يستعد للذهاب للعروس التي اختارتها والدته له، ينظر لنفسه في المرأة، يتأكد من كون ملابسه مهندمة، تقع عينيه على دوائه الذي يتناوله يوميًا، فيدور في رأسه حوار حول تعامل عروسه مع أمر إصابته بفيروس الكبد الوبائي (بي)، فلطالما كان ذلك الأمر بمثابة بعبع يخيف كل من يتقدم لهن.
خالد عرفة، محامٍ، 35 عامًا، علم بإصابته بالتهاب الكبد الوبائي فيروس “بي”، منذ فترة قريبة، عقب طلب طبيبه إجراء فحوصات فيروسات، ليفاجئ بأمر انتقال فيروس الكبد الوبائي له.
“خالد” تقدم لخطبة الكثير من الفتيات، لكن في كل مرة كان يواجه بالرفض، بسبب مرضه، كما أن أغلب أصدقائه وأهله يخافون التعامل معه بشكلٍ مباشر حتى لا ينقل لهم الفيروس الوبائي.
الالتهاب الكبدي، هو الذي يسببه فيروس الالتهاب الكبدي “بي HBV”، وقد تتحول عدوى الالتهاب إلى عدوى مزمنة لدى بعض الأشخاص، عندما تستمر لأكثر من 6 أشهر.
فيروس بي
قد يتعافى أغلب المصابين بالالتهاب الكبدي “بي” بشكلٍ تام، ويعتبر الرضع والأطفال أكثر عرضه للإصابة بعدوى الالتهاب الكبدي “بي” المزمن طويل المدى.
وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية فهناك نحو 325 مليون شخص في العالم، يعانون من فيروس التهاب الكبد “بي” أو فيروس التهاب الكبد “سي”، وتسبب في 1.34 مليون حالة وفاة في عام 2015.
الجهل بطبيعة المرض يخيف الناس
خالد عرفة، قال إنه كلما تقدم إلى فتاة وعلم والدها بأمر إصابته بفيروس “بي” رفضوه على الفور، حتى إن آخر عروس تقدم لها قالت له “تزوج من فتاة من ملجأ، أو تزوج من مريضة مثلك، لماذا أوافق عليك وأنت معطوب؟!”.
حمادة محمد، طبيب بيطري من المنيا، شاب ثلاثيني، أكد أنه يمكن لمريض فيروس “بي” الزواج دون انتقال العدوى للطرف الثاني، إذ يتحصن باللقاح ويصبح أمن بنسبة 100% من انتقال الفيروس إليها ولأولادها، كما أكد أن سبب خوف الناس منه ونبذه في أغلب الأماكن التي يذهب إليها هو جهلهم بطبيعة المرض، فلا يعرف طبيعته إلا المصابين به.
وأضاف أنه يخاف الذهاب لعروس بسبب ما سمعه من مأسي أصدقائه، التي تتنوع ما بين الرفض والإهانة والتنمر، من قبل أهالي الفتيات، عقب معرفتهم بأمر مرضه ما يجعله طوال الوقت خائفًا من الإقدام على مثل تلك الخطوة.
الدكتور إمام واكد، أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمي في معهد الكبد القومي، قال إنه يمكن لمريض فيروس “بي” الوبائي الزواج، شريطة أن يخبر الطرف الثاني بما يعانيه، حتى لا يصاب به وبتعرض لمضاعفات تؤدي إلى وفاته.
أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمي في معهد الكبد القومي أكد أنه هناك تطعيمات ولقاحات للطرف غير المصاب من الفيروس، بحيث يتوقف انتقال الفيروس على قوته عند الطرف المصاب، وكذا القدرة المناعية للطرف السليم.
منظمة الصحة العالمية أكدت أن نسبة الأطفال المصابين بمرض التهاب الكبد الوبائي المزمن من فئة “بي” انخفضت لأقل من 1 % في عام 2019
أنفق على الزواج أم المرض!
