بخطى واثقة وابتسامة ساحرة، يقتحم “مصطفى” مكان التصوير، لا يصدق كل المتواجدين إصابته بمتلازمة “دوان”، فعلى الرغم من ملامحه المميزة لأبناء الإعاقة، إلا أنه أكثر نضجًا وحكمة مما كانوا يتوقعون.
“مصطفى نوفل”، عارض أزياء من أبناء متلازمة داون، المشهورة عالميًا بمتلازمة “الحب”، استطاعت والدته تخطى كل حواجز المجتمع، وكسر القيود النمطية التي يكبل بها المميزون من الأطفال.
فمنذ ولادته ومعرفة والدته “إيمان الصباح” بأنه سيكون مميزًا وفريدًا بين أقرانه، اهتمت بطعامه وملابسه، وعلمته كيف يختار ما يرتديه، وصممت على أن تدمجه في المجتمع، وأن يكون النموذج الإيجابي لأبناء متلازمة داون على الساحة.
الاعتماد على نفسه كان كلمة السر التي جعلته دائم الاهتمام بمظهره وملابسه، وعلى عكس أغلب أبناء المتلازمة يتمتع الشاب العشريني بجسد رياضي، حيث تنوع له والدته وجباته التي يتناولها، وتحرص على تغذيته بشكل سليم.
التعرض للتنمر
“كان قراري إن ابني سيكون مميزًا بطريقة قد تبدو غريبة للبعض، وأن أغير مسار الواقع الذي كتب من حوله، والذي ينتهي بانعزال صغيري عن العالم وبقائه في المنزل دون أصدقاء ولا حياة”.. هكذا بدأت “الصباح” حديثها.
وتضيف: “أغلب محاولات دمجي له وسط المحيطين باءت بالفشل، تعرض للتنمر، ولمعاملة سيئة في مواقف عدة، لذا قررنا تصوير فيديو يحكي ما يتعرض له بشكل تمثيلي تحت عنوان ضد التنمر”.
شارك الفيلم في مسابقة “أولادنا”، وسط حضور أطفال من 36 دولة كل منهم تقدم بعمل مميز، ليفاجأ مصطفى نوفل ووالدته بفوزه بالمركز الأول.
لم تستلم “الصباح” لاستهزاء المجتمع من رغبتها في إدخال طفلها مجال عرض الأزياء، ووجدت إعلان لماركة مشهورة تطلب عارضين من أبناء متلازمة داون، لتسرع بإرسال صوره إليها.
حصل “نوفل” على جلسة تصوير بملابس الماركة الشهيرة، وعندما شاركت والدته صوره على صفحتها الشخصية بـ “فيس بوك” لاقت ردود فعل سلبية، لكنها لم تيأس وقررت دفع ابنها إلى الأمام، وحصل بعد ذلك على الكثير من العروض لجلسات تصوير وتم تكريمه من رئيس الجمهورية.
سباح المانش
محمد الحسيني، من أبناء متلازمة داون أيضًا، مشهور بـ “سباح المانش”، وقع في غرام السباحة منذ الصغر، أثناء ذهابه مع والده إلى النادي الرياضي، بل وتفوق فيها، وذاع صيته.
“الحسيني تاج الدين”، والد “محمد”، قرر بعد علمه بكون ابنه أحد أبناء المتلازمة أن يدمجه في المجتمع، فرفض أن يلحقه بمدرسة لأطفال “داون” فقط، ووضعه في مدرسة حكومية بها فصول دمج.
فكر “الحسيني” في أن يجعله متواجدًا مع غيره من الأطفال الطبيعيين حتى لا يشعر باختلاف عنهم، ويكسب مهارات للتواصل مع من حوله، وبالفعل زادت ثقته بنفسه، واستطاع أن يكون له شخصية جذابة ومتفوقة في أنشطة عدة.
شارك محمد الحسيني في بطولات عدة، وحصد العديد من الألقاب أهمها المتحدث الرسمي للجنة العليا لشؤون الإعاقة بمنظمة الأمم المتحدة، ليكون الممثل والنموذج الإيجابي لهم.
“الحسيني” هو أصغر سباح يعبر بحر المانش، واستطاع تحمل البرودة القاسية والمسافة الطويلة، ليحصد اللقب الذي لطالما تمناه، ويعتبره أهالي أبناء متلازمة داون بمثابة ملهم لهم، لأنه لم ييأس على الرغم من التنمر الذي تعرض له.
“يواجه أهالي ذوي الإعاقة، ذهنية كانت أم جسدية، تحديات وصعوبات بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد في العالم، نظرًا لضعف نظامهم المناعي، ما أدى لانعزالهم لوقت طويل في المنزل دون ممارسة أي أنشطة بالخارج”.
ماهي متلازمة داون؟
سُميّت متلازمة “داون” نسبة إلى العالم “كليفورد داون”، مكتشف الحالة في عام 1866، حيث كان يسمى الطفل المصاب بها قبل ذلك الطفل المنغولي، نظرًا للتشابه الكبير بينهم وبين سكان منغوليا.
