراعية وصناعية، إضافة للمحاجر التي تمتلئ بها صحاري المنيا، والتي كانت على حسب قول أهالي المنيا “الدجاجة التي تبيض ذهبًا”، قبل إهمالها أو تخصيصها لبعض رجال الأعمال مقابل مبالغ ضئيلة.

رغم كل هذه الإمكانيات فإن المنيا تقبع في ذيل التنمية، فهي تحتل المركز الرابع من حيث أشد المحافظات فقرًا بحسب آخر تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، والذي قال في تقريره إن 50.7% من سكان المحافظة يعانون من الفقر الشديد.