“لا أعلم هل أنفق على الزواج، أم أنفق على علاج الفيروس، والذي يستنزف كل مصدر دخلي؟، لأن حتى العلاج خاصة أن التوقف عن تلقي العلاج قد يصيب الزوج والأطفال، وأتوقع أن أصاب بمضاعفات في حين التوقف عن تناول العلاج”.. هكذا بدأت شيماء صديق، حديثها.
تنتظر الفتاة العشرينية علاج يقضي على الفيروس بفارغ الصبر، كذا مساواة وزارة الصحة والسكان لهم مع مرضى فيروس “سي”، وتوفير الأدوية لهم بالمجان، إذ تنفق نحو 1300 جنيه شهريًا على أدويتها فقط.
علاج مؤقت
اتفق الأشخاص السابقين على أن كل الأدوية المتوفرة ماهي إلا مسكنات، إذ تمنع تكاثر الفيروس وانتشاره، وتختلف الأنواع باختلاف شدة الفيروس، فيصل سعر عبوة الدواء إلى 900 جنيها تقريبًا، والمدعم منها بـ 400 جنيها شهريًا.
الدكتور جمال شيحة، رئيس جمعية رعاية مرضى الكبد، قال إن فيروس “بي” الكبدي، أحد أسرع الفيروسات انتشارًا وخطورة حتى من فيروس “سي”، كما أنه يتنقل بطرق عدة منها الدم، واللعاب، والعلاقة، عكس فيروس سي الذي ينتقل عن طريق اختلاط الدم فقط.
رئيس جمعية رعاية مرضى الكبد، أكد أن مرضى الفيروس الوبائي “بي” أكثر وأسرع عرضه للإصابة بسرطان الكبد، ويحتاج لفترات طويلة للعلاج، قد يستمر لأخر العمر مع المريض.
“شيحة”، أشار إلى أنه هناك أربع أنواع من الأدوية ويتم تناوله عن طريق الفم، لكن العقبة تكمن في أنه قد يظل الشخص طوال العمر يتناول الأدوية الخاصة بالفيروس، والتوقف عن تناوله يؤدي إلى احتمالية إصابة الشخص بسرطان الكبد أو تليف.
وأكد أن العلاج حق لكل مريض يكفله له الدستور المصري، وعلى الدولة أن توفر الدواء الخاص برضى فيروس بي، وكذا أساليب الفحص والتحليل، والتعريف بالمرض وطرق انتشاره، مثلما يحدث مع مرضى فيروس سي، خاصة وأن مرضى فيروس بي أكثر عرضة لوفاة نتيجة عدم الانتظام في تناول الأدوية.
ينص الدستور على” لكل مواطن الحق في الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة”
أمين صندوق جمعية مرضى سرطان الكبد، الدكتور محمد عز العرب، قال إنه يجب توفير فحص شامل مجاني أو بسعر رمزي وكذا الأدوية لمرضى فيروس بي الوبائي، باعتباره الأكثر شراسة والسبب في انتشار مرض سرطان الكبد.
“عز العرب”، أضاف أن نسبة إصابة مرضى فيروس “بي” بسرطان الكبد تصل إلى 14% من إجمالي المصابين به، في حين يصاب 5% بسرطان الكبد من المصابين بفيروس “سي”.
وتهدف استراتيجية منظمة الصحة العالمية الخاصة بالقطاع الصحي العالمي لالتهاب الكبد إلى اختبار 90% وعلاج 80% من المصابين بفيروس التهاب الكبد “بي” و “سي” بحلول عام 2030.
جهل بطبيعة المرض
استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، يقول إن السبب في التنمر على مرضى التهاب الكبد “بي” هو جهل الناس بطبيعة المرض، بالإضافة إلى الاجتهاد الذي يقوموا به ليظهر كل منهم على أنه الأكثر فهمًا.
“فرويز” أكد أن ذلك يتسبب في أزمات نفسية للمرضى، ويحبطهم، وقد يجعل البعض لا يواظبون على الأدوية والراحة المطلوبة منهم، ما يؤثر عليهم سلبًا.