ويتميز المصابون بها بعينين ضيقتين، وتُعرف متلازمة داون في الأوساط الطبية بـ “ثلاثي الكرموسوم”، وتشكل المتلازمة حوالي 10 % من حالات الإعاقة الذهنية.
“نسبة حدوث متلازمة داون بين الأطفال تبلغ 1: 800 وتزداد هذه النسبة إذا كان سن الأم كبيرًا عند الحمل والولادة”
سبب حدوث المتلازمة، هو وجود خلل في عدد الكروموسومات في الخلية، يجعل عددها 47 بدلًا من 46، ما يجعل الطفل مصاب بالمتلازمة وله صفات مميزة مثل شكل العينين وشكل الوجه والتأخر في النمو مقارنة بمن في مثل سنه من غير المصابين بالمتلازمة.
طفل الشيخوخة
لم يكن سهلًا على “دينا العجمي”، التي عانت لتصبح أمًا أن تستقبل خبر وفاة ابنها في سن صغيرة بسبب إصابته بمرض “الشيخوخة المبكرة” ما أصابها بانهيار تام.
بعد مرور 6 أشهر على ولادة “زين” بدأ شعره في التساقط، وبرزت العروق في جسده، وتغير شكل عينيه، وتحولت ملامحه الجميلة ليشيخ.
ركضت الأم بصغيرها بين أروقة المستشفيات، تبحث عن علاج لما أصابه، ولم تلقى إجابة ولم يعرف الأطباء ما الذي يعاني منه “زين”.
وبالصدفة عثرت “دينا” على صورة طفل تتشابه ملامحه مع ملامح صغيرها، وبالبحث وجدت أنه مصاب بـ “الشيخوخة المبكرة”، وتواصلت مع أحد الأطباء في الخارج ليخبرها بأن ابنها سيموت في الـ 13 من عمره.
“مرض الشيخوخة معروف طبيًا باسم متلازمة هاتشينسون-جيلفورد ويعد اضطراب وراثي نادر يتسبب في تقدم عمر الأطفال بسرعة وتظهر أعراضه خلال السنة الأولى تبدأ العلامات والأعراض ومتوسط العمر المتوقع لطفل 13 عامًا”
انهارت الأم عقب معرفتها بالأمر، وفقدت الأمل في الحياة، وما زاد ضيقها هو تعرض صغيرها لمعاملة قاسية ممن حوله، فيهرب الأطفال خوفًا منه، ويبتعد عنه الكبار خوفًا من نقل المرض المصاب به لهم.
وبعد عام ونصف من اكتشاف والدة “زين” لحالة ابنها بدأت تستعيد عافيتها النفسية، وتفكر بشكل مختلف وإيجابي، وبدأت في البحث عن علاج لحالة صغيرها، ووجدت مركز أبحاث أمريكي، يطور لقاحًا يؤخر من عمر وفاة أطفال الشيخوخة المبكرة.
“دينا” أرسلت تحاليل وأشعة “زين” إلى المركز، وانتقل إلى أمريكا بتكلفة من المكان، ليتم حقنه بلقاح يقلل من فرص إصابته بسكتات دماغية وقلبية، ما يطيل عمر الأطفال إلى 21 عامًا تقريبًا.
وعقب ذلك قررت الأم ألا يكون طفلها ضحية لتنمر وجهل الناس بمرضه، وبدأت تسرد ما حدث معها على صفحات التواصل الاجتماعي، ولمن يخاف منه في الشارع، وتعرف الناس بطبيعة مرضه، ليلقى طفلها ترحيبًا كبيرًا ممن يقرأ قصته.
زادت ثقة “زين” في نفسه، وأصبح له أصدقاء، حتى أنها غيرت طريقة ارتدائه للملابس، ليكون مميزًا واستطاعت دمجه وسط أقرانه في المجتمع.
صانع منتجات يدوية
عمر عبد الرحمن، يبلغ من العمر 21 عامًا، ولد بإعاقة ذهنية، منعته من التواجد وسط الأطفال حتى في الدراسة، لذا قرر والداه دمجه في المجتمع بطرق أخرى.
تفرغ والده لتعليمه حرفًا يدوية، وعلى الرغم من عدم استجابة ابنه في بادئ الأمر إلا أنه لم ييأس، وظل يحاول تهدئته وتعليمه حتى بدأ صغيره يتقن صنع أشكال مختلفة من الشمع، فبعد صهره، يشكله بنفسه.
بدأ والداه بتسجيله في معارض للصناعات اليدوية أهمها “ديارنا”، بالإضافة إلى الاشتراك في نادي لممارسة الرياضات كالسلة والبولينج، وقد حاز على عدة جوائز فيهما، آخرها لقب بطل أولومبيات ذوي الاحتياجات الخاصة على مستوى مصر.
كانت الخطوات السابقة كافية لدمج “عمر” في المجتمع، وتواصله مع غيره من الأطفال والكبار، وتحسين حالته النفسية، وكذا الصحية