تتعرض سوريا لنوعين من الاحتلال الناعم بجانب التدخلات العسكرية، فالمحتل التركي الأول سعى لدعم المعارضة السورية وإنشاء مدارس سعيًا لـ”تتريك التعليم السوري” أي جعله تركيًا بوضع العلم الأحمر وصورة رئيسه على جدران المباني، وهو ما اثار غضب النظام السوري ورفضه لذلك.

والثاني هو ما أعلنت عنه الحكومة الإيرانية عن إعادة إعمار المدارس المدمرة من الحرب في سوريا بشرط تدريس اللغة الفارسية ووضعها في المقررات الدراسية، دون أي رفض من النظام السوري، مما اعتبر إنه احتلال مقنع بصورة ناعمة تعتمد على العبث بأثمن مقدرات الشعب السوري ومستقبله المتمثلة في أطفاله.

تفريس التعليم

في مطلع العام الجاري وقعت اتفاقية بين وزير التربية الإيراني “محسن حاجي ميرزاني” ونظيره السوري، تنص على تكفل طهران بإعادة ترميم 250مدرسة سورية، بقيمة 12 مليار ليرة سورية، وتعديل وطباعة المناهج السورية تحت إشراف إيراني، مع تدريس اللغة الفارسية بشكل أساسي داخل المناهج السورية، لخلق ثقافة مختلفة بين البلدين.

لم تكن تلك الاتفاقية إلا واحدة من محاولات إيرانية عديدة للتدخل في نظام التعليم السوري، باءت الكثير منها بالفشل إلا أن الاتفاقية الحالية تعد الأقوى التي تمر على سوريا في قطاع التعليم، وتؤكد على التدخل الإيراني المباشر والقوي داخله.

معارضة سورية

السفير السوري السابق بالسويد “بسام العمادي” رفض محاولات “تفريس” التعليم، مشيرة إلى أن إيران أصبحت مسيطرة على كافة القطاعات السورية، وعادة ما ينفلت منها قطاع التعليم، إلا أنها نالت مرادها بالسيطرة عليه.

وأضاف “العمادي” سيصبح أبناء سوريًا قريبًا سلاحًا في أيدي الإيرانيين ولن نتمكن من تغيير مما سيحدث حينها لان التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.

أما الأكاديمي السوري “جمال أبو الورد” فأوضح أن النظام الإيراني يعمل على تدمير البنية التحتية للبلاد، ويتجه لأخطر القطاعات وهو التعليم مستقبل سوريا، فعندما يتمكن من السيطرة على التعليم فإنه سيتمكن من هدم البنية التحية وتدمير عقول أبناء سوريا ومن ثم مستقبلهم.

تتريك التعليم

مطلع العام الجاري أيضًا افتتحت مدرسة الوالي “أحمد توغاري” في مدينة جرابليس السورية، ما أثار استياء الأكراد في الشمال السوري الذي تسعى أنقرة لإحكام قبضتها عليه، المبني التعليمي الجديد شهد تواجد علم المعارضة السورية وعلم تركيا بالإضافة لأسم المدرسة باللغة العربية والتركية.

شهد حفل الافتتاح تواجد ضباط من الجيش التركي الذين سيطروا على المنطقة ومسؤولين تعليمين أتراك واخرين سوريين، في المنطقة التي احتلتها تركية منذ عام 2016 فيما عرف إعلاميًا بعملية “درع الفرات” والتي قال عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنها تهدف لتحرير المنطقة من الإرهابيين الدواعش والأكراد.

عملية تتريك التعليم لم تكن مقتصرة على التعليم الأساسي، بل امتدت للجامعي بعدما عمدت جامعة “عنتاب” العثمانية لفتح عدة فروع جديده في سوريا الشمالية، حسبما ذكرت وكالة الأناضول عام 2019، كما افتتحت عدة مشاريع تابعة لوزارة الشؤون الدينية التركية في النطاق ذاته ما اعتبره المرصد السوري لحقوق الإنسان امتداد لعملية التتريك، إذ تعكف على عقد دورات تهدف ظاهريًا لتعديل مفاهيم ومعتقدات قاطني المناطق المحتلة تركيًا، كما أدخلت اللغة التركية ضمن المقررات الرسمية هناك بدلًا من اللغة الكردية التي ينطقها معظم سكان تلك المناطق.

سيطرة وعقبات

معلمون سوريون قالوا في تصريحات إعلامية إن المقررات الدراسية شملت إضافة اللغة التركية بالفعل لطلاب مرحلة التعليم الأساسي، بواقع 4 حصص أسبوعيًا مع حصتين للغة الإنجليزية وإنقاص متعمد لحصة اللغة العربية في الوقت الذي تتراجع فيه أهلية المدرسين السوريين الناطقين بالتركية، ليس هذا وحسب بل وسعت تركيا إحكام سيطرتها على المدراس السورية المباني التعليمة في مناطق “الباب وصوران وجرابلس وغيرها” بضمها لمديرات تعليمية تركية في ولايتي “عينتاب وكيليس”  التركية حسبما كشف معاون رئيس المكتب التعليمي بمدينة إعزاز السورية، وأن تلك المناطق تضم نحو 150 ألف طالب و 200 مدرسة تقريبًا.

