“المشاوير اللي بنزل أقضيها في وسط البلد اليومين دول، بروح الضروري منها بس، وبسيب تليفوني وبأخذ تليفون ماما القديم اللي هو لا فيه صور ولا إنترنت ولا حاجة، الحقيقة أنا مش جاهزة لحد يمسك موبايلي ويفتح صفحتي على فيس بوك، وأصلاً مش هيلاقي حاجة، بس الفكرة نفسها مرعبة، إنه الاقي نفسي في عربية ترحيلات فجأة وأنا مليش علاقة بأي حاجة”.
بهذه الكلمات، تُصوّر “سوزان محمد” معاناتها مع الإجراءات الأمنية المتبعة في وسط القاهرة، تزامنًا مع انتشار أمني في وقت يشهد ظهور دعوات للتظاهر.
“سوزان” الشابة التي تبلغ من العمر 28 عامًا وتقيم بمنطقة السيدة زينب القريبة من وسط القاهرة، ترى أن هذه الإجراءات اعتداء على الخصوصية كذلك، مبدية استغرابها من حدوثها بسبب عدم التفاعل مع دعوات التظاهر من الأساس: “كمان إنه حد يمسك موبايلي ولا يقلب في صوري ده انتهاك واضح لخصوصيتي ومش قانوني ومش فاهمة ليه بيحصل تاني مع إن محدش متفاعل مع دعوات محمد علي، ولا حد أصلاً يدعو للنزول في الوقت الحالي”.
توقيف عشوائي
وتشهد منطقة وسط البلد في القاهرة، إجراءات أمنية مشدّدة منذ عدة أيام، حيث تجوب الدوريات الأمنية الشوارع، وتستوقف بعض المواطنين لتفتيش هواتفهم المحمولة، وتلقي القبض على عدد منهم، كما أغلق عدد من المقاهي التي يتردد عليها نشطاء وسياسيون.
اعتداء على الحياة الخاصة
تحت عنوان: “الاعتداء الروتيني على الحياة الخاصة”، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بيانًا، أكدت خلاله أنه على مدار فترة اقتربت من الشهرين أصبحت هذه الممارسة الشرطية التي تحتوي على انتهاك صارخ لأبسط حقوق المواطنين في الخصوصية جزءً من عمل الشرطة العادي اليومي، تحديدًا وبشكل مكثف في منطقة وسط المدينة، وإن لم تقتصر بالضرورة على وسط المدينة فقط. العشرات من المواطنين تم القبض عليهم”.
وتابع البيان: “في الفترة ما بين 21 سبتمبر ونهاية أكتوبر 2019، كانت إجراءات التوقيف والفحص القسري مصاحبة لحملة قبض عشوائي واسعة النطاق. ففي أغلب الحالات التي كان يعثر رجال الأمن فيها على محتوى سياسي على الهواتف مهما بلغت بساطته (مثل الكوميكس الساخرة)، ومهما بلغت خصوصيته (رسائل متبادلة عبر تطبيقات الرسائل الخاصة، صور شخصية)، كانت النتيجة الحتمية لذلك هو أن يتم القبض على صاحب/ة الهاتف”.
المادة 57 من الدستور، تؤكد على حرمة الحياة الخاصة، وهو ما يتنافى مع تفتيش الهواتف، فكماء جاء بالمادة “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفي الأحوال التي يبيّنها ال
محمد عبد العزيز، واحد من المحامين الذين حضروا تحقيقات في العام الماضي، مع مجموعة من المقبوض عليهم في أحداث 20 سبتمبر، قال إن تفتيش الهواتف غير قانوني كونه وسيلة اتصال ولا يمكن الاطلاع أو التصنت عليه، حتى لو سُمح بذلك وفقًا لقانون الطوارئ.
منشورات عدة يتداولها مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي، يطلبون من ذويهم وأصحابهم خلال الأيام المقبلة، البعد من محيط وسط المدينة، و”تنظيف”، الهاتف المحمول، منعًا للتعرض للقبض والوضع على ذمة واحدة من القضايا السياسية، دون سبب.
