قوام ممشوق، وبياض يلفت الأنظار، عيون يرسمها كحل عربي ثقيل، وشم يعلو الذقن، خلخال لا يفارق ساقها، شام غجرية مصرية تسكن منطقة التبين في حلوان، تعمل في بيع البخور والمسك وغيرها من العطور الطبيعية، لكنها تروج لبضاعتها بشكل مختلف، تعتمد على الغناء في بيع منتجاتها، ترتجل الأغاني الشعبية القائمة على البطل الشعبي، مثل: أبو زيد الهلالي وغيره، لديها صوت جهوري، تعمل لتعول زوجها وأبنائها الثلاث، لا تعرف القراءة والكتابة، لكنها تتمتع بحس خالٍ من الفطنة ولباقة الحديث، معتزة بأصولها الغجرية، وتدخل معارك كثيرة بسبب نعت بعض الناس للغجر بصفات غير محببة.

الغجر في مصر

يرجع بداية وجود الغجر في مصر إلى الفترة ما بين عامي (1546 – 1549) و اعتبروا آنذاك غرباء في أرض مصر، وقد ذكرت المراجع التاريخية المختلفة أن أصل الغجر جاءوا من الهند، ثم انتشروا في بقاع الأرض، من بين المراجع التي اهتمت بحياة الغجر كان كتاب: “الغجر ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب” لجمال حيدر، الذي أوضح خلاله أن السبب الذي جعل الغجر يتركون مسكنهم الأصلي في الهند، هو تعرض مناطقهم للغزوات وحروب عديدة والتي وقعت تحديدًا في جبال هندكوش وعلى سفح جبل بامبر، ما جعلهم يتفرقوا في عدة دول وانقسموا قسمين، الأول: تحت مسمى “الدومر” حيث يعيش معظمهم في سوريا، والأردن، ومصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، والعراق، وإيران، والهند، وتركيا، وأفغانستان، والقسم الثاني منهم هم: الرومن، أو غجر أوروبا الشرقية كما يطلق عليهم.

وبالرغم من أن هجراتهم كانت لعدد مختلف من الدول وفي أماكن تختلف من حيث الطباع والمجتمعات، إلا أن جميعهم ظلوا محتفظين بتفاصيل الحياة الغجرية التي اعتادوها، فيما يتعلق بحب الغناء، والاعتماد على النساء في العمل، وتفضيل مواليد الإناث عن الذكور وغيرها من الطباع والطقوس.

الزواج

قانون بدوي صارم تطبقه عائلات الغجر على أنفسهم فيما يتعلق بالزواج، فقواعد الغجر في الزواج قائمة على أن لا يتزوج الغجري إلا من غجرية مثله، والعكس صحيح، ويمنعوا الزواج من خارج جماعاتهم أو الغجر أمثالهم تحت أي ظرف، يرجع أحمد الباشا، شاب غجري هذا الطقس إلى أنهم يروا أنفسهم دائمًا مرفوضين من المجتمع، أو بمعنى آخر مهمشين، وهو ما يدفعهم للابتعاد عن كل ما قد يربطهم بالمجتمع في مجمله، تجنبًا لوقوع أي مشكلات مستقبلية محتملة، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يجوز رفض أي عريس تقدم لفتاة من الغجر في حال كان العريس غجريًا مثلها فلا يٌرفض أبدًا، ومن بين طقوسهم أيضًا أن يحلق العريس شعر رأسه كله قبل التقدم لخطبة عروسته، ويعتبرون ما دون ذلك أنه أمر يدعو للتشاؤم.

الزواج المبكر

يدعم الفكر الغجري فكرة الزواج المبكر لكل من الذكر وللأنثى، لأنهم يفضلون الإنجاب كثيرًا يريدون تكوين عائلات كثيرة تحمل نفس أسمائهم وصفاتهم الوراثية الغجرية، مع الأخذ في الاعتبار أن الزوج لا يقترب من زوجته إلا بعد ليلة الزفاف بـ40 يومًا، وفقاً لعاداتهم، حتى يعتاد كل منهم الآخر وطباعه قبل إقامة أي علاقة جنسية بينهما، وفي حال لم تتوافق الطباع ينفصلا خلال الـ40 يومًا بسهولة، أما بعد الـ40 يومًا يصبح الانفصال أو الطلاق أمرًا صعبًا للغاية وتتدخل فيها كبار العائلات حتى تمنع وقوعه.