على إن القرارات التفصيلية الخاصة بالتعليم تختلف بين المديريات بحسب تبعيتها لهاتين الولايتين، إلّا أنها تتشابه في المناهج التعليمية وفي رواتب المدرّسين، بينما تستقل عن بعضها في استصدار الشهادات ونوع الخدمات المقدمة للمدارس والطلاب. وقد تحدثت بعض المصادر التي تواصلنا معها عن أن هناك مشاورات تهدف إلى إلحاق هذه المديريات بالحكومة السورية المؤقتة، التي ستشكل في حال ذلك صلة الوصل مع مديريات التربية التركية، إلّا أنه لم يصدر أي قرار بهذا الخصوص حتى الآن.

محاولات عدة

لا تعتبر اللغة الفارسية بالنسبة للشعب السوري غريبة، إذ تدرس الفارسية في بعض الجامعات والمعاهد السورية ومن خلال بعض المدارس الدينية والمراكز الثقافية التابعة للمستشارية الثقافية الإيرانية المتواجدة في دمشق، وأرسلت الحكومة أربعة مدرسيين إيرانيين لتعليم الفارسية في ثلاثة جامعات، وتزامنًا مع قيام احتجاجات سوريا عام 2011 عادا المدرسيين إلى طهران، لتتراجع مكانة الفارسية بعد ان كانت من اللغات الاولي في سوريا، قبل أن تعود بقوة عام 2016 إذ درس الطلاب السوريين جامعي ما يقرب من 1200 كتاب فارسي.

لم تستسلم طهران لمحاولة اندثار لغتها من التعليم في دمشق، فقامت بتعزيز وترويج الفارسية عبر عدة مراكز تعلم لغة، كما تغلغل تعليم المذهب الشيعي في المدارس الرسمية بسوريا، وفتحت مدارس رسمية لتعليمه كـمدرسة الرسول الأعظم التي تعد أول مدرسة تعلم المذهب الشيعي في سوريا، بقرار رئاسي وقع عليه الرئيس السوري بشار الأسد عام 2014.

ليكون التشيع الباب الواسع الذي تنتشر بيه اللغة الفارسية في كافة ربوع سوريا ففتحت المدارس والمعاهد الدينية الناطقة بالفارسية وأنشئت كوارد تعليمية ناطقة ومجيدة لغة إيران.

انتقادات الداخلية

انتقد بعض الإيرانيين موقف وزارة التربية والتعليم الإيرانية بخصوص توجههم لبناء المدارس سوريا التي دمرتها الحرب، في الوقت الذي تحتاج مدارسهم فيها إلى ترميم وإعادة بناء، ومعانتها من فقر الإمكانيات ونقص في أبسط الخدمات.

موقع وكالة تسنيم الإيراني، نشر في تقرير له قبل زيارة “ميزراني” لسوريا وبيوم واحد، جاء فيه أن الأطفال في بلوشستان قاطعوا الدراسة بسبب الفيضانات في جنوب شرق إيران، والتي اثرت سلبًا على مدارسهم، بالرغم من إصرار الوزارة على إرغام الأطفال الذهاب إلى المدارس ذات الفصول المنهارة، لتصبح حياة الأطفال في خطر.

تجارب سابقة

رجح عدد من الباحثين السوريين تأثير الطلاب باللغة الفارسية، ومن ثم طمث الهوية العربية واللغة الأم، لتصبح الفارسية هي اللغة الأولى تدريجيًا مثلما حدث في عدة دول عربية نتيجة لاحتلال العسكري والثقافي، مدللين على ذلك بما جرى في الجزائر التي تعتبر لغتها الأولى الفرنسية نتيجة للاحتلال الفرنسي لما يتجاوز القرن.

الأمر ذاته تكرر مع تونس التي تعد لغتها الرسمية العربية إلا أن الفرنسية لغات التعامل الأولى والمفضلة والإدارية هناك، كذلك لبنان التي أثار الانتداب الفرنسي في شعبها وإن كانت اللغة العربية نظريًا هي الرسمية إن التعاملات الشخصية فإن لغة المنتدب بالإضافة إلى الإنجليزية المفضلة والمتداولة.

فإيران تسلك المسلك السلمي والناعم للاحتلال بالسيطرة على التعليم في سوريا ومن تؤثر على ثقافة وعادات وتقاليد أبناء دمشق ما يعني أن تفريس التعليم السوري محض بداية لـ”تفريس” المجتمع السوري بشكل أوسع.