أثارت واقعة “سيدة القطار” وما رافقها من سلوك وصفه البعض بـ”التنمر” تجاه المجند، عدة تساؤلات حول طريقة تعامل “الموظفين الحكوميين” مع الجمهور، وما يتخللها أحيانًا من تجاوزات تصل إلى حد الإهانة.

وزارة النقل والمواصلات سارعت بالإعلان عن عدد من الخطوات لتطوير أداء وسلوكيات الموظفين المتعاملين مع الجمهور، تشمل فحوصات تناول المخدرات والدورات التدريبية السلوكية، بالإضافة إلى الكشف النفسي على العاملين لتحديد مدى قدرتهم على التعامل المباشر مع الجمهور وفق قواعد المهنية والسلوك المنضبط.

اختبارات الوظيفة

الاختبارات النفسية للأشخاص المرشحين لوظيفة معينة لن تكون إبداعًا مصريًا خالصًا، فالكثير من الشركات والمؤسسات العامة اعتمدت هذه الاختبارات قبل تعيين أي موظف جديد لديها، وتجدد دوريًا أثناء قيامه بمهام عمله.

تتضمن الاختبارات النفسية الشهيرة التي طورها علم التحليل النفسي، اختبار “روشاخ” لبقعة الحبر، وفيه يُطلب من الشخص النظر إلى بقعة حبر على ورقة وتخيل الصورة التي تتراءى له، واختبار “بيرسونا باجو لالوفيا” ويطلب فيه رسم صورة لشخص تحت المطر، ومن خلال الصورة يتم تحليل الشخصية، حيث تدل الصورة الصغيرة الحجم على الخجل والانطواء، بينما الصورة الكبيرة تدلل على حب الشخص للمظاهر، أما الصورة الكبيرة بشكل مبالغ فربما تكون مؤشرًا على جنون العظمة.

لكن هل تستطيع الاختبارات النفسية وحدها، حل مشكلة التعامل الفظ والتوتر بين موظفي الخدمة العامة والجمهور وتجاهل دور بيئة العمل وما تقدمه من دعم نفسي للقائم على الخدمة؟، وهل تجيب الاختبارات النفسية على ما قد يواجهه الشخص من ضغوط في محيطه الاجتماعي وظروفه الحياتية التي قد تنعكس على سلوكياته في محيط العمل من يوم إلى آخر؟.

بيئة العمل

الدكتور “جمال فرويز” استشاري الطب النفسي، يكشف أن الاختبارات النفسية وتقييم السلوك أصبحت جزءًا ضروريًا من مصوغات قبول الموظفين في الشركات العالمية، وتتزايد أهميتها في حالة “الموظف العام” الذي تتطلب مهام وظيفته التعامل مع الجمهور مباشرة”.

لكنه يشير أيضًا إلى أن توفير بيئة عمل مناسبة للموظف لتأدية مهامه ينعكس بشكل كبير على قدرته على تقديم إنتاجية أفضل مشمولة بالالتزام بسلوك منضبط والحفاظ على مبادئ اللياقة العامة أثناء تقديم الخدمة للجمهور، يشمل ذلك مكان العمل المريح بمكوناته من الإضاءة والتهوية ودرجة الحرارة والمساحة الملائمة، وكذلك إرساء مبادئ العدالة في التوظيف والأجور ووسائل التقييم والمحاسبة.

ويؤكد “فرويز” أن أي اختلال في جانب بيئة العمل قد يتسبب في شعور الموظف بالدور الذي يقدمه من خلال وظيفته، فإحساسه بالغبن أو الظلم أو عدم الراحة سينعكس على سلوكه تجاه متلقي الخدمة، وتقديره للمهمة التي يقوم بها، وبدلًا من النظر إلى نفسه باعتباره مقدم خدمة يهدف إلى تيسير أمور المواطنين، يتحول إلى شخص عدائي تجاه وظيفته يكرهها ويعكس الضغوط التي يواجهها في العمل على الجمهور بتعقيد الإجراءات أو السعي لتعطيل صاحب الخدمة من الحصول عليها، أو على الأقل التعامل الحاد وكأن عمله “منة” وليس واجبًا.

محيط الموظف العام

الدكتورة نهى النجار الأخصائية النفسية، تشير إلى جانب آخر لا يقل أهمية في انعكاسه على أداء الموظف العام، وهو الحياة الشخصية وبيئة المنزل، فالاختبارات النفسية للموظف قد تكشف عما هو ثابت في شخصيته، مثل العصبية المبالغ فيها أو بعض المفاهيم العنصرية، وربما النرجسية أو غيرها من السمات التي تجعله غير لائق للوظيفة العامة.

أما المتغيرات التي قد تطرأ شكل مفاجئ في حياته فلا يمكن توقعها أو تهيئة الظروف المناسبة لتلافيها واتخاذ قرار سريع بأبعاد الموظف عن التعامل مع الجمهور حتى يتجاوز الظرف الذي يمر به وقد ينعكس على سلوكه الوظيفي.

تقدم “النجار” أمثلة على ذلك، مثل مرور الموظف بضائقة مالية قد تجعله تحت ضغط وتبرر له الخروج عن مهام وظيفته ومقتضياتها من البشاشة والتعامل اللائق مع الجمهور، أو حتى قد تبرر له أحيانًا الفساد المالي، باعتبار أن عمله ووظيفته لم تقدم له إحساس الأمان المالي من الأزمات.

وتؤكد “أن ذلك ليس تبريرًا بقدر ما هو تحليل تستخدمه جهات العمل في وضع النظم الكفيلة في علاج مناطق الخلل التي قد تطرأ على حياة موظفيها، ومنها مثلًا نظام السلف والقروض الحسنة في المؤسسات التي تقدم المساندة للموظف في حالات التعثر المالي بدلًا من اتخاذه طريق الفساد”.

