تشير العديد من المؤشرات والتقارير الغربية، إلى قرب ساعة “تطبيع” الرياض مع إسرائيل، بعد خروج جيرانها، الامارات والبحرين بعلاقاتهم مع إسرائيل للعلن وتوقيع اتفاقيات سلام في أقل من شهرين، لكن بحسب المراقبين فإن مكانة المملكة الدينية والقضية الفلسطينية قد يبطأن من مساعي الرياض لاتخاذ هذه الخطوة في المستقبل القريب.

وقد أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عبر حسابه الرسمي على “تويتر”، الجمعة الماضية، عن توصل البحرين وإسرائيل إلى “اتفاق تاريخي” لإقامة علاقات كاملة بينهما، وذلك بعد أقل من شهر بقليل من توقيع الامارات واسرائيل اتفاق مماثل.

ضوء أخضر

ويري المراقبين أن اقدام البحرين علي خطوة التطبيع تم بضوء أخضر من السعودية، وفي نفس الأمر هو مؤشر على أن إقامة علاقات رسمية بين الرياض وتل أبيب مسألة وقت، نظرًا لعلاقة الأخيرة بالبحرين وتوسع نفوذها هناك، ويتوقع البعض أن ترامب سيدفع الرياض وعواصم عربية أخري إلى التطبيع مع إسرائيل قبل الانتخابات الأمريكية القادمة، حيث تأتي الرياض علي رأس القائمة، نظرًا لثقلها الإقليمي في المنطقة، ولحاجة إسرائيل والولايات المتحدة لموافقتها لمنح غطاء شرعي لاتفاقيات التطبيع، نظرا لرمزية السعودية وأهميتها كمدخل أساسي للعالم العربي والإسلامي.

بينما ذكر خبراء أن إسرائيل يجب أن تقدم المزيد من التنازلات إذا أرادت التطبيع مع الرياض لا سيما في ظل النهج الداعم لفلسطين الذي يتبناه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.

ويؤكد سيمون هندرسون، المحلل الأمريكي، أن “الملك سلمان داعم جدا للموقف الفلسطيني حيث ترى المملكة نفسها مركزا للعالم الإسلامي ولا يرغب الملك في إلحاق الخطورة بتلك المكانة”، بحسب إذاعة “دويتشه فيله”، الصادرة بالألمانية.

وفي وقت سابق، كان قد أعلن جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، أن تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض أمر حتمي.

مثار جدل

وفي عام 2002، أطلقت السعودية مبادرة لحل النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني تدعو فيها إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967 مقابل السلام والتطبيع الكامل للعلاقات مع الدول العربية.

خبير الشرق الأوسط بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هوغ لوفات، قال إنه رغم تبني الملك سلمان بن عبد العزيز القضية الفلسطينية على مدار سنوات، إلا أن السياسة الحالية للمملكة مثار جدل داخليا، ويمكن أن تتغير إذا فقد الملك سلمان، كما هو الحال في مجالات أخرى من تأثيره في مجال سياسة إسرائيل وفلسطين لصالح خلفه المفترض، فالرجل الجديد والقوي في البلاد، ولي العهد محمد بن سلمان له موقف انتقادي أكثر تجاه القيادة الفلسطينية.

كما أنه قد يكون لأسباب اقتصادية وبغية احتواء الخصم الإقليمي المشترك إيران مهتما بإقامة علاقات جيدة مع إسرائيل، ” بما أن محمد بن سلمان هو الذي سيصبح حاكم المملكة المستقبلي، فإن العلاقات بين العربية السعودية وإسرائيل ستتغير في المستقبل”، بحسب “لوفات”.

وهو ما أشار اليه جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أغسطس الماضي، حيث اعتبر إن فجوة الأجيال في السعودية تعرقل إبرام اتفاق تطبيع بين المملكة وإسرائيل.

وبحسب مقابلة اجراها “كوشنر” مع موقع شركة نشر أمريكية، ” “، McClatchy ، فإن الاتفاق المحتمل بين إسرائيل والسعودية الأكثر رمزية لا سيما وأن المملكة تحتضن الحرمين الشريفين.

ويربط “كوشنر” علاقة وثيقة مع ولي العد السعودي، إذ يحظى الأخير بدعم الإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما يثبت استمرار النفوذ الذي تتمتع به المملكة داخل واشنطن.

وعلق كبير مستشاري ترامب، بأن “الجيل الأصغر ينظر بموضوعية أكبر حيث يهتمون أكثر بالفرص الاقتصادية التي يستطيعون تحقيقها لأنفسهم ولبلدهم”.

بالمقابل، أعلن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان في 19 من أغسطس، أن بلاده “لن تسير على خطى أبو ظبي ما لم يحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.

وتابع إن السعودية تؤكد التزامها بالسلام خياراً استراتيجياً واستناده على مبادرات السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية”، مضيفًا أنه “حين يتحقق ذلك، تصبح كل الأمور ممكنة”، في إشارة للتطبيع مع إسرائيل.

تحولات جذرية

وشهدت الفترة الماضية تحولات جوهرية في علاقة السعودية بإسرائيل، تحت شعار “مواجهة إيران”، رغم التركيز في الغالب، على تبادل المعلومات الاستخباراتية، فقد وسعوا تعاونهم في عدد من المجالات الأخرى، والمشاركة في التدريبات العسكرية المشتركة، والمبادرات الدبلوماسية، والبحث والتطوير، والاستثمار.

وبعد أيام قليلة من تطبيع الإمارات وإسرائيل، فتحت السعودية المجال الجوي في بداية سبتمبر، لبعض الرحلات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، وقبلها بأكثر من عامين في مارس 2018 أصدرت الرياض لشركة الطيران الهندية رخصة استخدام الأجواء السعودية لرحلات مباشرة بين نيودلهي وتل أبيب.

