تعرضت المجتمعات الإنسانية عبر العصور للعديد من التغيرات، التي بدلت من تفاصيلها، وغيرت من ملامحها، وأصبغت عليها صفات جديدة تختلف من جيل إلى جيل.
وفى عصرنا الحالي، تميزت التغيرات المجتمعية، بالوحشية والعنف، وانهارت القيم الإنسانية، واستبدلت بأحكام الغابات، التي تسللت بدورها إلى الكثير من الفئات واستطاعت أكثر ملاذ عرفته البشرية أمانًا ” الأسرة”.
فعلى صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي انتشرت قصص وحكايات، عن وقائع تعذيب وقتل تجردت تفاصيلها من كل معاني الرحمة، والغريب أنها جميعًا كانت في إطار الأسرة، ذاك الكيان الذي ارتبط دومًا بالأمن والأمان، فيما تسللت إليه مشاعر السادية، وحولت أعمدت هذا الكيان إلى قتلة يتلذذون بالقضاء على ضحاياهم الذين هم جزء منهم أو كما يطلق عليهم فلذات أكبادهم.
انتشار السادية في الأسرة
الجرائم أمر متكرر يحدث بصورة يومية، ولكن حدوثها داخل الكيان الأسرى هو ما جعل مردودها يثير القلق، ورغم أن انتشارها اقترب من الظاهرة، بشاعتها سواء أكانت جرائم تعذيب أو جرائم قتل داخل الكيان الاسرى كان أخطر من الانتشار.
في مدينة الرحاب اهتزت أركان الحي الراقي، على خلفية جريمة بطلتها أم شابة، وضحيتها طفل لم يتجاوز العشرة أعوام، حيث دأبت الأم على تعذيبه باستخدام أدوات حادة، وفقًا لما سرده “علاء سمير” أحد سكان الحي والذي كشف تفاصيل الواقعة.
قال علاء “إن مأساة الطفل تم الكشف عنها، عقب قيامه بمنح أصدقائه مبلغ 15 جنيه، حيث نهرته الأم “كالعادة” وقامت بضربه باستخدام سلك سميك اعتادت استخدامه في عقابه، ومع الألم الشديد قام الطفل بترك المنزل، وتوجه لأحد أصدقائه الذي سمحت له أسرته باستضافة الطفل الضحية، وفور علم الأم، وتوجهت لمنزل صديق نجلها، ومعها “منفاخ عجل” استخدمته فيما بعد لضرب الطفل بعد إجباره على النزول معها، وهددته حال التوجه لأي صديق سوف تقوم بتعقبه حتى يترك المنزل.
تركت الأم طفلها في الشارع، ما جعله يتوجه للمسجد للحصول على حذاء، وتعقبه أصدقائه حتى توصلوا لمكانه واصطحبه صديق له، وعلمت الأم بالأمر، فأقنعت والد الصديق أن نجلها حرامي لمنع استضافته لديه، وفعلا قام الوالد بطرد الطفل، الذي ذهب لمدرسته ” عثمان ابن عفان” وبعد اتصال إدارة المدرسة بالأم لتسلم أبنها، رفضت وطلبت منهم تسليمه للقسم حيث تسلمته هناك.
واستمرت الأم في تعذيب الطفل حتى ترك المنزل ولم يعد حتى الآن، فيما أطلق مدرسيه بالمدرسة العديد من النداءات ونشروا صورة الطفل على مواقع التواصل الاجتماعي لعل أحدًا يتوصل إلى مكان إقامته خوفًا من تركه بالشارع.
أب يقتل أبنه
واقعة أخرى استخدمت فيها السادية داخل الأسر، بعد أن قام أب بقتل أبنه، من خلال طعنه بعدة طعنات، حتى فارق الحياة، عقابًا له على إدمانه المخدرات، فلم يرأف الأب بحال نجله الذي خرج من المصحة النفسية عقب تلقيه العلاج، وقام بطعنه بصورة هيسترية حتى فارق الحياة، ليتخلص منه ومن مشاكله التي يسببها نتيجة لإدمانه المخدرات.
أم تعذب طفلها المعاق
اما الواقعة التي عبرت عن أبشع صور السادية الأسرية، هي قيام أم بتعذيب نجلها المعاق ذهنيًا، وحرق أجزاء من جسده وضربه باستخدام أدوات حادة ما ترك أثار التعذيب على جسد الطفل الذي لا حول له ولا قوة، والمثير في الأمر هو مشاركة الزوج في تعذيب الطفل، بسبب تبوله اللاإرادي، نتيجة ضعف قدراته العقلية، واستمرت الأم وزوجها في تعذيب الطفل حتى فارق الحياة، غير عابئين بحالته العقلية، او استغاثته وصرخاته وضعف بنيانه الجسدي في الدفاع عن نفسه.