بعض المؤسسات العالمية أيضًا تعتمد نظام الطبيب النفسي في موقع العمل والذي يلجأ له الموظف في حالة شعوره بضغوط من مهام عمله أو مروره بأي ظرف حياتي قد ينعكس سلبًا على أدائه، والطبيب هنا يكون له سلطة القرار أحيانًا باستبعاد الموظف عن دوره ومنحه إجازة أو وظيفة أخرى مؤقتًا لا يكون بها أي تعامل مع الجمهور حتى مروره من الظرف المؤقت.

علم النفس الوظيفي

يقدم “علم النفس الوظيفي” خدمة كبيرة لقطاع الأعمال، وتشكل مساهمته الجوهرية في تحقيق القابلية على تحقيق بيئة عمل ملائمة للموظفين تؤمن شعورهم بالرضا والأمان، بهدف تحقيق أقصى إنتاجية ممكنة لصاحب العمل والمؤسسة.

يؤكد تقرير لمجلة “هارفارد بزنس ريفيو”، أن معدل الإنفاق الصحي يزيد بنسبة 50% في حالة العمل تحت ضغط، ووجدت أن الشركات الأمريكية تنفق 500 مليون دولار سنويًا على الأمراض المرتبطة بالضغط بالإضافة إلى الخسائر الناجمة عن الغياب المتكرر عن العمل بسبب الضغط.

كما أظهرت دراسة لمجلة “ليدرشيب كواليتي” اتبعت طريقة تصوير الدماغ أثناء ذكر المديرين السابقين، استمرار شعور العاملين بالضيق وتجنب الحديث عندما طلب منهم تذكر مدراءهم السابقين ممن يحملون لهم ذكرى سيئة تتضمن الضغوط أو عدم التفهم.

شركة “ثري إم” للتكنولوجيا نشرت دراسة عام 2013 تكشف انخفاض إنتاجية العاملين بنسبة 50% حين يشعرون بأن هناك من يسترق النظر أو السمع إلى ما يقومون به على هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم.

قانون الخدمة المدنية

وتنص مدونة سلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة في قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، المادة 57 على التالي:

التزامات جهة العمل تجاه الموظف

تلتزم جهة العمل بما يلي:

1 تعريف الموظفين بقواعد السلوك الوظيفي المنصوص عليها بالمدونة.

2 تهيئة ظروف عمل آمنة وعادلة وصحية للموظفين، تلبى المتطلبات الأساسية لهم واحتياجاتهم وأهدافهم الشخصية والعملية.

3 تشجيع الموظفين على التواصل وإبداء الرأي لحل الصعوبات والمشاكل التي يواجهونها أثناء أدائهم لواجباتهم الوظيفية.

4 اتخاذ الإجراءات ذات العالقة بـ: اختيار أو تعيين الموظفين أو ترقيتهم أو تدريبهم أو مكافآتهم أو تقييمهم أو نقلهم أو انتدابهم أو إعارتهم أو بأي من الأمور المتعلقة بأعمالهم، بشفافية ونزاهة بمنأى عن أية اعتبارات ذات صلة القرابة أو الصداقة أو بالمفاهيم النفعية، ودون أي تمييز مبنى على النوع الاجتماعي أو العرق أو العمر أو الدين، وإتباع أسس الاستحقاق والجدارة والتنافسية، والتقيد التام بالصلاحيات وإجراءات العمل المعتمدة.

5 تحديد مهام الموظف ومسؤولياته وما يتوقع منه من إنجاز بوضوح تام، مع توفير كافة المعلومات التي تمكنه من أداء تلك المهام.

6 توفير فرص التدريب المناسب والمستمر لتحسين فرص تقدمه فى مساره الوظيفي وفقا لنظام الخدمة المدنية.

7 ضمان حرية الرأي والتعبير في إطار النصوص القانونية ووفق أحكام هذه المدونة.

8 ضمان حق الموظف فى التظلم أو الشكوى من أي قرار خاطئ أتخذ بحقه وفقا لأحكام قانون الخدمة المدنية.

9 معاملة جميع الموظفين معاملة عادلة من الناحية الإدارية بما في ذلك من عدالة منح الأجر بتقاضي القائمين بالوظائف المماثلة رواتب متساوية.

10 للموظف الحق في الحصول على الأجر المقرر لوظيفته.

11 يحق للموظف الحصول على تعويض عادل عن الاختراعات والمصنفات التى يبتكرها أثناء تأدية وظيفته أو بسببها.

12 للموظف الحق فى التظلم من تقرير تقويم أدائه السنوي

13  الابتعاد عن التعسف في معاملة الموظفين والبعد بهم عن تدخل الميول الشخصية أو الإكراه على الموالاة لأغراض شخصية أو سياسية.

14 حماية الموظفين من التعرض للإيذاء بسبب إدلائهم بمعلومات بشكل قانوني وهو ما يتعارض مع القوانين والقواعد والنظم.

15 توفير كافة قواعد السلامة المهنية – والتي تتمثل فيما يلى:

للموظف الحق في أن يعلم بشكل واضح كافة الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها بسبب العمل، والحصول على التدريب الملائم لتفادي هذه الأخطار.

للموظف حق الحصول على مختلف معدات وتجهيزات الحماية الشخصية المحددة للوقاية من التعرض للأخطار، وأية خدمات ومتطلبات صحية ووقائية ذات صلة بالحماية دون أي تكلفة مالية عليه.

حق الموظف في إبلاغ السلطات العليا إذا لاحظ وجود قصور في إجراءات الصحة والسلامة المهنية المتبعة في مكان عمله.