خلال السنوات القليلة الماضية تعالت الأصوات النسوية في مصر، تلك الأصوات التي أخذت على عاتقها تصحيح الأخطاء التي يرتكبها المجتمع تجاه النساء سواء على المستوى الاجتماعي أو مستوى السياسات.
ففي مصر تعاني المرأة معاناة مضاعفة، تبدأ في رحلة بحثها عن المتطلبات البدائية وتنتهي بالمطالب الجندرية، مثل مناهضة العنف ضد النساء، والانتهاكات الجنسية وعدم التمييز ضدهن سواء في الأجور أو العمل… وغيره امن القضية.
لم تكن النسوية جديدة على المجتمع العربي عموما، والمصري بالأخص فقد عرفت منذ قديم الزمن، لكن القضايا العامة ظلت تغطي على القضايا الجندرية، حتى تخطت الأمور المدى، وكانت لقضايا التحرش والعنف ضد النساء الفضل الكبير في اتساع رقعة النسوية سواء من المنتمين أو المتضامنين.
لمحة تاريخية عن المشاركة النسائية في مصر
تشير بعض الكتابات إلى مشاركة النساء في المجال العام المصري، تزامناً وكجزء من الحراك الوطني ضد الاستعمار، وذلك في نهايات القرن الثامن عشر-بدايات التاسع عشر، حيث خرجت النساء للتظاهر والاحتجاج على الحملة الفرنسية منذ دخلت القوات الفرنسية مصر في الإسكندرية عام 1798.
واستمر نضالهن البارز ضد الاحتلال، وكان أبرزه مشاركتهن في أحداث ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني. وتعد هذه المشاركة أولى مراحل تكون النسوية المصرية. وخرجت ثلاثمائة امرأة في مسيرة إلى “بيت الأمة” (منزل سعد زغلول)، للمطالبة بالاستقلال الوطني وحرية المرأة في نفس الوقت. ومع مرور الوقت، ونتيجة قمع جنود الاحتلال، ازدادت حدة المظاهرات، وخرجت النساء من جميع طبقات المجتمع. خلال تلك المظاهرات، سقطت أول شهيدة مصرية برصاص الاحتلال تسمي “شفيقة بنت محمد”. تحولت جنازتها إلى مظاهرة كبرى، اشترك في الآلاف من النساء، سقط خلالها أربع شهيدات أخريات.”
وقد نتج عن ذلك الحراك تطور على مستوى الوعي وكذلك الخطاب النسوي، ثم نتج عنه تطور للوعي النسوي، ومن ثم السعي نحو مطالب تخص النساء وحقوقهن وأوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
مرت الحركة النسوية في مصر بأربع موجات مختلفة، تميزت كل منها بمطالب معينة تبرز تطور الخطاب والحراك النسوي في كل من المجال الخاص والعام.
وكان الحق في التعليم والحق في الانتخاب أبرز مطالب الموجة الأولى للنسوية، والتي كانت في الفترة من أواخر القرن الـ 19 وحتى ثورة 1952، وقد كانت للصحافة النسائية دور بارز في زيادة الوعي والمطالبة بتك الحقوق. وكان من أبرز مكتسبات تلك الموجة هو الفوز بالحق في التعليم وإقراره في الدستور عام 1923.
لكن النساء ظلت محرومة من حقوقها السياسية في هذه الفترة، ما أدى إلى تأسيس الاتحاد النسائي المصري الذي كان يحمل أجندة وطنية معنية في المقام الأول بالاستقلال وبناء الدولة الحديثة، وتمثلت أهداف الاتحاد في “الحق في التعليم الأولي والثانوي والعالي وتشجيع الصناعة الوطنية وحماية الأيدي العاملة، وأخيراً قسم نسوي متعلق بحقوق النساء في التعليم والانتخاب والقوانين المنظمة للزواج”.
