يشهد القطاع الصحي بمصر تكالبًا من الشركات الأجنبية على الاستحواذ على أصوله سواء أكانت مستشفيات أو مراكز تحاليل وأشعة، عبر سلسلة إغراءات مالية لأصحابها تتضمن عروضًا للشراء، بأضعاف القيمة الحقيقية لها بعدة مراحل.
وأصبحت مستشفى كليوباترا التي اشترتها شركة أبراج كابيتال متعددة الجنسيات التي يقع مقرها في دبي عام 2014 بقيمة 770 مليون جنيه، بمثابة حصان جامع ينطلق بخطى مكوكية في القطاع الصحي بمصر، فعروض الشراء التي تقدمها لا تهدأ، والصفقات التي تعقدها وأرقامها يمكن وصفها بالخيالية.
آخر صفقات الشركة كانت قبل أيام بشراء 60% من أصول “شركة بداية للخدمات الطبية” المتخصصة في الإخصاب والحقن المجهري بقيمة 105 ملايين جنيه، ليكون لـ”كليوباترا” الكلمة في إدارة شركة جديدة يتم تأسيسها مع مالك “بداية” الأصلي، الدكتور إسماعيل أبو الفتوح.
وخلال العام الماضي، أتمت “كليوباترا” شراء مستشفى “الكاتب” التي تأسست عام 1946 وتضم مركزًا مشهورًا في علاج أمراض الكلى بقيمة 279 مليون جنيه، بجانب أصول مستشفى “كوينز رويال” للولادة في التجمع الخامس (باستثناء الأرض الملحقة بها)، بقيمة 25 مليون جنيه.
صفقات كليوباترا
وفي العام ذاته، أنهت كليوباترا صفقة من العيار الثقيل باستحواذها على شركة “ألاميدا الطبية” التي تملك مستشفيات: السلام الدولي بالمعادي، والسلام الدولي بالقطامية، ودار الفؤاد 6 أكتوبر، ودار الفؤاد مدينة نصر، ومعامل يونى لاب، وإلكسير للمناظير، وطبيبي، بقيمة 10 مليارات جنيه، حتى أصبحت كليوباترا، حاليًا تملك نحو 11 مستشفى بمصر من بينها “القاهرة التخصصي” التي اشترتها بقيمة 106 ملايين جنيه، و”الشروق”، و”النخيل”.
وقبلها استحوذت “أبراج كابيتال” علي معامل البرج عام 2008 بقيمة 773.3 مليون جنيه، لتعود معامل البرج بعدها بثلاثة أعوام بالاستحواذ على حصة أغلبية في مختبرات “بيولاب” الأردنية و”ألترا لاب” السودانية، وبعدها بأربعة أعوام استحوذت “أبراج” على معامل المختبر بقيمة 1.27 مليار جنيه.
كما تمتلك مجموعة علاج السعودية حاليًا نحو تسع مستشفيات مصرية في مقدمتها ابن سينا والعقاد والأمل والمشرق والعروبة والإسكندرية الدولي وكايرو كلينيك للأطفال، ومراكز علاج وستار وأوركيد، ومعامل كايرو لاب للتحاليل الطبية، والمعامل المتحدة، وتكنوسكان للأشعة، وتنافس مجموعة أندلسية السعودية أيضًا بعدما اشترت مستشفى الأندلس بالمعادي وعيادات تخصصية في مصر الجديدة، ومستشفى الأندلس في سموحة، ومستشفى أندلس الشلالات.
مجموعة “تانا إفريكا كابيتال”
على غير المتوقع، دخل رأس المال الإفريقي هو الأخر في سوق الصحة بمصر، فمجموعة “تانا إفريكا كابيتال” الجنوب إفريقية حصلت أخيرًا على حصة أقلية في مستشفيات “مبرة العصافرة”، التابعة لشركة الإسكندرية للاستثمارات الطبية، التي تملك مجموعة 3 مستشفيات بالإسكندرية أخرى هي “مبرة العصافرة” تأسست عام 1984، و”مبرة العصافرة غرب” تأسست عام 2011، و”مبرة العصافرة وسط” وتأسست عام 2016.
