معركة يخوضها المواطنون والدولة على السواء، لا تزال رحاها دائرة إلى الآن، وهي “التصالح في مخالفات البناء”، ففي الوقت الذي عانى فيه المواطن ويلات الهدم، تبحث الحكومة من جهة أخرى عن حلول لمواجهة تقليص الرقعة الزراعية، والتعامل مع المباني المخالفة.

ارتفاع ثم تخفيض

المعاناة الأكبر التي وقعت على كاهل المواطنين كانت قيمة التصالح المرتفعة، فمنذ أن عقد رئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولي، أولى مؤتمراته الخاصة بقانون التصالح، وحتى مؤتمره في القليوبية قبل الأخير، وهو يحاول شرح مدى حجم الخطورة التي لحقت بالرقعة الزراعية في مصر، فضلًا عن إيصال معلومة للمواطن البسيط، مفادها أن الحكومة قد طبقت قانون التصالح في مخالفات البناء من أجل مصلحة المواطن وتقنين وضعه الحالي.

رئيس الوزراء أعلن أن الدولة ملزمة بتوصيل المرافق الرئيسية من كهرباء ومياه وصرف صحي وشبكة طرق لكافة المباني المخالفة والتي تقدم أصحابها للتصالح، فضلًا عن أن الحكومة راعت مؤخرًا البعد الاجتماعي في سعر المتر بالنسبة للقرى الريفية، وتكليف جميع المحافظين في القرى والنجوع بتخفيض سعر المتر ليصل إلى أدنى قيمة في التصالح وهي 50 جنيهًا، كما جاء في اللائحة التنفيذية لتطبيق القانون وبالفعل بدأ تنفيذ قرار التخفيض في نحو 23 محافظة.

تعثر الدفع

يوجد عدد كبير من المواطنين المتعثرين عن التصالح بسبب تطبيق قيمة تصالح في المتر مرتفعة جدا، حيث كانت تصل إلى 150 جنيهًا للمتر مما كان يجعل صاحب المنزل الذى تبلغ مساحته 100 متر يدفع 15 ألف جنيه، أما الآن وفقًا لقرار التخفيض فإنه سيدفع 5 آلاف جنيه كما يستطيع تقسيطها على 3 سنوات بدون فوائد وخصم 20% حال دفع المبلغ جملة واحدة.

عدالة اجتماعية ومساواة

“أحمد عوض” أحد المواطنين في قرية بمحافظة الجيزة، يقول إن تخفيض سعر المتر في التصالح على مخالفات البناء في القرى والنجوع هو تطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة.

ويوضح أنه من غير المعقول مساواة من قاموا بالتعدي على أراضي الدولة من أصحاب الأبراج الشاهقة، بالمواطن الفقير الذي يعيش في القرى والنجوع.

ويشير إلى أن ما صرح به المهندس مصطفى مدبولي، جيد مع وجود قرى كثيرة في الجيزة قد تقدمت بشكاوى من زيادة قيمة التصالح، لافتًا إلى أن محافظ القاهرة أيضًا استجاب إلى تخفيض الأسعار بعد أن كانت مرتفعة.

ويضيف أنه يعمل في مجال المقاولات منذ عدة سنوات، وهو ما يجعله يدرك قيمة المدن الجديدة والتوجه الى الصحراء لاستغلالها في البناء، لافتًا إلى أن القرى الريفية لها طبيعة خاصة، لأن أغلب سكانها يقيمون في الريف بالقرب من الأراضي الزراعية، وليس لهم أي أماكن أخرى يبنون عليها.

واستدرك “لكن مع تصريحات الرئيس بتخصيص جزء من الأراضي الزراعية للقرى التي لا يتواجد فيها ظهير صحراوي من أجل إقامة كردون مباني هو الحل، وسيؤدى إلى الحد من التعدي على الأراضي الزراعية”.

زيادة ثمن العقار

“زاهر حلمي” أحد المواطنين الذي كان متعثرًا في التصالح، يقول إن قانون التصالح في مخالفات البناء هو تقنيين الأراضي والمباني، وبالتالي فإن أي صاحب منزل مخالف أو قام بالبناء على أراضي زراعية وتقدم للتصالح فإن ذلك سيؤدى إلى تقنيين وضعه وإعطائه رخصة مباني، كما أن ذلك سيؤدى إلى زيادة ثمن العقار الذي يسكن فيه وبالتالي ترتفع قيمة العقار نفسه.

ويضيف أن أزمته لم تكن في الموافقة على تقنين الوضع ولكنها في قيمة التصالح المرتفعة التي حملته بتبعات مالية لا طاقة له بها، مؤكدًا “أن هناك إجراءات كثيرة يقوم بها المواطنون من أجل التقدم للتصالح، حيث إن الزام المواطن بأن يقوم بالتعاقد مع مكتب استشاري عقاري مدني من أجل منحه شهادة صلاحية للمبنى، فإن ذلك قديمًا كان من اختصاص المحكمة، هي التي تخصص خبيرًا يقوم بإنهاء مثل هذه الإجراءات بمساعدة لجنة خاصة، ولكن مع تسهيلات رئيس الوزراء وقبول الأوراق أيًا كانت خفف من معاناة المواطنين المتقدمين بطلبات من أجل التصالح”.

حجم الانتشار العشوائي

رئيس الوزراء أكد في تصريحاته، أن حجم الانتشار العشوائي وغير المخطط يمثل ضغطًا كبيرًا على الدولة، موضحًا أن فقدت الدولة 90 ألف فدان من الأراضي الزراعية من 2011 حتى الآن.

وكشف “مدبولي” أن “ظاهرة البناء غير المخطط أو البناء العشوائي، بدأت في مصر في السبعينيات، وهذه الظاهرة نتيجة تزايد النمو الاقتصادي وعدم قدرة الدولة في هذه المرحلة على توفير السكن، فكان توجه المواطنين للبناء دون دراسة، والرقعة الزراعية تتآكل وتكلف الدولة مليارات الجنيهات”.

كما لفت إلى “أن هناك نظامًا جديدًا سيتم استحداثه، بحيث يصبح لكل شقة في جمهورية مصر العربية شهادة، ولن يُسمح بعد تطبيق النظام الجديد بإصدار أي ترخيص أو خدمة للعقار إلا بوجود شهادة له، وأن أغلب الأهالي في الريف هم الملاك والسكان وفى المدن الجديدة أغلب الملاك هم الشاغلين للوحدات السكنية”.

وتابع: “الأصل في القانون هو مخاطبة صاحب الأرض أو صاحب الرخصة المخالف، وأن الدولة لن تسمح بالبناء العشوائي مرة أخرى، ففي التسعينيات صدر قرار من الحاكم العسكري بتجريم البناء على الأراضي الزراعية ولكن لم يأت هذا القرار بأي نتيجة، والدولة توسعت فى الأحوزة العمرانية وتم إضافة 160 ألف فدان تم استقطاعها من الرقعة الزراعية بطريقة مخططة.”