بعد توقف دام لعدة أشهر إثر تفشي فيروس كورونا المستجد في فرنسا، عادت حركة السترات الصفراء للاحتجاج من جديد، يوم السبت الماضي، لكن بأعداد قليلة، وهي حركة احتجاجات شعبيّة ظهرت في شهر أيار/مايو 2018، ثم زادت شهرتها بحلول شهر تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام، حيث تمكنت من إشعال المظاهرات في فرنسا، والتي انتشرت بدورها سريعًا إلى والونيا وبعض الأجزاء من دولة بلجيكا.

 اختارت الحركة السترة الصفراء كرمز مُميز لها باعتبار أن القانون الفرنسي يفرض منذ عام 2008 على جميع سائقي السيارات، حمل سترات صفراء داخل سياراتهم عند القيادة.

وفي مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2018، أصبح رمز السترات الصفراء شائعًا على نحو متزايد في بعض دول الاتحاد الأوروبي، كما انتقل لدول خارج نطاق القارة الأوروبية على غرار العراق في منطقة جنوب غرب آسيا.

وخرجت حركة السترات الصفراء، في البداية للتنديد بارتفاع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، ثم امتدت مطالبها لتشمل إسقاط الإصلاحات الضريبية التي سنتها الحكومة، والتي ترى الحركة أنها تستنزف الطبقتين العاملة والمتوسطة فيما تقوي الطبقة الغنية، ودعت الحركة منذ البداية إلى تخفيض قيمة الضرائب على الوقود، ورفع الحد الأدنى للأجور، ثم تطورت الأمور فيما بعد لتصل إلى حد المناداة باستقالة رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون.

تنشيط التظاهرات

تعهدت مجموعة القائمين على رعاية الحركة بإعادة تنشيط التظاهرات التي اجتاحت البلاد منذ ما يقرب من عامين لكن تضاءل حجمها في الأشهر الأخيرة، إثر انتشار فيروس كورونا في البلاد وتداعياته.

ومع ذلك، بدأت حركة السترات الصفراء الآن جزء من الحسابات السياسية للبلاد، فيما برز التفاوت الاجتماعي باعتباره القضية المركزية في السياسة الداخلية لرئاسة إيمانويل ماكرون، سواء اعترف بذلك أم لا.

وكان جزء كبير من غضب المتظاهرين موجهاً إلى سياسة الرئيس الفرنسي وسط اتهامات لكونه ملكيًا ومتغطرسًا وغير مهتم بالصعوبات التي يواجها المواطنون العاديون، كما دعوا إلى استقالته رغم انتخابه بأغلبية ساحقة خلال فترة قصيرة من مدة حكمه.

ونمت الحركة الأولية من الغضب من نجاح مجموعة من المناطق الحضرية الفرنسية التي استغلت المناطق الريفية ولم تهتم كثيرًا بترك أجزاء من البلاد وراءها. كما أنها بمثابة اختبار للحكومة تحت قيادة رئيس الوزراء الجديد، جان كاستيكس.

اعتقلت الشرطة أكثر من 128 شخصًا بتهم أسلحة خفيفة

تعبئة ضعيفة

رغم اعتزام الحركة عودتها خلال هذه الفترة، ومع تحديد موعد للاحتجاجات في البلاد، خاصة يوم السبت من كل أسبوع، غير أن أعداد المتظاهرين كان أقل مقارنة بالتظاهرات قبل كورونا.

واندلعت الاحتجاجات في باريس في أعمال عنف، السبت الماضي، حيث خرج مئات المتظاهرين إلى الشوارع وسط تواجد مكثف للشرطة وانتشار الغاز المسيل للدموع لصد المتظاهرين، كما أنه تم القاء القبض على 128 شخصاً في باريس، جاء ذلك وسط ترجيحات بمشاركة أكثر من 5 آلاف محتج في باريس، من بينهم محتجي حركة بلاك بلوك.

ودعت الحركة إلى اليوم الوطني للاحتجاجات بعد توقف إغلاق فيروس كورونا، وتجمعت عدة مئات من المتظاهرين بالقرب من ساحتين في باريس.

وأظهرت مقاطع الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن مثيري شغب يرتدون ملابس سوداء وهم يدوسون على سيارة متوقفة ثم يشعلونها فيما بعد، وأظهر مقطع فيديو آخر رجلاً مسنًا يتدخل لمنع المشاغب من تحطيم سيارة.

ونفذت الشرطة أكثر من 128 اعتقالًا، في الأساس بتهم أسلحة خفيفة، وفقًا لتغريده من شرطة باريس أظهرت أيضًا صورة للسكاكين والعصي والمطارق التي استولوا عليها من المتظاهرين.

واختلط الفوضويون الذين يرتدون ملابس سوداء والذين انتشروا في شوارع المدينة مع مئات المتظاهرين السلميين الذين كانوا يطالبون بالعدالة الاجتماعية وزيادة الحماية البيئية.

 

هراء وتمرد

وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال الفترة الماضية، حركة السترات الصفراء في فرنسا بالحركات المتمردة والهراء، بعدما استمرت الحركة 70 شهراً حتى اجتياح كورونا البلاد.

وأدان ماكرون الهجمات على ضباط الشرطة في تغريده شديدة اللهجة قائلا “لا مكان لهذا” في فرنسا.

وذكر تقرير لشبكة سي إن بي سي الأمريكية، أن الطبقة الوسطى المنسية هي من لجأ للاحتجاجات في الشوارع الفرنسية، لافتة الي أن النخبة السياسية في البلاد تنسى أمرهم.

وهو الأمر الذي يضع ماكرون في حيرة مجددة حول أن الفرنسيين لا يستجيبون بشكل جيد للإصلاح، بعدما شهدت المدن الفرنسية خلال العامين الماضيين عمليات تحولت إلى توبيخ أوسع لرئاسة ماكرون ومحاولاته الإصلاح الاقتصادي.

غضب جماعي

يقول خبراء أن الحركة أصبحت متنفساً للمواطنين للتعبير عن استيائهم من ارتفاع تكاليف المعيشة في فرنسا ورئاسة ماكرون بشكل عام.

أظهر استطلاع للرأي أن 26٪ فقط من الفرنسيين لديهم رأي إيجابي تجاه ماكرون.

وتشير النتائج التي توصل إليها استطلاعات الرأي BVA، إلى أن ماكرون أقل شعبية من سابقيه فرانسوا هولاند ونيكولاس ساركوزي في نفس المرحلة من رئاستهما.

وترى فامكي كرومبولر، الخبيرة في السياسة الفرنسية، أن الطبقة الوسطى هي الطبقة المنسية في فرنسا، مضيفة أن المحتجين هم أولئك الذين يدفعون الضرائب الفرنسية المرتفعة والرسوم الاجتماعية التي تغطي مزايا معاش الدولة والتأمين ضد البطالة.

كما اتفق جوزيف داونينج، الخبير في السياسة الفرنسية بكلية لندن للاقتصاد، في تصريحات صحفية، أن الاحتجاجات الماضية خلال العامين والحالية كانت تدور حول “أكثر بكثير” من الضرائب على الغاز.