ظُهر يوم خريفي معتدل في درجات حرارته في سبتمبر 2001، تحولت شاشات التلفاز في العالم كله لنيران، وطائرات، اعتلت جميع القنوات جملة “عاجل.. أهم الأنباء” “ضرب برج التجارة العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية”، وأطلق عليها فيما بعد أحداث 11 سبتمبر، التي راح ضحيتها 3100 شخص، وإصابة نحو 6000 شخص، حولت خريطة العالم ورسمتها من جديد.

صراع أمريكا وطالبان

بعد شهر واحد من الحدث، وتحديداً في أكتوبر 2001، دخلت القوات الأمريكية إلى أفغانستان بحجة القضاء على تنظيم القاعدة الذي منحه نظام طالبان الملاذ الآمن، في الدولة الأفغانية، وقد قرر النظام الأمريكي وقتها بقيادة جورج دبليو بوش أن يقضي على الرأس المدبر للحادث وهو أسامة بن لادن، الذي رفضت طالبان تسليمه لأمريكا، فدارت الحرب بينهما، فتحولت طالبان إلى حركة تمرد دامية، خاصة أن أمريكا لم تكن بمفردها على الإطلاق حيث انضم لها تحالف دولي،  قرر أن يساندها حتى عام 2014، لتستمر بعدها الولايات المتحدة في الحرب منفردة باستمرارها القيام بالغارات الجوية على أفغانستان ومضاعفة عدد العمليات الانتحارية هناك، قبل أن يُنهي التحالف الدولي علاقته بالحرب الأمريكية الأفغانية تم عمل إحصاء بعدد الخسائر التي وقعت، والتي وصلت إلى 3500 عنصر من قوات التحالف الدولي بينهم 2300 جندي أمريكي، منذ اندلاع الحرب في 2001، وحتى انسحاب التحالف في 2014.

 نار لا تنطفئ

رغم أن أمريكا تمكنت من القضاء على غريمها الأول أسامة بن لادن، في مايو 2011، إلا أنها لم توقف هجومها المسلح في أفغانستان، فلا يزال هناك أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي هناك، يقاتلون تمرد طالبان المتزايد، ما يجعل هذه الحرب هي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، حتى مطلع عام 2020 الذي تعهد فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخروج جنوده من افغانستان في مدة أقصاها 15 شهر بشرط أن تفي طالبان بوعودها وتلتزم الخريطة الدبلوماسية الموضوعة من أجل السلام.

وذكرت الكاتبة الأمريكية “روليز ووك” أن السبب في استمرار الحرب الأمريكية الأفغانية إلى الآن هو رغبة أمريكا في رد كرامتها أمام العالمـ فأحداث 11 سبتمبر تركت غصة في نفوس الأمريكان.

غزو العراق

ليست أفغانستان وحدها التي دفعت ثمن ما حدث في 11 سبتمبر، فذراع أمريكية قوية امتدت لقلب العراق بداية عام 2003، بعد أن رأى الرئيس الأمريكي “بوش”، أن إدارة صدام حسين للعراق يشكل تهديداً للنظام العالمي الذي باتت الإدارة الأمريكية تبحث عن التحكم بمجرياته في جميع الدول، جاء القرار بغزو العراق، عزز موقف بوش من دخول العراق تطلعات الرئيس العراقي صدام حسين لبناء أو توسيع برامج الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد الأمن الأمريكي لاحتمال مساعدة صدام للجماعات المتطرفة لغزو الغرب فيما بعد، وبالفعل دخلت أمريكا العراق، وتسببت في هزة للمنطقة بأكملها، وخلق فوضى مستمرة أدت إلى حروب أهلية، وهجمات إرهابية لا حصر لها، في معظم أنحاء العالم، ولا تزال العراق تدفع ثمنها إلى الآن.

نزيف المال

رغم مرور 19 عام على الواقعة إلا أن هناك نزيف مالي واقتصادي تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية، فبلغ حجم إنفاق الولايات المتحدة الأمريكية اليوم 32 مليون دولار في الساعة على الحروب التي خاضتها منذ 11 سبتمبر، وقد وصلت التكلفة الإجمالية أكثر من 5.6 تريليون دولار.

اقتصاد العرب

الغضب الأمريكي لم تدفع أمريكا وحدها ثمنه، فدفع العرب أيضاً ثمناً تمثل في انتشار مجاعات وحرائق وانفجارات في أكثر من 50 دولة منذ 11 سبتمبر وإلى الآن، لليد الأمريكية الدور الأعلى فيها بحجة محاربة ومكافحة الإرهاب في شتى بقاع الأرض، بدءً من ضربات الطائرات بدون طيار وحتى عمليات الرصد والمراقبة.

 كره الإسلاميين

تسبب حادث 11 سبتمبر في كراهية عميقة للإسلاميين في شتى بقاع الأرض، تسبب فيه هوية “بن لادن” العدو الظاهري لأمريكا، والذي لم يشفي غليلها موته بل ظلت تطارد جميع العباءات الدينية في مختلف الدول وبطرق عدة.