عدد المواهب “ذهب”

يتبع الغجر بعض الطقوس المختلفة عن المصريين قليلاً فيما يتعلق الزواج، فعلى سبيل المثال تحصل الفتاة على مهرٍ يكون عبارة عن قطعٍ ذهبية كثيرة، يتحدد عددها الفعلي وفق عدد المواهب التي تتمتع به الفتاة من مواهب، مثل الغناء والرقص والتقليد وغيرها من المواهب اليدوية والفنية المختلفة.

وتتبارى الفتيات فيما بينهن بعد ذلك بعدد القطع الذهبية التي حصلت عليها كل منهن من عريسها كمهر لها، فكلما ارتفعت عدد القطع دل ذلك على تعدد مميزات ومواهب العروس.

مجلس المغارم

من منا لا يعرف “البشعة” تلك الملعقة أو السكين المصنوع من المعدن التي يتم تسخينها ووضعها على لسان المشكوك في أمره أو المتهم ليتبين صدقه من عدمه في ارتكاب الجريمة موضع الشك، وإذا خرج لسانه سليماً يصبح بريئاً وتسقط أي تهمة موجهه عنه.

إلا أن المجتمع الغجري لا يلجأ إلى استخدام البشعة إلا بعد المثول لمجلس المغارم، وهو بمثابة جلسة عرفية للتحكيم أو لبحث الأمر يرأسه شيخ كبير غالبًا ما يكون شيخ القبيلة، وقد ورث المصريون استخدام البشعة من الغجر ولا يزال جاري استخدامها في عدد كبير من قطاعات المصريين في الريف والحضر.

المرأة الغجرية

أحد أهم أعمدة المجتمع الغجري على الإطلاق يكمن في الإناث لديهم، فهي المحور الاول لبناء الأسرة واستمرارها على قيد الحياة، لأنها المسؤولة عن العمل وجلب المال وفقاً للعادات الغجرية، فبالرغم من انتشار الغجر في مصر في أماكن عدة واختلاطهم بعادات المصريين، إلا أن النساء الغجريات في معظم تلك الأماكن هن المسؤولات عن العمل وجلب الأموال وغالباً ما تعمل في إحدى المجالات الثلاثة، إما أن تحترف السرقة وفي هذ الحالة تسمى “قصاصة”، أو تحترف الغناء والرقص فتسمى “ربابة”، أو تصبح ماهرة في صناعة الخزف فتسمى “خزانة”، مع الأخذ في الاعتبار أنه على الرغم من استباحة السرقة في بعض الأحيان إلا أنه مقصور على النساء فحسب، لهذا يفضل الغجر إنجاب البنات أكثر من البنين.

معتقدات غجرية

بررت “شام ” استباحة الغجر للسرقة بأن الكون كله ملك لله، وبالتالي فجميع البشر لهم في هذا الكون ما لجميع البشر، ومن حقهم تطبيق العدالة فيما يحصلون عليها من مكاسب، مثل: غيرهم.

إلا أن هناك بعض القواعد في السرقة وضعتها جماعات الغجر من قديم الأزل في مقدمتها أن قانون السرقة يخضع لحكم كبار الغجر في القبيلة، ولا يجوز أو يقبل أن تسرق امرأة غجريةً امرأة أخرى غجرية مثلها، كما لا يجوز أن تسرق فقيرًا أو عاجزًا، كذلك فإن سبب السرقة لديهم هي الاحتياج للمال، لذلك لا يجوز أن يسرق الغني فيهم، وإذا حدث أي من تلك الممنوعات يعاقب صاحبها بمعرفة كبير القبيلة.

أبناء قابيل

كثير من شباب الغجر يخفى هوياتهم خوفًا من التنمر، يقولها “ورد” شاب غجري يعيش في منطقة بين السرايات، استطاع أن يكمل تعليمه وحصل على دبلوم التجارة ويعمل في أحد المخابز المجاورة لمنزله، أوضح “ورد” أنه على الرغم من انتمائه للغجر إلا أنه لا يحب السرقة، ويحب العمل، ولا يقبل أن تصرف عليه امرأة مهما حدث، مضيفًا: أنه يضطر في كثير من الأحيان لإخفاء هويته خوفاً من التعرض لأي تنمر من المحيطين، خاصة وأن الكثير يصدق أسطورة أن الغجر هم أحفاد “قابيل” الذي قتل شقيقه هابيل، بالرغم من أنه لا توجد أن وثيقة تدعم هذه الاسطورة اطلاقاً .