محمد رمضان، شاب ثلاثيني، قال إنه تعرض لعملية توقيف في محيط وسط المدينة: “كنت ماشي ومعايا شنطة على ضهري، وحاطط الهاند فري في ودني عادي، لقيت واحد داخل عليا بلبس عادي مش شرطة، تخيلت إنه هيسألني عن مكان معين لكن لقيته بيقوللي وريني تليفونك وجه وراه واحد تاني وقالي هات الشنطة، هنا حسيت إنه بعد ثواني هتحط في عربية البوكس اللي كنت شايفها على مرمى البصر، فتحوا الشنطة وبصوا فيها، وبعدين فتحوا الموبيل والباقة كانت خلصت، قلت للي وقفني لو تحب أروح أشحن وأجيلك أو تفتح لي هوت سبوت، قالي لا خلاص أمشي، طلعت جري على البيت، وقررت إنه مش هنزل خالص غير لما اليومين دول يعدوا، أنا قعدت اتخيل سيناريوهات إنه أنا اتحطيت في البوكس وصحابي وأهلي بيدورا عليا، بس الحمد لله ربنا سترها”.
مخالفة الدستور
في العام الماضي، انتقد المجلس القومي لحقوق الإنسان عمليات تفتيش الهواتف المحمولة، والتوقيف العشوائي للمواطنين في الشارع، إلا أنها تتم هذا العام أيضًا، برغم عدم التفاعل مع دعوات التظاهرات التي يدعو إليها من الخارج المقاول محمد علي.
قال المجلس حينها في بيان له: “توقيف المواطنين أثناء سيرهم في الشوارع وإجبارهم على إطلاع رجال الشرطة على هواتفهم النقالة وفحصها، يخالف نصوص عديدة في الدستور تضفي حماية على حرمة الحياة الخاصة، وتحصين مراسلات المواطنين واتصالاتهم، بما فيها الاتصالات ووسائل التواصل الإلكترونية”.
حماية المراسلات
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ذكرت في ورقة عمل لها، أن المشرع المصري سواء الدستوري أو العادي وضع سياجًا من الحماية على المراسلات عمومًا سواء الشكل القديم لها وهي المراسلات البريدية والبرقية أو الأشكال الجديدة من المراسلات، مثل: المراسلات الإلكترونية، أو المحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال.
الداخلية ترد
وزارة الداخلية أصدرت بيانًا للرد على الانتقادات الحقوقية وعلى البيان الصادر من المجلس القومي لحقوق الإنسان، بعدم قانونية تفتيش التليفونات بأن حالات التلبس تتيح لمأموري الضبط القضائي ورجال الشرطة تفتيش الأشخاص وما بحوزتهم من متعلقات منقولة ومنها الهواتف المحمولة.
وقالت المبادرة إن حالة التلبس يجب أن تكون هناك جريمة قد وقعت بالفعل، وهو الأمر غير المتوفر في الحالات التي تعرضت للتفتيش غير القانوني للهواتف المحمولة، إذ أن ما تواترت عليه الشهادات هو أن التفتيش يتم بشكل عشوائي في نقاط الشرطة، لفئات معينة وهو ما لم يمكن معه توصيف هذه الوقائع بأنها حالات تلبس. فالتلبس يكون مرتبطًا بوقوع جريمة.
قوات الأمن ألقت بالقبض على المئات في عدة مدن مصرية في 20 سبتمبر الماضي، بعد دعوات أطلقها المقاول محمد علي من مقر إقامته في إسبانيا، وبلغ عدد المقبوض نحو 3765 شخصًا.
وفقًا للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد أفرج عن معظمهم لاحقًا وبقي نحو مئتي شخص يواجه معظمهم تهمًا من بينها مشاركة جماعة إرهابية أهدافها، ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
جدد “علي” دعواته هذا العام، والتي لم تلق تفاعلاً كبيرًا، بل شهدت رفضًا من العديد من السياسيين والنشطاء، مع تلك الدعوات بدأت القبضة الأمنية تشتد، بتفتيش هوتف المارة، مع تخوفات من بدء حملة لإلقاء القبض عليهم بشكل عشوائي.