سيدة تغطى وجهها الدماء
في دمياط، اهتزت مواقع التواصل الاجتماعي غضبًا، عقب ظهور سيدة تغطى وجهها الدماء، بعد تعرضها لضرب مبرح من نجلها، الذي يرغب في الحصول على ميراث والده، ولم تشفع صرخات الأم وألآمها نتيجة تعرضها للضرب المبرح الذي تسبب في عدم قدرتها على الحركة، للابن الذي تجرد من إنسانيته وتلذذ بتلك الصرخات والدماء التي غطت وجه الأم المكلومة، التي لم تنجدها سوى استغاثة أطلقتها على موقع فيس بوك لنجدتها من الألم الذي لا يتحمله بشر.
لا تعنى السادية الأسرية ضرب الأطفال والوالدين أو تعذيبهم حتى الموت فقط ولكن قد تمتد إلى التلذذ بعذابهم
استغلال الأطفال
لا تعنى السادية الأسرية، ضرب الأطفال والوالدين أو تعذيبهم حتى الموت فقط، ولكن قد تمتد إلى التلذذ بعذابهم مقابل الحصول على الأموال، وهو ما حدث مع نجلة اليوتيوبر الشهيرين “أحمد وزينب” التي عرضها والداها المعتادين على تصويرها في مواقف مختلفة منذ ولادتها، إلى تجربة قاسية، بعدما قامت الأم بتلوين وجهها باللون الأسود والاقتراب من نجلتها وهى نائمة، ما أصاب الفتاة بذعر شديد، جعلها تدخل في موجة بكاء هيسترية، وسط ضحكات والدتها التي تنتظر زيادة عدد المشاهدات، في مشهد سادى، أثار استياء رواد التواصل الاجتماعي، وجعل بعضهم يقدم على الإبلاغ عن الواقعة بعد تجرد الام والأب من الرحمة في مقابل جنى الأموال.
اللهث وراء المال وضغوط الحياة طريق السادية لتدمير المجتمع
أمر مخيف
قصص وحكايات السادية الأسرية، لا تنتهي، وربما تزيد بشاعتها يومًا بعد يوم، الأمر الذي أكدت الدكتورة أميمة السيد، مستشارة العلاقات الزوجية والتربوية، أنه بات أمرًا مخيفا، ويهدد الكيان الأسرى الذي يعد بنية المجتمع الأساسية.
وقالت السيد” لا شك في ازدياد نسب العنف في مجتمعنا حتى أصبح ظاهرة ملحوظة للقاص والداني، ولكن المثير في الأمر أنه طال أرحام الدرجة الأولى وفلذات الأكباد، ولم يسلم منه الكبير والصغير، والأكثر رعبا أن العنف تحول لسادية مفرطة في بعض الأحيان، بدون تفكير وإعمال للعقل ولا حتى شفقة محلها القلب”.
ضغوط نفسية
تابعت” السادية التي ينحدر إليها المجتمع حاليا هي نتاج عوامل وضغوط نفسية كثيرة، منها ارتفاع مستوى المعيشة في مقابل غلاء مرهق لكل فرد، وبالتالي تحمل أعباء مادية فوق طاقة العائل، بل وتفوق إمكانيات كل فرد على حدي، أيضاً الكثافة السكانية في أماكن عديدة تسببت في الضغط على أعصاب أفراد الأسرة وعدم تحمل تبعتها، بالإضافة إلى التنشئة الاجتماعية السلبية للأبناء، والتي خلقت جيلًا غير سوى نفسيا خاصة الذي نشأ في أسرة مفككة”.
وتضيف السيد” لهث الأباء والأمهات وراء لقمة العيش وتحسين مستوى المعيشة، لعب دوره أيضًا في شيوع السلوكيات السادية بين الأبناء، بخلاف ازدياد نسب الأمراض التي لها دور كبير في ازدياد الكبت النفسي وتفريغه في الأخرين، حتى لو كانوا أبناء، بنات، أباء، أمهات، وغيرهم، من مقربين الدرجة الأولى”.
الظاهرة ناقوس خطر يدق في مجتمعاتنا العربية، ما يتطلب وقفة واتحاد وتكاتف للعلاج والحد من تلك الظواهر المؤلمة
طرق المواجهة
واعتبرت “السيد” أن تلك المظاهر تمثل ناقوس خطر يدق في مجتمعاتنا العربية، ما يتطلب وقفة واتحاد وتكاتف للعلاج والحد من تلك الظواهر المؤلمة، من خلال الأطباء النفسيين والمرشدين النفسيين والاجتماعيين، بخلاف دور الدولة في بحث أسباب الظاهرة والتصدي لها كونها تمثل تهديد مباشر للمجتمع
ونصحت “السيد” كل شخص يتعرض للضغوط، بأن يتدرب على المرونة في التفكير، لسرعة وسهولة التغيير وتقبله، سواء في مكان المعيشة أو المأكل والملبس وجميع مناحي الحياة، حتى لا يتعرض لأزمات ومحن نفسية تضعه في ضغط نفسي يؤثر سلبياً عليه أو على المحيطين به بل والمقربين له..