وصلت الأمور بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التراشق بالتصريحات من جديد، فالقيادة التركية تصف ماكرون بـ”البلطجية”، و اتباع سياسة استعمارية في المنطقة، بينما القيادة الفرنسية وصفت أردوغان بـ”القومي الإسلاموي”.

زاد توتر العلاقات الفرنسية مع تركيا خلال الأشهر الأخيرة، بسبب عمليات التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر الأبيض وهي رأس الخلافات، بالإضافة إلى الأزمة الليبية ودور تركيا في شمال سوريا.

تجدد الصدام

السبت الماضي أعرب أردوغان، في كلمة تليفزيونية له في إسطنبول خلال إحياء الذكرى الأربعين للانقلاب العسكري في 1980، عن غضبه من ماكرون.

وجاء نص حديثه عنه: «سيد ماكرون… سيكون لديك المزيد من المشكلات معي شخصيًا، لا تمتلك معلومات تاريخية وتجهل حتى تاريخ فرنسا، فدعك من الانشغال بتركيا وشعبها ولا تعبث معه”.

تأتي تلك التصريحات الهجومية لأردوغان بعدما انتقد ماكرون، خلال قمة لمجموعة “ميد 7” في الاتحاد الأوروبي، تركيا بشدة فيما يخص مواجهتها مع اليونان وقبرص في شرق البحر المتوسط على خلفية التنقيب عن موارد الطاقة.

وقال الرئيس الفرنسي، إن على الأوروبيين أنّ “يكونوا واضحين وصارمين ليس مع الشعب التركي بل مع حكومة الرئيس أردوغان الذي قام بتحركات غير مقبولة”.

ماكرون

سلوك فرنسا لمصالح واعتبارات عدة

وبحسب متخصصين فالأرجح أن الرفض الفرنسي لسلوك أنقرة يعود لاعتبارات عدة، منها توقيع شركة “توتال” الفرنسية على عقود مع قبرص اليونانية، للتنقيب عن مكامن الطاقة.

كما وقعت باريس في مايو الماضي مع نيقوسيا- عاصمة قبرص – اتفاقية تنص على “التعاون في المنطقة المتنازع عليها بشرق المتوسط”، وبموجب الاتفاقية تكون فرنسا “مجبرة على دعم قبرص عسكريًّا في حال قامت تركيا بأي عمل عسكري ضد قبرص”.

كما أسست البحرية الفرنسية قاعدة عسكرية جنوب قبرص اليونانية، وهو ما يؤكد عمق المصالح التي تربط البلدين، ويعزز مناهضة باريس لأعمال التنقيب التركي.

غضب سابق

لم يكن هذا اول صدام في التصريحات بين الرئيسين، ففي يونيه اتهم إيمانويل ماكرون تركيا الدولة العضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأنها تمارس “لعبة خطيرة”  في ليبيا لا يمكن التسامح معها.

ووصف ماكرون، الممارسات التركية في ليبيا بأنها مثال على رأيه المثير للجدل في هذا التحالف العسكري الذي وصفه في وقت سابق بأنه “ميت دماغيًا”.

وأرسلت تركيا مقاتلين سوريين، ومستشارين عسكرين، وطائرات بدون طيار إلى ليبيا، مما أدى إلى تغيير مسار الصراع وألحق بقوات حفتر سلسلة من الهزائم في الفترة الأخيرة.

وتدعم تركيا حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليًا من قبل الأمم المتحدة، في حربها ضد القائد العسكري خليفة حفتر.

فرنسا تنسحب من العملية الأمنية في ليبيا

في يوليو الماضي، انسحبت فرنسا مؤقتًا من العملية الأمنية التي شنها حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا، بعد خلاف كبير مع تركيا، الدولة العضو في الحلف أيضًا.

وقالت وزارة الدفاع: إن فرنسا علقت دورها في عملية “حارس البحر”، متهمة تركيا بانتهاك حظر السلاح المفروض على ليبيا.

وجاءت هذه الخطوة أيضًا بعد استهداف سفن تركية – كما قيل – لسفينة حربية فرنسية في البحر المتوسط، وهذا ما نفته أنقرة بقوة وقتئذا.

انتقاد من الاتحاد الأوروبي لأردوغان

وبالحديث عن التحركات غير المقبولة للرئيس التركي، فقد تعرض لانتقاد من الاتحاد الأوروبي في أغسطس الماضي، بعد إعلانه تمديد أعمال التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط قبالة سواحل قبرص، حتى منتصف سبتمبر الجاري.

وهذا ما أشعل حدة التوتر في الفترة الأخيرة بين تركيا، واليونان، وقبرص، أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بشأن حقوق التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط.

وساندت فرنسا العاصمتين الأوروبيتين دبلوماسيًا، داعيةً أنقرة إلى ضرورة التوقف الفوري عن عمليات التنقيب التي بدأتها في البحر المتوسط، لأنها غير مشروعة وتجري في المياه الإقليمية للدولتان.

ودعمت فرنسا التوجه الأوروبي في يوليو الماضي نحو تمديد عقوبات على أنقرة لمواصلتها أعمال التنقيب غير القانونية قبالة سواحل قبرص، في الصدارة منها اقتطاع 145,8 مليون يورو من المبالغ الأوروبية التي يُفترض أن تستفيد منها تركيا عام 2020.

أردوغان في الاتحاد الأوروبي

وعبرت تركيا عن رغبتها في تسوية النزاع مع اليونان بالحوار، رافضة لغة العقوبات والتهديدات.

دور تركيا في شمال سوريا يثير المجتمع الفرنسي

وتصاعدت التوترات على مدار العام الماضي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره التركي أردوغان، بشأن تحركات الأخير على مواقع الأكراد في سوريا.

جاء قرار فرنسا في أكتوبر الماض،ي بوقف بيع الأسلحة لتركيا على خلفية عدوانها على سوريا بعد خطوة مماثلة من ألمانيا وهولندا.

وأثارت تحركات تركيا ليس ماكرون فقط بل المجتمع الفرنسي الذي  خرج آلاف منه في أنحاء البلاد للتنديد بالعدوان التركي على مواقع الأكراد في شمال سوريا، وانطلقت المظاهرات في عدة مدن فرنسية، وتجمع آلاف الأشخاص بدعوة من المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا بالعاصمة باريس في ساحة الجمهورية، ثم بدأوا بالتوجه نحو ساحة شاتليه في قلب باريس، وعدة مدن أخرى بمشاركة شخصيات سياسية فرنسية بارزة، وقدر المنظمون عدد المتظاهرين “بأكثر من 20 ألف شخص”.