لا يمكن أن تتخيل فيلم: “الكيت كات” دون موسيقى راجح داوود، التي تجعلك تعيش في أعماق شخصية الشيخ حسني وهو في حالة صمته أو حزنه، كما أنه لا يمكن أيضًا أن تستمع إلى صوت أحمد زكي، بفيلم: “أرض الخوف”، دون بسكاليا ذات الموسيقار، أما فيلم: “خلي بالك من عقلك” فكانت موسيقاه التصويرية والتي لحنها عمر خيرت، كانت من أكبر أسباب نجاح العمل والتي جعلت اسمه في عقول المشاهدين بمختلف الأجيال، أما فيلم: “العار” فيمكنك أنه تتعرف عليه من خلال موسيقاه التي ألفها حسن أبو السعود، والتي تبدأ قبل بداية التتر، وغيرهم الكثير من الملحنين الذين استطاعوا أن يضيفوا إلى العمل الفني ويساعدوا في نجاحه بشكل كبير، لتكون الموسيقى التصويرية في بعض الأحيان هي الأنجح في العمل، وهي ما تركت صدى مع الجمهور مع مرور السنوات.

بداية الموسيقى التصويرية في الأعمال الفنية

لم تبدأ الأعمال الفنية بتأليف موسيقى تصويرية من أجل الأفلام أو المسلسلات، ولكنه كان يستعان بسيمفونيات موسيقية مُعدّة مسبقًا وتوضع على العمل، ولكن مع بداية القرن العشرين ومع اعتبار التمثيل فنًا قائمًا بذاته بدأت التأليف الموسيقي للأعمال الفنية، وكان هذا هو النهج المتبع على حد سواء عالميًا ومصريًا، فبعد أن استخدمت سيمفونيات عالمية على الأفلام، بدأ التأليف الموسيقي على أيدي فؤاد الظاهري، وعلي إسماعيل وغيرهما، فكل منهما استطاع أن يُحدِث نقلة كبيرة في مجال الموسيقى التصويرية للأعمال الفنية بشكل عام.

فنجد أن الأول قدم 210 عملاً فنيًا ستذكر جميع موسيقاهم، بمجرد أن تظهر أمامك أسماء الأفلام، ومنهم: “الزوجة الثانية”، و”القاهرة 30″، و”يوميات نائب في الأرياف”، و”شباب امرأة”، و”بداية ونهاية”، أما “الثاني” ستجد أن موسيقاه التصويرية هي علامة في عالم السينما فهو من قدم لنا: “الأرض”، و”الأيدي الناعمة”، و”عائلة زيزي”، و”صغيرة الحب”، وغيرها الكثير من 250 عملاً فنيًا، وكانت بالطبع الموسيقى التصويرية في هذه الفترة “الخمسينات والستينيات” عاكس،  لما كان يقدم من أعمال فنية بالأساس تتسم بالعظمة وهي مأخوذة عن روايات لكبار الكتّاب، أمثال: نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، وغيرهما، وبالتالي فلابد أن ارتباط الموسيقى التصويرية الخاصة بالعمل يكن كبيرًا.

موسيقى المقاولات والبحث عن النجاح

قال الملحن الموسيقي عمر خيرت، في أحد اللقاءات السابقة له، “إن الموسيقى التصويرية تمثل قيمة مهمة جدًا للفيلم وقيمة خاصة، فقد سبقت الموسيقى التصويرية الحوار في الأفلام الصامتة في بداية عهد صناعة السينما العالمية، والتي أبرزها أفلام تشارلي شابلن، فكان يتم التعبير عن المشاهد من خلال عرض الفيلم الصامت على الشاش”، كما أن الموسيقي أو عازف البيانو يعزف المقطوعات التي تناسب المشاهد المختلفة وعادة تقتبس الموسيقى التصويرية الناجحة في صناعة الإعلان، فيعمل نجاح الفيلم وموسيقاه التصويرية على ربط المنتج بالفيلم، فيثبت في أذهان الجمهور المستهدف”.

وعن وصفه للموسيقى التصويرية لأي عمل، قال:” هي الموسيقى التي لا يفترض بالمرء أن يسمعها، إنها ذلك النوع الذي يساعد على ملئ المواضع الفارغة كفترة توقف أثناء محادثة مثلًا، إن أكثر ما يحبه مؤلف الموسيقى هو نجاحه في تحويل موسيقى ذات قيمة فعلية ضئيلة إلى أخرى مفعمة في الفيلم، ومع ذلك فهو يشعر برضا خاص عن نفسه.. إنها تعطي للمشهد بعدًا إنسانيًا، وهذا هو الجزء الأصعب في العمل والذي سينال عليه إعجاب غيره من المؤلفين”.

