هبوط أرضي بمنطقة المعصرة، وقع منذ عدة سنوات وعاد ليتكرر من جديد، فهي ليست المرة الأولى التي يحدث فيها، مساحة تزيد عن 10 أمتار وعلى عمق كبير، ربما للمرة الثالثة في نفس المحيط العمراني تنخسف الأرض عن ارتفاع سطح الشارع.

في كل مرة تنتاب الأهالي حالة من الخوف والأمل في آن واحد، فعلى الرغم من أن الهبوط وقع وسط منطقة سكنية وهو ما يهدد العقارات والبنايات المحيطة به، إلا أنهم فسروا الأمر بأن هناك مقبرة أثرية بالضرورة توجد أسفل هذه الأرض.

الجميع على أمل أن يحصل على خيرات الأرض، إلا أن ثمة شيء في الأمر يجعلهم خائفين من الحفر، وهو الأذى المحتمل الذي قد يتعرض له كل من يحاول الاقتراب من مقابر الأجداد بسبب “لعنة الفراعنة”.

مطلع عام 2018، حاول أهالي المنطقة الحفر فسقط أحدهم على الأرض لتنكسر قدمه، بينما فقد الثاني ابنيه، خرجا ولم يعثر عليهما لمدة تجاوزت أسبوعين، اعتبر الأهالي هذه الأحداث المتتالية بمثابة إنذار بهلاكهم المحقق، لو لم يتراجعوا عن التنقيب في هذه المنطقة.

كما شاعت أنباء بأن الهبوط الأرضي سببه اختلاف في طبقات الأرض، ويتعلق بأمور جيولوجية، وليس له علاقة بوجود مقبرة فرعونية من عدمه، وبالرغم من ذلك إلا أن عقول الأهالي مازالت تفكر في الأمر، يسمعون الكثير عن “لعنة الفراعنة”، ربما يمنعهم الخوف من الحفر والتنقيب، لكنهم ينتظرون مغامرًا جديدًا يفتح الباب والأمل من جديد .

ماذا يُقصد بـ”لعنة الفراعنة”؟

تشير “لعنة الفراعنة” إلى الاعتقاد بأن أي شخص يزعج مومياء فرعونية سيصاب بأذى، وقد تلحق هذه اللعنة التي لا تفرق بين اللصوص أو علماء الآثار ذي النية الحسنة أضرارًا مثل المرض أو الوفاة.

منذ منتصف القرن العشرين، ناقش العديد من الكتاب والأعمال الفنية تلك اللعنة الناجمة عن أسباب علمية تفسيرية مثل البكتيريا أو الإشعاع، وبالرغم من ذلك، استفادت بعض الثقافات من الفكرة نفسها حتى وإن قامت على أسطورة أو اعتقاد خاطئ فتحول الأمر من السحر إلى العلم لشرح اللعنات.

توت عنخ آمون.. إثارة تتواصل

مقبرة توت عنخ آمون كانت إحدى أبرز الحكايات حول لعنة الفراعنة، حيث كتب عليها “لا تفتح المقبرة، سيضرب الموت بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الملك”، وعلى الرغم من أن اكتشاف المقبرة تم عام 1922 منذ زمن بعيد، إلا أن قصة لعنتها مستمرة ويتم تناقلها من جيل إلى جيل، فبعد فتحها أصيب اللورد “كارنافرون” الممول الرئيسي لعملية الاكتشاف بحمى شديدة وارتفاع في درجات الحرارة، ترتب على هذا الأمر وفاته في مصر.

فسر الأطباء سبب مرضه وارتفاع درجة حرارته بلدغة بعوضة أصابته وقت افتتاح المقبرة، وتسببت في وفاته بعد أيام قلائل .

على الهامش ظل خيال “لعنة الفراعنة” يطارد كل من يقدم على اكتشاف مقبرة، ليس فقط البشر منهم، فقد أصيب أيضًا العصفور الذي وضعه أحد المكتشفين في شرفة الفندق الذ يقيم به، وعندما هم بالدخول لغرفته وجد ثعبانًا (كوبرا) يلدغ العصفور داخل القفص، ثم بدأت بعد ذلك سلسلة من الأحداث الغريبة التي لا يوجد لها تفسير، فقد مات بعد هذه الواقعة عدد كبير ممن شاركوا في افتتاح المقبرة، منهم سكرتير كارنافون دون سبب واضح ثم انتحر والده بعد وفاته، وأثناء تشييع جنازته دهس الحصان الذي كان يجر عربة التابوت طفلًا صغيراً فقتله.

