امتدت القطيعة الدبلوماسية بين مصر وتركيا لـ 7 سنوات، تضمنتها تنديدات وصلت مداها لاختبار حلول عسكرية، لكن يبدو أن الأوضاع بين البلدين علي وشك التغير، وهو ما كشفته بعض المؤشرات والتصريحات المغازلة من الجانب التركي تجاه القاهرة، فهل نشهد مصالحة في المستقبل القريب تزيح جبال الجليد بين البلدين؟.
كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أغسطس الماضي، أن هناك لقاءات ومشاورات مع الحكومة المصرية، في إطار ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، قائلاً: “في لقاءاتنا مع الجانب المصري يقولون لنا، إن هناك سوء تفاهم بيننا يجب إزالته”.
وتشهد العلاقات التركية- المصرية توترات منذ عام 2013، في أعقاب عزل الرئيس السابق، محمد مرسي، مرورًا بأزمات ترسيم الحدود البحرية بالبحر المتوسط والصراع على غاز شرق المتوسط، وأيضًا الأزمة في ليبيا.
“التواصل بين تركيا ومصر ضروري رغم الخلافات بين رئيسي البلدين، واصفًا الجيش المصري بـ”جيش أشقائنا”.. مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، ياسين أقطاي
مؤشر إيجابي
وأضاف “أردوغان”، في تصريحات سابقة، أن “الشعب المصري والتركي يقفان مع بعض ويتضامنان مع بعض وحضارتنا ومبادئنا التاريخية أقرب، مما هي مع اليونان، وعلى الحكومة المصرية أن تتفهم ذلك”.
بينما، نقلت وكالة “الأناضول” قول مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، ياسين أقطاي، إن التواصل بين تركيا ومصر ضروري رغم الخلافات بين رئيسي البلدين، واصفًا الجيش المصري بـ”جيش أشقائنا”.
وأضاف “أقطاي”، في محاولة لتجديد التودد التركي لمصر، “لابد أن يكون هناك تواصل بالفعل بغض النظر عن أي خلافات سياسية، فالحكومتان والشعبان يجب أن يتقاربا”.
سبق، وأن قال وزير الخارجية التركي، تشاوش أوغلو، بحسب “تي آر تي”، يوليو الماضي، إن هناك مصالح مشتركة بين القاهرة وأنقرة، وجرى التباحث على مستوى الوزراء في أكثر من مناسبة في السابق.
“السياسات التي نراها من تواجد عسكري على الأراضي السورية أو العراقية أو الليبية والتوتر القائم في شرق المتوسط كلها تنبئ بسياسات توسعية مزعزعة للاستقرار”.. وزير الخارجية سامح شكري
واعتبر أنه “لا خلاف في الرأي مع مصر بخصوص توسع مناطقها البحرية مع الاتفاقية”، في إشارة إلى الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، المتمركزة في العاصمة طرابلس، إلا أن وزير الخارجية سامح شكري، نفي هذه التصريحات في حينها.
وفي يناير الماضي، أعرب وزير الاقتصاد التركي الأسبق، وعضو حزب العدالة والتنمية، مصطفى إيليطاش، إنه يأمل أن تكون هناك علاقات دبلوماسية بين البلدين، إذ قال:” إن دبلوماسية الباب الخلفي مستمرة بين مصر وتركيا”، بحسب قناة “تي في 5” التركية.
ويرى المراقبين أن تصريحات “أدروغان” ومستشاريه بشأن الملف المصري، بادرة أمل في طريق التصالح بين البلدين، لاسيما أن التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين لم يتوقف رغم القطيعة الدبلوماسية، لذا فإن أي قنوات اتصال بين الجانبين تعد مؤشرًا إيجابيًا، ويمكن أن يعيد العلاقات لسابق عهدها.
غير متوافق
بالمقابل، علق سامح شكري، وزير الخارجية المصري، خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده، الأحد الماضي، مع نظيره الأرميني، زوهراب مناتساكانيان، علي تصريحات “أقطاي”، قائلاً: “إننا نرصد الأفعال والحديث والتصريحات، ولكن إذا كان هذا الحديث غير متوافق مع السياسات فلا يصبح له أهمية”.
وأضاف: “السياسات التي نراها من تواجد عسكري على الأراضي السورية أو العراقية أو الليبية والتوتر القائم في شرق المتوسط كلها تنبئ بسياسات توسعية مزعزعة للاستقرار في المنطقة، وبالتالي لا تقود إلى حوار وإلى بدء صفحة جديدة وبالتالي ليس الأمر بما يصرح به ولكن بأفعال وسياسات تعزز من الاستقرار، وتتسق مع قواعد العلاقات الدولية والشرعية الدولية، وهي التي تهمنا في هذه المرحلة”.