في فترة السبعينات والثمانينات واجهت السينما موجة من أفلام المقاولات التي كانت تبحث عن تحقيق إيرادات دون النظر إلى أي مضمون سواء في السيناريو أو الموسيقى ولكم وسط هذا كان هناك من يحاول الخروج بإنتاج فني جيد وكان من هؤلاء هاني مهنى، وعمر خورشيد، وعمر خيرت وغيرهم، وساعد في وجود موسيقى تصويرية عميقة في تلك الفترة بالرغم مما واجه واقع السينما حينها وجود مخرجين محترفين، أمثال: داوود عبد السيد، ومحمد خان، وعاطف الطيب، وكانوا في حالة إصرار على تقديم محتوى فني متكامل وجيد لتبقى موسيقى أفلامهم متيقظة في أذهان الجمهور حتى الآن سواء “موعد على العشاء” لخان، أو “الكيت كات” لعبد السيد، أو “سواق الأتوبيس” للطيب.

للدراما رأي آخر

في عالم الدراما كان هناك من يقدمها بسلاسة وحرفية عالية فكان لدينا اثنان يمكن أن يُطلق عليهما “عتاولة” الموسيقى التصويرية للدراما، وهما: عمار الشريعي، والذي استطاع بكلمات عبد الرحمن الأبنودي، تارة وسيد حجاب، تارة آخرى أن يتربع على عرش الموسقى التصويرية للدراما في ثمناينات وتسعينات القرن الماضي، والتي وصل عددها إلى 245 عملاً فنيًا.

وقال في أحد لقاءاته:” إن الموسيقى التصويرية لم تعد مجرد خلفية موسيقية للمشاهد، ولكنها تعبر كما يعبر الممثل، أو تتواكب مع حركته وانفعالاته وانكساراته وغيرها من الحوارات التي تدور في مشاهد العمل، لذلك لا بد أن يكون المؤلف مدركًا لأدواته”، وبناءً على هذا أخرج لنا الشريعي أعمالاً مثالاً في العبقرية الموسيقية والتي كان منها :”أوبرا عايدة”، و”زيزينيا”، و”نصف ربيع الآخر”، و”أرابيسك”، والكثير من الأعمال الأخرى.

ليكن الوجه الآخر للدراما هو ياسر عبد الرحمن، الذي علق في أذهان الجمهور من خلال كمانه المميز واللافت للانتباه من أول لحظه في تتر العمل الدرامي، وهذا ما وجدناه في “أنا وبابا في المشمش”، و”المال والبنون”، و”السقوط في بئر سبع”، و”خالتي صفية والدير”، و”الرجل الآخر”، وغيرهم من الأعمال.

https://www.youtube.com/watch?v=Mpgvb4Vhut4

هل انتهى عصر الموسيقى التصويرية الناجحة؟

مع كل ما تم ذكره سابقًا من تاريخ للموسيقى التصويرية وعلامات ساعدت في نجاح الأعمال الفني، هل انتهى زمن الموسيقى التصويرية الناجحة مع نهاية الألفينات وحين توقف هؤلاء عن الإبداع أم أنه مازالت مصر قادرة على إحياء أسماء آخرى للموسيقى التصويرية للجيل الحديث.

أجاب الناقد الموسيقي محمد شميس، على هذا التساؤل، في تصريح خاص بمصر 360، ، قائلًا:” لم ينته بعد عصر الموسيقى التصويرية الجيدة، بشكل نهائي فمازال لدينا من يقوم بتقديم الجيد والذي يلقى صدى لدى الجمهور، فعلى سبيل المثال لا الحصر وجدنا مؤخرًا موسيقى تصويرية جيدة في عدة أفلام منها “الفيل الأزرق”، و”صاحب المقام”، و”مولانا” وهذه أمثلة جيدة لأن هناك من لديه قدرة على الإبداع حاليًا، وهما: تامر كروان، وهشام نزيه، وهم من أعدا هذه الأعمال.

وفي اتجاه آخر قال الموسيقار هاني شنودة، إن عصر الموسيقى التصويرية لم ينته عهد الجيد منها بشكل نهائي ولكن حال السينما أفضل من الدراما بشكل كبير، إذ أنه مازال هناك مبدعين يحاولون التركيز بها على عكس الدراما.

وأضاف في تصريح خاص لمصر 360، أنه على المؤلفين الموسيقيين التركيز في الموسيقى التصويرية للدراما أكثر من ذلك، وخاصة وأنه أصبح لديهم الامكانيات التي تؤهلهم لأن يكون هناك إنتاج جيد جدًا عما كان لدينا في الماضي، مؤكدًا أن الجزء الأكبر من خلال الموسيقى التصويرية الدرامية حاليًا يكمن في عدم وجود هوية شخصية للحن المقدم للمسلسل، ويجب على من يريد التخصص في تلك النقطة ان يصنع لنفسه شخصية ولما يقوم بتأليف أيضًا شخصية موسيقية.