نشرت “باريرا كيز” استاذ التاريخ الدولي وكاتبة في الشأن الأمريكي نهاية عام 2018، بحثاً حول العداء الأمريكي للإسلاميين، شرحت خلاله كيف تسببت أحداث 11 سبتمبر في وضع اللبنة الأولى للعداء بين أمريكا والإسلام أو تحديداً الإسلام المتطرف، بدأت حربها ضدهم بداية من استخدام وسائل الإعلام والأفواه السياسة في العديد من الدول، لتطرح فكرة العنف الإسلامي، وكيف يؤثر على نهضة الشعوب، وتجسيدهم كأعداء لجميع الأديان، ووجوب محاربتهم، وصولاً إلى اقتلاع البؤر الإسلامية المتطرفة من مقراتها ومطاردتها كما حدث مع طالبان وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية داعش، وغيرهم من الكيانات التي تخفت في عباءات دينية.

مسلمو الولايات المتحدة

تعرض المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية وأماكن أخرى للمضايقات والعنف، لدرجة استهداف المساجد ودور العبادة والتجمعات الإسلامية على مدار 19 عام في أكثر من دولة، فغالبًا ما يتعامل الغرب مع المسلمين في الدول الغربية على أنهم العدو البارز الأول، حتى أن وصول الشعبيون الأوروبيون إلى سدة الحكم كان نتيجة لاستنكارهم وجود اللاجئين من الدول ذات الأغلبية المسلمة كسوريا، وصل الأمر إلى توقيع دونالد ترامب بعد أسبوع واحد من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، على مشروع “حظر المسلمين” والذي يهدف إلى منع المواطنين من ست دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة، كان هذا متسقاً مع القواعد الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة على الهجرة لديها، والتي حولت بها أمريكا نفسها لقلعة حصينة لا يدخلها أي مسلم بسهولة.

صلح ظاهري

تميز أوباما عن غيره من الرؤساء الأمريكيون بذكاء شديد، وقدرة عالية على إدارة الأمور بدبلوماسية ، فأدرك مبكراً أهمية عقد صلح أمريكي مع إيران، لتمكنه من السيطرة على الشرق الأوسط، فبدأت أولى خطواته لذلك عام 2009 ، عندما أرسل أوباما إلى طهران إشارات حسن نية واستعداد للتفاوض، لكن الإيرانيين لم يكونوا جاهزين، فمن جهة أرادوا تحسين موقفهم التفاوضي، ومن جهة أخرى كانت لديهم أولويات أهمها اختبار الأمريكيين في العراق، ما أسفر عن تفاهم غير معلن على نوع من تقاسم النفوذ على الحكم في بغداد، وقد استندت إليه طهران لتوسيع نفوذها داخل العراق، بخلاف إقدامها على التقدم في الملف النووي، الذي لن تسمح امريكا أبداً بأن يفلت من بين يديها، فهو أمر لا يمكن توقع شكل نهايته خاصة في ظل تدخل إسرائيل بهجمات إليكترونية على طهران، بل وصل الأمر لتصفية العلماء الإيرانيون داخل بلدهم، فإسرائيل منزعجة من التقارب الأمريكي الإيراني، أكثر من انزعاجها من أي شيء آخر.

 خوف إسرائيلي

البنت المدللة لأمريكا كما يطلق عليها، طوال فترة الخصام والتباعد العربي الأمريكي بسبب واقعة برج التجارة العالمي، كانت إسرائيل تحصد في المكاسب، والتي كان أهمها الصمت الدولي بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية عن جرائم الاحتلال في فلسطين، لم يؤرق مخدعها سوى التقارب الأمريكي الإيراني، خاصة في عهد الرئيسي أوباما، حتى وصل الأمر إلى مطالبة إسرائيل بتدمير البرنامج الإيراني كاملاً، مطلع 2012 وفي المقابل وجدت واشنطن  الوقت مناسباً أن تنصح إسرائيل مجدداً بالتوصل إلى اتفاق سلام نهائي وشامل مع الفلسطينيين، باعتبار أنه يشكل هذا دفعاً حيوياً للموقف التفاوضي الغربي مع إيران، إلا أن إسرائيل تجيد عدم خلط الأوراق بعضها البعض جيداً فهم  يفصلون بين المسألتين ظاهرياً رغم أنهم يربطون بينهما عملياً، ويفضلون إخفاء خططهم وأورقاهم حتى عن حليفتهم وشوكتهم القوية “ماما أمريكا”.

 مجلس التعاون الدولي

يبدو أن حبل الوصال الأمريكي الإيراني لم يلتف حول العنق الإسرائيلي فحسب، بل بات يداعب مجلس التعاون الخليجي كله بداية من عام 2011، وصنع لديهم قلق شديد، في هذا التوقيت الذي اتسم بثورات عربية عدة، وحالة توتر داخلي في جميع البلاد.

