سارت السلطة التشريعية في مصر خلال السنوات الخمس الماضية على هوى السلطة التنفيذية، والإطار المرسوم للعلاقة بين الحاكم والمُشرع منذ اليوم الأول في عمر مجلس النواب الحالي، فلم نشهد اعتراضات كثيرة أو مواجهات ساخنة تحت القبة تشي بأي اختلافات في الرؤى والأولويات.
ورغم تمرير الكثير من القوانين في الفصول التشريعية الخمس، إلا أن رئيس الجمهورية سجل اعتراضه على قانونين فقط، هما قانون التجارب السريرية والجمعيات الأهلية، كانا نقطة الخلاف الوحيدة بين الرئيس والبرلمان خلال 5 سنوات من العمل الهادئ الذي لم يعكر صفوه أي قانون.
الجمعيات الأهلية
أثار إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية جدلا واسعا في الأوساط الحقوقية بعد تصديق الرئيس على القانون القادم من مجلس النواب في 2017، نظرا لاحتواء نصوصه على تشريعات اعتبرها حقوقيون خطوة جديدة في تحجيم عمل منظمات المجتمع المدني في مصر، تتعلق بتوفيق الأوضاع وتحديد عقوبات كبيرة.
تلك الاعتراضات وصلت صداها منتدى شباب العالم التي نظمتها الحكومة المصرية للاستماع إلى أفكار الشباب من مختلف الجنسيات، ليقر الرئيس بأن القانون يحتاج إلى مراجعة لتفادي شبهة العوار الدستوري، حين رد الرئيس قائلا: “كان فيه تخوف أدى أن القانون يخرج بشكل فيه عوار”.
ولم يمر وقت طويل حتى أعلنت الحكومة بدء مناقشة إجراء تعديل في قانون الجمعيات الأهلية المثير للجدل، من خلال اجتماع ترأسه وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والى لوضع تصور شامل لتعديل قانون الجمعيات الأهلية، وانطلق حوار مجتمعي يشمل حوالي 1000 جمعية أهلية على مستوى البلاد بشأن القانون، فضلا عن تنظيم حوار مع المنظمات الدولية المرخص لها بالعمل في مصر.
التجارب السريرية
القانون الآخر الذي اعترض عليه الرئيس خلال السنوات الخمس الماضية، هو قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية، والمعروف إعلاميًا بقانون التجارب السريرية، الذي سبق وأن أقره البرلمان في مايو 2018، ويتعلق بتنظيم عمليات البحث العلمي وإخضاع المرضى للتجارب والأبحاث.
لكن الرئيس أبدى تحفظه على بعض مواد القانون، وعلى إثره شكّل مجلس النواب لجنة خاصة لدراسة موضوع الاعتراض قبل أن تقدم تقريرها إلى الجلسة العامة للمجلس.
وقال الرئيس السيسي في خطابه إلى البرلمان حينذاك: “جهات علمية لاحظت عدة أمور رأيت معها أن أعيد القانون للمجلس لإعادة النظر فيه وفقا للأحكام الدستورية المقررة خاصة ما يتعلق بالمواد 4 و 5 و 9 و20 و22، والتي تحتوي على نصوص تشترط موافقة المجلس الأعلى للجامعات والمخابرات العامة والهيئات الرقابية على بروتوكول البحث والتفتيش عليه، ونظرا لأن الأبحاث الطبية تشمل رسائل الماجستير والدكتوراه والحرة والممولة في كليات الطب البشري والعلوم والصيدلة مما يعني وجود أعداد هائلة كل شهر يستحيل معها متابعة جميع الأبحاث”.
واعترض الرئيس في خطابه على عدد ممثلي الجامعات المصرية والمعاهد في المجلس الأعلى للبحوث الطبية، وهو 4 فقط من أصل 15، إذ قال “مع العلم أن 97% من الأبحاث العلمية تجرى في الجامعات والمعاهد التابعة للتعليم العالي”، كما لفت إلى أن مشروع القانون ينص على أن يتولى الأمانة العامة للمجلس الأعلى رئيس الإدارة المركزية للعلوم الطبية في وزارة الصحة، وأضاف “مع العلم أن الوزارة لا تمثل إلا جزء ضئيل جدا من مجمل هذه الأبحاث في مصر”.
وشملت الاعتراضات أيضا المواد العقابية بمشروع القانون، حيث لم تضع في اعتبارها طبيعة البحث العلمي، على حسب ما جاء بخطاب الرئيس، واعتبرت المخالفات متساوية بجميع البحوث الطبية بعيدا عن نوع البحث، وهو ما يمكن أن يحدث حالة رعب بين الباحثين سيؤدي إلى الإعراض عن البحث العلمي في مصر.
اعتراض الرؤساء.. دلالة ديمقراطية
ويعد اعتراض عبدالفتاح السيسي على مشروع قانون البحوث الطبية الإكلينيكية الواقعة الثانية من نوعها التي يعترض فيها الرئيس على تشريع في تاريخ الحياة البرلمانية، إذ كانت الأولى في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات عندما اعترض على بعض مواد قانون العدالة الضريبة، وكان رئيس مجلس الشعب آنذاك سيد مرعي، وشكلت لجنة خاصة برئاسة وكيل المجلس جمال العطيفي، وأعيد دراسة المشروع وعرض على الرئيس للمرة الثانية.
ورأى رئيس البرلمان الدكتور علي عبد العال في تصريحات سابقة أن اعتراض رئيس الجمهورية على مشروع قانون مؤشر على حيوية الحياة السياسية، والتفاعل الصحي بين جميع السلطات.
وبرأي السيد الشريف، وكيل أول مجلس النواب، فإن اعتراض الرئيس على بنود مشروع القانون وقبول المجلس النيابي لها، يعطي صورة للديمقراطية الحقيقية وتفعيلاً لمواد الدستور واختصاصات الرئيس في هذا الأمر من جانب، بالإضافة إلى كونه دليلا على احترام السلطات بعضها البعض من جانب آخر.
وأكد “الشريف” أن قبول اللجنة العامة لمجلس النواب اعتراض رئيس الجمهورية على مواد مشروع القانون دليلاً علي سعة الصدر وإعلاء المصلحة العليا المقدمة علي أي مصلحة أخرى.