تشهد أسواق الذهب بمصر حالة من الركود مع استمرار وتيرة الأسعار في الارتفاع، وعزوف الجمهور عن البيع والشراء، وسط توقعات عالمية بتحقيق الأوقية مستوى يناهز 4 آلاف دولار مقابل 1920 حاليًا.

تكتسب أسعار المعدن النفيس عالميًا حركة دفع مستمرة مع مخاوف من موجة أشد قسوة لفيروس كورونا في الشتاء المقبل، واحتفاظ المستثمرين بالسباك التي يمتلكونها كملاذ آمن لحفظ القيمة والتخلي بعض الشيء عن الاستثمار بسوق الأسهم.

وتوقع صندوق الاستثمار “برماننت بورتفوليو”، الذي يدير أصول بقيمة 1.9 مليار دولار، أن يصل سعر الأوقية (31.10 جرام) مستوى 4 آلاف دولار لأسباب تتراوح بين ضعف العائد على الاستثمار بالدولار الأمريكي، وتنامي المخاوف من أـن تدفع الجهود الحكومية العالمية لإنعاش الاقتصاد في زيادة نسبة التضخم.

وارتفعت أسعار الذهب منذ بداية العام بنسبة تتجاوز 35% لتصل لمستوى 2000 دولار وهو أعلى مستوى في تاريخه، بالتزامن من توجه الحكومات حول العالم إلى خطط تحفيز اقتصادي تتضمن إنفاقا ضخمًا، بجانب تذبذب أسعار العملات.

الدولار 

ويقول أحمد حامد، المدير التنفيذي لمجموعة “سبائك الدولية للمعادن الثمينة”، إن قوة الدولار ستكون المحرك لاتجاه أسعار الذهب في الفترة القادمة خصوصا منتصف الشهر الحالي الذي يتزامن مع موعد تقارير الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي).

وقام بنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل برفع ميزانيته العمومية بنحو 2.8 تريليون دولار في 2020، رغم تحذير من بنوك عالمية تتعلق بأن السياسة الأمريكية تثير المخاوف حول فقدان عملة البلاد لقيمتها.

ويقول “حامد” إن قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تأتي في ظل استمرار طلبات إعانة البطالة المرتفعة، ويتبعها الانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم والصراع الحالي بين الديمقراطيين والجمهوريين حول خطط تحفيز الاقتصاد، وسيكون الذهب في منحنى صاعد حالة استمرار ضعف الدولار.

وتتوقع تقارير اقتصادية دولية أن تكون ارتفاعات سوق الذهب ليست أمرًا عارضًا يرتبط بسعر الدولار أو كورونا فقط، فالارتفاعات الحالية تعبر عن القيمة الحقيقة للذهب، والأفراد أو الصناديق الاستثمارية لن يتخلوا عن حيازته في المدى القصير بسبب عدم وضوح مستقل الاقتصاد العالمي.

الذهب.. والأوضاع السياسية

وتستفيد أسعار الذهب حاليا من مشكلات مزمنة ستظهر تأثيراتها مستقبلا على الاقتصاد العالمي من بينها التوتر بين الصين وأمريكا، وارتفاع التضخم عالميًا، والارتفاع الضخم في الديون عالميًا بجانب طباعة العملات بوتيرة غير مسبوقة دون غطاء.

وذكرت شركة “سكاي بريدج كابيتال”، التي تحتضنها مدينة نيويورك، أن الذهب حاليًا أصبح عملة طبيعية بديلة بينما اعتبرته مجموعة “جولدمان ساكس” الأمريكية الملاذ الأخير بعدما فقدت العملات التقليدية قيمتها باستمرار مع الزيادة الكبيرة في حجم المعروض النقدي المتزامن مع الضخ الحكومي المستمر في الاقتصاد للتعافي من تداعيات كورونا.

جنى الأرباح

وقالت شركة “سبائك الكويت”، في تقرير حديث لها، إن المستثمرين لن يجروا وراء عمليات جني الأرباح التي تصاحب كل حالات الارتفاع، فعمليات الشراء في الوقت الحالي لا تزال مناسبة لمن يسعى للربح على المدى المتوسط.

لا يستفيد الكثير من المستثمرين في مصر من ارتفاع أسعار الذهب بسبب عدم استثمارهم في السبائك الذهبية والعملات الذهبية واقتناء المشغولات التي لا تحقق الارتفاعات ذاتها بسبب تكلفة التصنيع والرسوم المضافة على سعر الجرام.

ارتفاع الطلب في مصر

وكشف مجلس الذهب العالمي عن ارتفاع الطلب على الذهب في مصر خلال العام الماضي 2019 بنسبة 6% ليسجل 28.8 طنًا، بدعم من زيادة الطلب على المجوهرات بمعدل 7% ليسجل 26.4 طنًا، لكن الإقبال على السبائك والعملات الذهبية ارتفع حينها 6% فقط ليبلغ 2.4 طن.

ولجأ تجار الذهب بمصر إلى التحايل على الركود بخفض الأوزان المعتادة للمشغولات الذهبية لتخفيض الأسعار وإغراء الزبائن بالشراء، حتى هبطت متوسط أوزان الخواتم من 7 جرامات إلى 3 فقط.، لاستغلال الارتباط الكبير بين المصريين والذهب الذي يمثل لهم ليس زينة فقط ولكن مدخرات يمكن تسييلها وبيعها وقت الحاجة.

وتستعد الحكومة حاليًا لتجهيز 10 مزايدات تعدينية جديدة للبحث والتنقيب عن الخامات المعدنية، وسيتم طرح المزايدات تباعا كل أربعة أشهر، لتشمل الخامات والمعادن والفلزات والذهب التي يحتاج إليها القطاع الصناعي.

وتحدد هيئة الثروة المعدنية موعد تلك المناقصات بعد البت في مزايدة التنقيب عن الذهب المطروحة حاليًا في الصحراء الشرفية والبحر الأحمر بعد مد فترة تلقي العروض الخاصة بها إلى 15 سبتمبر الحالي، على أن يتم اعتماد وإعلان نتائجها بشكل نهائي خلال الربع الأخير من 2020.

ركود فى الأسواق

وقال إيهاب واصف، نائب رئيس شعبة الذهب، إن الربع الثاني من العام الحالي شهد انخفاضًا بحركة الشراء إلى 70% في مصر، وارتفعت نسبة التراجع إلى 86% بالإمارات و80% بالسعودية، بينما بلغت 34% في الكويت.

وأوضح أن النصف الأول من العام شهد انخفاضًا بحركة البيع والشراء بنسبة 31% إجمالاً على اعتبار أن الربع الأول من العام كان أفضل حالاً، فالتأثر العنيف جاء بالتزامن مع توقف حركة السياحة التي تعتبر نافذة لتسويق نحو 5% من حجم استهلاك مصر من المشغولات الذهبية.

ويقول خبراء إن المستثمرين على مستوى العالم يفضلون الذهب فهو لا يتأثر بعنف بالأحداث الاقتصادية والسياسية مثل البورصات، كما أنه بمنأى عن التضخم العالمي ما يجعله وسيلة للادخار والاستثمار في الوقت ذاته.