جاءت المخاوف الخليجية وقتها من فكرة تسليح إيران نووياً، لكنها وضعت نفسها منذ البداية بمنأىً عن تفاصيل المفاوضات بعدما لمست تصميماً أمريكياً وأوروبياً على منع حصول هذا التسلّح، حماية للمصالح الأمريكية التي أصبحت لديها فوبيا من أي دولة أخرى تمتلك السلاح، لذلك اهتمت بالجانب الآخر من التفاوض، وهو النفوذ الإقليمي، وهو ما دعاها للتظاهر كثيراً على أنها قوة إيجابية وعنصر استقرار في المنطقة لن يكون له معنى طالما أن جيرانها العرب وغير العرب خائفون منها ولا يثقون بها.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن أمريكا ليس لديها أي مشكلة في التخلي عن أي اجندة وضعتها سابقاً لإصلاح النظام الإيراني في حال تعارض ذلك مع مصلحة أمريكا العليا أو هدد أمنها، فبرغم ملامح الصلح إلا أنه في الوقت المناسب ستعلن امريكا معاداتها لأي دولة تمتلك السلاح.

أمريكا وقطر

اوضحت وكالة “ذا كونفرسيشن” الجنوب أفريقية منتصف عام 2018  إن العلاقات القطرية الأمريكية كانت جيدة خلال السنوات الماضية، إلا أنها توترت قليلاً بعد إعلان قطر تحديها للمصالح الأمريكية وذلك بدعمها استثمار 15 مليار دولار في تركيا التي تواجه غضباً أمريكياً غير مسبوق، حيث فرضت أمريكا عقوبات شديدة على اقتصاد تركيا لرفض الأخيرة الإفراج عن قس أمريكي تم احتجازه لمدة عامين تقريباً، وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية فرض الضغوط الاقتصادية على تركيا على أمل اطلاق سراح القس الامريكي، الأمر الذي أدى لإثارة أزمة في العملة هناك وقتها، إلا أن مساعدات قطر تصدت لهذا الضغط، وحلت الازمة التركية، وهو ما اعتبرته أمريكا آنذاك عرقلة لسياساتها الخارجية، مما أدى لتوتر العلاقات الأمريكية القطرية.

دعم الإرهاب

لم يكن دعم قطر لتركيا البادرة الأولى التي تقف فيها الدوحة أمام السياسة الأمريكية فقد لُوحظ أن قطر فعلت ذلك أكتر من مرة خلال العقدين الماضيين واعربت واشنطن عن قلقها من دعم قطر للجماعات المتطرفة والإرهابية.

إلا أن العلاقات أخذت تتأرجح بين الدوحة وواشنطن خاصة بعد ما رصدته الكاميرات منتصف 2019 من الحفاوة التي استقبل بها ترامب الأمير القطري تميم في البيت الأبيض، قد اذاعت وكالة دوتشييه فيليه الألمانية نص الكلمة التي ألقاها حاكم قطر خلال تواجده في واشنطن وهو يتحدث عن اقتصاديات قطر الفترة القادمة والحديث عن تبادل الخبرات في النفط والغاز بين البلدين، معرباً ان الفترة القادمة ستشهد نمو أكبر في العلاقات بين قطر وأمريكا.

مصالح عليا

تباين كبير في العلاقات الأمريكية القطرية، منذ 2001 وإلى الآن، تحملت خلاله واشنطن أكثر مما ينبغي من قطر والتحليل الوحيد للموقف القطري هو أن الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى قطر أكثر من حاجة قطر إلى أمريكا، بسبب ما يوجد لدى قطر من احتياطي للنفط والغاز، الأمر الذي يعزز قيمتها لدى الولايات المتحدة الأمريكية ويجعل منها شريكاً اقتصادياً مهماً مستقبلاً مما يجعل الأخيرة في حالة صبر دائم على قطر

وهو ما يتوافق مع ما أوضحته وكالة “ذا كونفرسيشن” منتصف أغسطس 2018، أنه على الحكومة القطرية أن تتحلى بالفطنة لتكون قادرة على فهم طبيعة السياسة الأمريكية الخارجية المتقلبة وغير المتوقعة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي لم يتردد في الاصطدام بالرئيس التركي رجب طيب أروغان، فهو على أتم الاستعداد للاصطدام بدولة الحمدين في الوقت المناسب الذي ترى فيه الولايات المتحدة الأمريكية اكتفاء مصالحها من الاستثمارات القطرية.

اقتربت الولايات المتحدة الأمريكية على إنهاء العقد الثاني لإحداث 11 سبتمبر ولا تزال هناك صراعات وتحولات في العلاقات يشهدها العالم كله، معارك لا أحد يمكنه توقع نهاياتها، جميعها تصب في اتجاه واحد، هو رد الكرامة الأمريكية.