وعن تصريحات “شكري”، فسر الكاتب والباحث السياسي، جمال رائف جمال الدين، الأمر بمدى يقظة السياسة الخارجية المصرية التي لا تنجذب للتصريحات بل تتعامل فقط مع الواقع.
وأضاف، عبر حسابه على الـ”فيسبوك”: “تركيا انهزمت دبلوماسيًا بعد أن أسست مصر تحالفات سياسية واقتصادية عزلت نظام أردوغان عن محيطها الإقليمي بل والدولي”، بحسب قوله.
ورقة الإخوان
ويبدو أن لا حديث عن المصالحة بين البلدين، دون ذكر أفراد جماعة الإخوان، الهاربين لتركيا، والتي قال عنه مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، إن بلاده لا تدعم المعارضة المصرية: “نحن لا نقدم لهم أي دعم، فقط نحتضن هؤلاء المضطهدين الذين يلجاؤون لبلادنا، وهذا قد يُعد دعمًا غير مباشر إلى حد ما، لكنه لا يتجاوز ذلك”، بحسب قوله.
إلا أن المتخصص في الشأن التركي، بشير عبد الفتاح، أوضح أن مبادرات المصالحة بين مصر وتركيا مطروحة منذ سنوات في الحزب الحاكم، لافتًا إلى أن هناك معارضة للشارع التركي بشأن موقفه المعادي لمصر، خاصة وأن تربط البلدين علاقات تاريخية واقتصادية طويلة المدى.
“أردوغان وحزبه يحاولون “تصفير” المشكلات والأزمات التي تواجه الإدارة الحالية”.. المتخصص في الشأن التركي، بشير عبد الفتاح
وكشف “عبد الفتاح”، أن أردوغان وحزبه يحاولون “تصفير” المشكلات والأزمات التي تواجه الإدارة الحالية، حيث اقحم النظام التركي نفسه في عدة أزمات وعلى عدة جبهات أيضًا، مما يدفع القول إن هناك اتجاه لإنهاء القطيعة مع الجانب المصري وإصلاح العلاقات بين البلدين في الوقت الراهن، وهو الذي من شأنه أن يحقق مكاسب لمصر أكثر.
وأشار إلى أن موقف تركيا من الإخوان سيكون أحد الأوراق الهامة والتي ستلعب دورًا في إنهاء القطيعة من عدمها، فلو هناك عودة سيكون هناك تفاوض بشأن الثمن الذي سيدفع والموقف من “الإخوان”، التي من المتوقع أن تكون ثمن المصالحة حول ليبيا والقضايا الخلافية الأخرى”.
وبعيدًا عن الخلافات بشأن السيطرة والنفوذ في المنطقة، فإن التفكير العقلاني لكلاً من أنقرة والقاهرة سيؤدي إلى نتائج إيجابية، لاسيما أن أي تصعيد بين البلدين ينذر بمخاطر باهظة الثمن لكليهما، بحسب “عبد الفتاح”.
وأفادت تقارير غربية، بأن مبادرات المصالحة بين مصر وتركيا تتجدد باستمرار ولم تتوقف، إذا تدخلت دول وسطاء، مثل: لبحرين والكويت في وقت سابق، إلا أنه في الوقت الراهن تجرى محادثات بشأن الملف الليبي وشرق المتوسط بين البلدين ولكن لم يكشف شيئًا بعد.
طموحات تركيا
على جانب آخر، تقول الكاتبة والباحثة السياسية، ايرينا تسوكرمان، إن هدف تركيا من تدخلها في شؤون بعض دول المنطقة والشرق المتوسط هو تقويض وإضعاف مصر، وتقوم بذلك من خلال اشتراكها في الحرب بليبيا، بجانب تدخلها في الخلاف الإثيوبي- المصري حول سد النهضة بشكل غير مباشر، بخلاف عبثها في المياه الإقليمية، وهو ما يعيطها نفوذًا أكبر لتوغل في شمال إفريقيا وتهديد القاهرة بشكل أو بآخر.
بينما يعتقد الخبراء أن تصريحات مستشار رئيس الحزب الحاكم في تركيا الأخيرة، يمكن قراءتها على أنها محاولة لسحب النظام المصري إلى مربع التقارب النسبي، فالضغوط الداخلية التي يوجهها البلدين في الوقت الراهن، بسبب أزمة كورونا والركود الاقتصادي التي يضرب النظام العالمي، أعقد من أن يدخلا في مواجهة مباشرة .