وضع الجميع كل هذه الحوادث قربانًا دفعه أبطالها مقابل إرضاء الفراعنة لتهدأ اللعنة عند هذه المحطة، إلا أن هناك آراء علمية خالفت ذلك.

“لعنة كاذبة”

يؤكد الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، في تصريحات صحفية سابقة، أنه لا يوجد شيء اسمه “لعنة الفراعنة” مرجعًا سبب إطلاق هذه الاسم إلى عصر اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.

كما يشير إلى براعة المصريين القدماء في السحر، ويُرجع الحوادث التي يتعرض لها البعض عند فتح المقابر إلى أسباب متعلقة بالمكان المكتشف.

ويقول إن المصري القديم كان بارعًا في السحر، وهناك ترجمة كثيرة من القصص والبرديات التي توضح كيفية أعمال الفراعنة للسحر منذ آلاف السنين.

ويوضح أن أي مومياء إذا جرى دفنها وغلق الغرفة عليها لمدة 3 آلاف سنة، فإن الجراثيم والروائح التي تخرج منها، تتشكل في صورة حيوانات صغيرة قارصة تؤدي

إلى تسمم الإنسان وموته في الوقت ذاته، وهو ما يفسر الوفيات الغريبة التي تحدث لبعض مكتشفي المقابر.

كما يلفت إلى أن الصواب عدم دخول المقبرة فور فتحها مباشرة، بحيث يجب أن تُترك بعض الوقت على أن يكون الدخول إليها بملابس مخصصة لذلك.

غرق “تيتانك” و”لعنة الفراعنة”

لم تتوقف القصص والأحداث حول اللعنة المزعومة، التي تم إسنادها إلى الفراعنة وكان من بينها غرق السفينة الشهيرة تيتانك، التي غرقت عام 1912، حيث كان هناك مومياء فرعونية للأميرة “آمن رع” ضمن المنقولات على ظهر السفينة، والتي كانت مدفونة في الأقصر وتم اكتشافها عام 1890.

كان من المقرر نقل المومياء إلى المتحف البريطاني، وقيل إن كل من حاول مسح الغبار عن الوجه المرسوم على التابوت كان ابنه يموت بالحصبة خلال 7 أيام، حيث اعتبر البعض أن سبب غرق السفينة هو لعنة الفراعنة.

من بين أساطير لعنة “آمن رع” أيضاً أنه كان مكتوب على التابوت من الخارج “من يزعج الأميرة ملعون ومنحوس حتى الموت”، وبالفعل قد مات العاملان اللذان ساعدا في نقل المومياء إلى منذ اكتشافها وحتى نقلها للسفينة بغرض إهدائها لمتحف البريطاني .

الزئبق الأحمر

“الزئبق الأحمر” الذي يوجد داخل المقابر الفرعونية القديمة، يعتقد البعض أن له مفعول السحر في عدد من الأمور منها أنه منشط جنسي خيالي، ولديه قدرة على جلب الرزق، وتسخير الجن، وتحسين أحوال الفرد المالية وغيرها من الخرافات التي ارتبطت بالزئبق الأحمر.

إلا أن العلماء أثبتوا عدم صدق هذا، وقد نفى “حواس” صحة اعتقاد البعض أن الزئبق الأحمر يعمل على تسخير الجن، وهو من أحد أسباب اندفاع اللصوص إلى المتاحف لسرقتها، مؤكدًا أنه لا يوجد أي شيء في العالم يدعى “زئبق أحمر” الذي وقعت عديد من قضايا النصب بسببه.

حوادث وضحايا

في العصر الحديث وقعت الكثير من الحوادث التي اعتبرها أهلها ناتجة عن “لعنة الفراعنة” والأجداد القدماء بسبب تعدي الأحفاد على مقابرهم بالبحث والتنقيب وراءهم.

منها ما جرى في محافظة بني سويف منذ خمس سنوات، عندما فقدت عائلة 10 رجال في يوم واحد، كانوا يحفرون أسفل إحدى البنيات على أطراف قطعة أرض زراعية، حيث سقط العقار ودفُن الرجال العشرة أسفله، لم يتمكن أحد من إنقاذ أي منهم، فضلًا عن حوادث أخرى مماثلة، راح ضحيتها العشرات.