تدور المخاوف من أن تعمل تلك المستشفيات على تقديم الخدمة الطبية لمن يدفع فقط دون أي اعتبارات إنسانية، وتحقق الأمر بالفعل قبل شهور، وحينها أعلنت وزارة الصحة والسكان، قد عن إغلاق مستشفى السلام الدولي، لمدة شهر، غلقاً إدارياً لخيانة الأمانة، لعدم تنفيذ قرار مجلس الوزراء باستقبال وعلاج حالات الطوارئ مجاناً، بعد مساومة أحد المرضى بإيصال أمانة بقيمة نصف مليون جنيه، شريطة حصوله على العلاج اللازم.
الغريب أن صفقات الاستحواذ صاحبها في الوقت ذاته اعتراض من جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الذي طالب بوقف تنفيذ صفقة الاستحواذ على مستشفيات دار الفؤاد والسلام الدولي وأكد حلينها وجود تأثيرات سلبية على الاقتصاد وحقوق المواطنين والمرضى منها.
وطالب وزارة الصحة بالتدخل خشية أن تؤدي الصفقات إلى رفع أسعار الخدمات الطبية على المريض وأن تؤدي في الوقت ذاته إلى تقليل خياراته المتاحة في الحصول على أفضل الخدمات بأقل الأسعار فضلا عن تشكيل كيان عملاق غير قابل للمنافسة من الاستثمارات الجديدة.
تنص المادة رقم 2 من قرار وزير الصحة رقم 497 لسنة 2014، على حظر التصرف في المستشفيات الخاصة ومصانع الأدوية بأي نوع من التصرفات القانونية، إلا بعد الرجوع للإدارة المختصة بوزارة الصحة.
تملك معامل البرج 185 فرعًا على مستوى الجمهورية وتخطط لإضافة 25 أخرى العام الحالي، وأجرت على مدار تاريخها الممتد لربع قرن نحو 85 مليون تحليل لمختلف الطبقات المجتمعية، أما المختبر الذي تأسس عام 1979 فلديه 212 فرعًا على مستوى الجمهورية.
قطاع الصحة مثال جذب للباحثين عن الكسب
يقول شحاتة محمد شحاتة، مدير المركز العربي للنزاهة والشفافية، إن الاستحواذات الأجنبية المتتالية في القطاع الصحي تمثل مخاطرة في رفع تكلفة الخدمة ووجود حصر لديها بنوعية الأمراض التي يعاني منها المصريين وهي يفترض أن تكون سرية، وأصبح قطاع الرعاية الصحية في مصر مثال جذب للباحثين علن المكسب بسبب زيادة عدد السكان ومشروع التأمين الصحي الشامل الذي يطبق حاليا، الذي سيدخل 60% من السكان المحرومين من غطاء التأمين الصحي إلى مظلته ويحتاج لتوافر عدد كبير من المستشفيات والمعامل والوحدات الصحية.
يضيف شحاتة أن الاستثمار مرحب لكنه يبدو التساؤل الأساسي عن أسباب لجوء المستثمرين الأجانب لشراء المستشفيات القائمة دون بناء أخرى جديدة ما يعزز من روج المنافسة على تقديم خدمة طبيبة جيدة للمصريين.
تكتفي سلوى العنتري، الخبيرة الاقتصادية، بالقول إن الخطورة ظهرت في خضم أزمة كورونا حينما امتلأت المستشفيات الحكومية بالحالات، وحينها رفعت مستشفيات القطاع الخاص الأسعار لمعدلات خيالية وصلت إلى 90أالف جنيه ولم تستجب لمطالب وزارة الصحة أو لتلتف للأسعار الاسترشادية التي وضعتها حينها.