وفي الفترة من خمسينات إلى سبعينات القرن العشرين، بدأت الموجة الثانية من الحركة النسوية. وامتدت مطالبات النساء بحقوقهن السياسية، وأضيف اليها حقوقهن كنساء عاملات، وشهدت هذه الفترة إضرابا عن الطعام قادته درية شفيق، وانضمت له عدد من النساء عام 1954 بنقابة الصحفيين مطالبة بحقوق النساء السياسية.
وأقر دستور 1956 بالفعل بعدها حق النساء في الانتخاب والترشح في الانتخابات. كما قادت إضراباً آخر عن الطعام عام 1957 احتجاجاً على السياسات والقرارات للرئيس جمال عبد الناصر، وهو ما أدى إلى وضعها تحت الإقامة الجبرية وعدم السماح لها بمغادرة منزلها.
وجاءت أهم التعديلات في الحقبة الناصرية فيما يخص الحقوق النسوية، بفتح المجال أمام النساء للعمل في مجالات مختلفة، ولكن ظلت مجالات معينة كالقضاء والسلك الدبلوماسي والمناصب الوزارية العليا حكراً على الرجال.
في عام 1981 صدّقت الدولة على اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد النساء (السيداو)
ومن الثمانينات وحتى ثورة 25 يناير 2011 جاءت الموجة الثالثة للحركة النسوية في مصر، وتميزت هذه الموجة بانخراط النسويات في منظمات المجتمع المدني. وشهدت هذه الحقبة التصديق على عدد من المعاهدات الدولية التي تخص حقوق المرأة.
ففي عام 1981 صدّقت الدولة على اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد النساء (السيداو). وأرخت الدولة في أعقابها القبضة على المجتمع المدني، وغيرت قوانين الجمعيات وتنظيم العمل الأهلي، مما فتح المجال للنسويات لتأسيس منظمات نسوية ومراكز بحثية وحقوقية وقانونية. فيما برز دور النساء والعمل على عددا من القضايا الجندرية مثل مناهضة الختان والانجاب والعنف ضد المرأة التي لازالت حديث اليوم.
نسويات الموجة الرابعة
جاءت الموجة الرابعة عقب ثورة يناير، وشاركت النساء في العديد من الفاعليات سواء على مستوى المجال العام، أو المبادرات النسائية الشابة، الأمر الذي ساهم في كسر مركزية النسوية والخروج من ناطقها المتعارف عليه.
ونشأت عددا من المبادرات النسائية برز خلالها قضيتين لازال مستمر الحديث عنهم حتى الآن، وهما قضية العنف الجنسي والجسدي ضد النساء، وصياغة حقوق النساء على مستوى التشريعات.
ترى وفاء عشري، وهي نسوية وعضوة في أحد الأحزاب اليسارية، أنها ولدت وتربت في أسوان، وأن اختيارها بأن تصبح نسوية جاءت نتيجة لعدد من الممارسات التي حدثت من أسرتها تجاهها والتضيق عليها في الخروج والفسح والزيارة للصديقات من منطلق انها فقط بنت، وبالتالي حرمت من الكثير، في الوقت نفسه الذي كان يتمتع أشقائها الذكور من كل شيء.
تقول وفاء:” بعدما تخرجت من الجامعة وبدأت رحلتي العملية، مورست أمي العنف ضدي لمجرد استقلالي المادي، اعتراضا منهم على انفرادي بقراراتي، وخوفا منهم من فكرة الاستقلال المادي”.
وتابعت:” وازداد الأمر سوءا مع أهلي بسبب رفضي لموضوع الزواج، وهو ما زاد غضب أهلي خاصة أن نشأتنا صعيدية، وازداد الغضب داخلي تجاه الأفعال المجتمعية، مع بعض المواقف التي حضرتها وإن كانت لم تحدث لي بشكل شخصي”.
وأضافت:” بداية رحلة تضامني مع معاناة السيدات حولي، كانت مع سيدة مورس عنف جنسي تجاهه، الأمر الذي تسبب في ممارسة عنف مجتمعي تجاهه من أبناء البلدة، لكني وجدت نفسي اتضامن منها، وكنت دائمة الظهور معها في الأماكن العامة”.
