يوثق تقرير لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا المكون من 25 صفحة، والذي صدر أمس، الانتهاكات المستمرة من قبل جميع أطراف النزاع المسيطرة على الأراضي في سوريا. كما يسلط الضوء على الزيادة في أنماط الانتهاكات المستهدفة مثل الاغتيالات والعنف الجسدي والعنف جنسى ضد النساء والفتيات، ونهب الممتلكات الخاصة أو الاستيلاء عليها، مع وجود طابع طائفي. إن معاناة المدنيين تُعد سمة ثابتة وخاصة لهذه الأزمة.
على الرغم من الانخفاض النسبي في الأعمال العدائية واسعة النطاق منذ إعلان وقف إطلاق النار في مارس5 آذار الماضي، لا يزال السوريون يُقتّلون ويواجهون مستويات شديدة من المعاناة والألم ويتعرضون لانتهاكات جسيمة لحقوقهم، وفقًا لآخر نتائج لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية.
ويركز هذا التقرير على الانتهاكات التي حدثت بعيدًا عن بؤر الأعمال العدائية واسعة النطاق خلال النصف الأول من عام 2020.
اختفاء قسري
وقال التقرير، بعد ما يقرب على عقد من النزاع، لا يزال الاختفاء القسري والحرمان من الحرية يستخدمان كأدوات من قبل جميع الأطراف تقريبًا لبث الخوف وقمع المعارضة بين السكان المدنيين أو ببساطة كابتزاز لتحقيق مكاسب مالية.
يوثق التقرير عددًا من الانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز من قبل القوات الحكومية والجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام وأطراف أخرى في النزاع.
يخلص التقرير إلى أنه فيما يتعلّق بالقوات الحكومية، فإن الحالات الأخيرة للاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجنسي والوفيات خلال الاحتجاز ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية. كما أدى استمرار استخدام هذه الممارسات إلى تفاقم التوترات مع المجتمعات المحلية في المحافظات الجنوبية، مثل درعا والسويداء، وأدى كذلك إلى مزيد من الاشتباكات في الفترة المشمولة بالتقرير.
يوثق التقرير في عفرين والمنطقة المحيطة بها احتمالية أن يكون الجيش السوري قد ارتكب جرائم حرب تتمثل في خطف الرهائن والمعاملة القاسية والتعذيب والاغتصاب
. وفي المنطقة ذاتها، قُتل وشُوِّه عشرات المدنيين بفعل الأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع، وخلال القصف والهجمات الصاروخية.إضافة إلى تعرض الرجال والنساء والأطفال للموت أثناء تواجدهم في الأسواق المزدحمة. وتفشى النهب والاستيلاء على الأراضي ذات الملكية الخاصة من قبل الجيش السوري، لا سيما في المناطق الكردية. لم ينحصر الاعتداء على الأفراد فقط، بل شمل المجتمعات والثقافات بأكملها. حيث ُظهر صور الأقمار الصناعية حجم الدمار والنهب للمواقع التراثية المصنفة من قبل اليونسكو والتي لا تقدر بثمن.
الأزمة الاقتصادية
وأشار التقرير إلى أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وآثار العقوبات ووباء كوفيد -19 تقلّص من فرص السوريين في تحقيق مستوى معيشي لائق. ولا تزال الظروف المعيشية في جميع أنحاء البلاد بائسة وتتدهور في بعض الحالات. وفي المناطق الخاضعة للحكومة، تنتشر العقبات حيث يُمنع المدنيون عمدا من العودة إلى منازلهم وممارسة حق الملكية وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وقال التقرير “إن الزيادة الملحوظة في أعداد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا في النصف الأول من عام 2020 مقلقة للغاية. يجب إزالة جميع العقبات التي تحول دون تقديم المساعدات الإنسانية”، قالت المفوضة كارين كونينج أبو زيد.
أما بخصوص الحبس طويل الأمد للأفراد المُدّعى أنهم مرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في الشمال الشرقي من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وجدت اللجنة أن هذا الحبس يرقى إلى مستوى الحرمان غير القانوني من الحرية في ظروف غير إنسانية. ومع الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الهائلة للوضع، خلصت اللجنة إلى أنه لا يمكن أن يستمر حرمان المدنيين من الحرية إلى الأبد. تدعو اللجنة الدول الأعضاء إلى استعادة مواطنيها من الجمهورية العربية السورية المُدّعى أنهم مرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ولا سيما الأطفال مع أمهاتهم.
“جميع الأطراف في سوريا تحتجز المدنيين..بحسب المفوض هاني مجلي
أضاف المفوض هاني مجلي إلى أن “جميع الأطراف في سوريا تحتجز المدنيين دون مثقال ذرة من دليل أو إتباع الإجراءات القانونية الواجبة. ويتوجب الإفراج عن جميع المحرومين تعسفيا من حريتهم. حيث أن المجتمع الدولي يمكنه ويتوجب عليه فعل المزيد، لا سيما فيما يتعلق بالمخيمات في الشمال الشرقي، حيث يمكن أن يكون لهذا التدخل تأثير فوري إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك.”
وقف إطلاق نار
يختتم التقرير بعدد من التوصيات، في مقدمتها أنه يتوجب على جميع الأطراف السعي إلى التوصل لوقف إطلاق نار طويل الأمد على الصعيد الوطني، وفقا لقرار مجلس الأمن 2254 (2015). وتشدد اللجنة على أن الإفراج الفوري والواسع النطاق عن السجناء من جميع المرافق ضروري لإنقاذ الأرواح. وبينما أوصت اللجنة باستمرار على مثل هذه الإفراج بناء على ظروف الاحتجاز الصعبة واللاإنسانية، إلا أن هناك ضرورة الآن نظرا إلى أن السجون المكتظة هي أرض خصبة لـفيروس كوفيد COVID-19. كما تحث اللجنة الحكومة على اتخاذ خطوات عاجلة وشاملة للكشف عن مصير المحتجزين أو المختفين.
“إنني أحث جميع أطراف النزاع أن تعير اهتماما لهذه التوصيات، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق سلام دائم. حيث انه يتم تجاهل جميع الدعوات لحماية النساء والرجال والفتيان والفتيات منذ ما يقرب من عقد من الزمان. وعلى الرغم من عدم وجود أيدٍ نظيفة في هذا النزاع ، إلا أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر”، أضاف رئيس لجنة التحقيق باولو بينيرو.
ومن المقرر تقديم تقرير اللجنة في 22 من الشهر الجاري، خلال حوار تفاعلي في مجلس حقوق الإنسان.