ويبدو أن تغير العلاقات السعودية مع إسرائيل بدء منذ قدوم “ترامب” للبيت الأبيض، حيث زار الرئيس الأمريكي الرياض بعد اقل من أربعة أشهر على تنصيبه، حيث شهدت عملية السلام العربي الإسرائيلي مساحة كبيرة من النقاشات مع الجانب السعودي.

بينما في ديسمبر من العام الماضي، أشادت وسائل الاعلام العبرية بزيارة يهوديان إلى العاصمة السعودية الرياض، وسط حفاوة كبيرة من السعوديين، حسبما أشارت هيئة الإذاعة العبرية الرسمية، فيما نشرت صفحة “إسرائيل بالعربية” التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية صور الزيارة معلقة عليها بأنها تأتي “نتيجة كسر حواجز الشك المبنية على مدى عقود”.

وعلى الصعيد الديني، أشاد الشيخ عبد الرحمن السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في مكة المكرمة، بالعلاقات الطيبة للنبي محمد مع اليهود خلال خطبة الجمعة الماضية.

بينما لأول مرة في تاريخ إسرائيل يتم السماح لحاملي الجنسية الإسرائيلية، بما فيهم العرب واليهود، بالسفر للسعودية لأغراض دينية أو تجارية.

وقبل هذا القرار بأيام قليلة قام الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، محمد العيسى، بزيارة معسكر “أوشفيتز” النازي، في بولندا، للمشاركة في الذكرى الـ 75 لتحرير سجنائه، ورافق “العيسى”، الذي شغل سابقا منصب وزير العدل السعودي، وفدًا قام معه بأداء الصلاة في المعسكر.

الشارع السعودي

أما بالنسبة للشارع السعودي، فهناك حالة من التباين، ففي لقاء مع قناة “مكان” العبرية، صرحت الكاتبة السعودية سكينة المشيخص، في أغسطس الماضي، “لا توجد لدينا مشكلة سياسية مع “إسرائيل”، “إسرائيل” لم تطلق علينا حتى رصاصة”.

في خطوة أثارت غضب كثيرين، نشر المدون السعودي محمد سعود، المعروف بدعمه للتطبيع مع إسرائيل، أول سبتمبر الجاري، مقطع فيديو يتغنى فيه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقد حرص المدون السعودي، الذي يتقن اللغة العبرية، منذ سنوات على نشر فيديوهات تمتدح الإسرائيليين ويحرص على تهنئتهم في أعيادهم الدينية والرسمية، ويعتقد كثيرون أن تصرفات سعود وغيره من المدونين تأتي في إطار “محاولة لجس نبض الشارع السعودي.

وبعيدًا عن الجوانب السياسية والأمنية، تعد رؤية “2030”، التي أعلن عنها “بن سلمان” عام 2016، أحد اهم العوامل التي قد تسرع تطبيع الرياض مع إسرائيل، لاسيما مشروع “نيوم”، التي تبلغ قيمة 500 مليار دولار على الساحل الغربي للمملكة، بينما يقول خبراء إن إسرائيل قد يكون لها دور فيها، من خلال مجالات تشمل التصنيع والتكنولوجيا والأمن السيبرياني.

وقال مارك شناير، الحاخام الأمريكي الذي تربطه علاقات بالمملكة والخليج في مايو الماضي، “يدرك السعوديون الدور المهم الذي تلعبه إسرائيل في المنطقة”، مضيفًا أن “قبل عامين فقط، أخبرني الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع أن المملكة تعرف أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من تحقيق خطتها الاقتصادية لعام 2030”، بحسب “فرانس برس”.

تقويض السلام

ورغم ما تحمله خطوة التطبيع من مكاسب في وجهة نظر الحكومات او بعض الداعمين لاتفاق سلام شامل في المنطقة، لا يمكن وصف هذه الخطوة إلا بـ”الخطرة” للمملكة والخريطة السياسية للمنطقة بأكملها، وخاصة القضية الفلسطينية.

ويذهب المراقبين أن إقدام المملكة على التطبيع مع إسرائيل قد يعرض اتفاق السلام الذي يتبناه الملك سلمان لانتقادات من قبل بعض الحكومات العربية، بينما تتجدد الانتقادات في الشارع العربي بأن القوى الإقليمية باتت تتخلى عن الشعب الفلسطيني، وهو ما يدفع دول مثل تركيا وقطر، لتعريف نفسها على أنها قادة دعم القضية الفلسطينية.

“يبدو أن إقامة ترتيبات تطبيع تدريجية مع العديد من الدول العربية هو المسار الأكثر ترجيحاً للتطور القريب المدى لعملية السلام بين العرب وإسرائيل، بدلاً من سلسلة وشيكة من الاتفاقات التاريخية على غرار الاتفاق الذي وقعت عليه الإمارات والبحرين”، بحسب إيهود يعاري ،زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومعلق محنك في التلفزيون الإسرائيلي.

دول أخري

ويكشف وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين أن هناك فرصة بالفعل في العام المقبل لاتفاق سلام مع دول أخرى في أفريقيا وعلى رأسها السودان”، السعودية، أما قطر فكانت تربطها علاقات تجارية مع إسرائيل، وقد يعرض عليها التطبيع مقابل انهاء المقاطعة من قبل جيرانها الخليجيين وابتعادها عن إيران.

ويفسر آفي بريمور، السفير الإسرائيلي السابق في ألمانيا، أن هذا التطور في المنطقة مرتبط أساسا بالمصالح الاقتصادية من جهة وببحث الدول الخليجية عن حلفاء ضد إيران من جهة ثانية، وبالانتخابات الامريكية من جهة اخري فاذا خسر فستتغير قواعد اللعب، مهما كان الأمر.