وتابعت عشري:” لم استطعت فعل أي شيء في هذه القصة إلا أن أكون داعمة لهذه المرأة ومتضامنة معها، أما الوقعة الثانية وهي أثناء عملي في أحد مؤسسات المجتمع المدني ودفاعي في وجود عدد أكبر من الفتيات للانضمام للعمل وتم مهاجمتي بشكل مباشر”.
تضيف الفتاة الثلاثنية:” كل هذه الأمور كان في خلفيتي وحينها كنت لا قرأت عن النسوية ولا أعرف عنها شيئا، لكني فقط كل ما أعمله التضامن والمساندة والمساعدة للنساء فيما يتعرضن له”.
وتستطرد:” من تلك الخلفيات بدأت أتوجه للنسوية، وخلال عملي كتبت مقترح مناهض للختان وأشركت معي مجموعة من الزملاء وكان مقترح هائل، لكن مع الأسف هذا المقترح تم رفضه تماما حينها”.
تقول إلهام عيداروس، الناشطة النسوية، أن التضامن كان سبب رئيسي في اتساع رقعة العمل النسوي خلال السنوات الماضية، وأن النسوية خرجت من ثوب القراءة والثقافة، إلى ثوب التضامن والحراك المجتمعي حتى لو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، كما شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية.
وتضيف أن التضامن جعل قضايا النساء تطرح نفسها بقوة على الساحة الحقوقية، واستطاعت أن تضم الكثير باختلاف اعمارهن”.
النسوية في عيون أصحابها
الناشطة النسوية أميمة عماد ترى:” أن في بداية الأمر كانت ترى أن الرأسمالية هي أسباب أزمات النساء، وأنه لم تم إرساء العدالة الاجتماعية كل مشاكل النساء ستحل، لكني مع توسعي في القراءات اكتشفت ان ليس فقط الرأسمالية السبب ولكن ايضاً الأبوية والنظام السلطوي، إلى جانب ما تعرضت له كأنثى مصرية، فقد تعرضت للتميز ضدي في فرص العمل، إلى جانب تمييزي في المناصب القيادية حتى في المؤسسات التي التحقت بها لمجرد أنني (واحدة ست)”.
تضيف الناشطة النسوية:” لقد تم رفض رسالة الماجستير الخاصة بي، بسبب أن الدكتور المشرف عليها رفض خلعي للحجاب ونزولي للتظاهرات أثناء ثورة يناير، إلى جانب العنف الأسري الذي تعرضت له والكثير من الفتيات يتعرضن له بصفة مستمرة، إلى جانب العنف الجنسي الذي تعرضت له أنا وغيري من الفتيات”.
وتابعت:” إلى جانب الحكايات الكثيرة عن النساء المكلومات والمتعايشات مع معاناتهن في المجتمع، الأمر الذي دفعني للتفكير فيما نتعرض له كنسوة من ظلم وتمييز وعنف واستغلال داخل المجتمع “.
أما الناشطة النسوية إسراء سراج تقول:” النسوية تعني لي وجودي، مرجعيتي في كل أمور حياتي ومن خلالها بقدر أعرف موقعي فين من الأشياء والأشخاص وهل هو ده الموقع السليم اللي المفروض أكون فيه ولا لا”.
وتابعت:” اختياري للنسوية في البداية كان اختيار غير واعي، كان عمري حينها 20 سنة وكنت بتدخل في ” خناقات” على الأشياء والقرارات مع أهلي والمجتمع والدولة على حقي ووجودي كست بدون وعي إن نضالي ده نضال نسوي. ومع الوقت بدأت أقرأ إصدارات نسوية وأحضر ورش وندوات وأتابع كتابات النسويات وفي الوقت ده أدركت إن معاركي التي أخوضها، معارك نسوية وكنت سعيدة، واختارت اشتغل عليه ومن وقتها وأنا بعرف نفسي كنسوية وفخورة بده جداً”.