رغم نفي الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، وجود ما يسمى بـ”التبرعات” في المدارس، إلا أن أولياء الأمور أكدوا لنا استمرار مدراء مدارس في مطالباتهم بالحصول على طلبات مادية وعينية مبالغ فيها، من أجل إلحاق أبنائهم بهذه المدارس، أو حتى تحويلهم إلى أخرى.

وتتيح الوزارة التسجيل الإلكتروني للمتقدمين للصف الأول الابتدائي للمدارس الرسمية، حيث يمكن لأولياء الأمور التقدم وتسجيل بيانات أبنائهم إلكترونيًا، إلا أن الأمر لم يجر على هذا النحو.

كيف يحدث هذا؟

كانت البداية مع سائق “تاكسي” أخبرني بأن ابنته تتفاوض مع مدير مدرسة ابتدائية من أجل إلحاق حفيده بالمرحلة الابتدائية، وفرض عليها المدير إحضار تكييف كمشاركة مجتمعية لمسرح المدرسة.

لم يكن أمام الأم إلا الخضوع لطلبات المدير حتى يكون ابنها قريبًا من محل إقامته وحتى لا تتعرض لاضطهاد من المدير، هكذا تجري الأمور في مصر “مشي حالك”، على حد قول “السائق”.

مبالغة في المطالب

تواصلنا مع عدد من أولياء الأمور الذين قدموا لأبنائهم للقبول بالمرحلة الابتدائية، منهم “راوية” التي تقول: “هما بيطلبوا منك حاجات كبيرة جدًا، ممكن توصل لكاميرات مراقبة، أو بوابات”.

وتضيف: “لكن مع التفاوض تستطيعي اختصار الأمر بـ500 جنيه تبرع أو أكثر على حسب حظك”.

وتقول أم أخرى: “لم يُقبل ابني في مدرسة ما، فقمت بتحويل أوراقه إلى أخرى، وقمت بدفع تبرع 600 جنيه”.

وتسرد أخرى: “المدير طلب مني مستلزمات دهانات مبالغ بها، فقمت بالرد بأنها ليست في حيز إمكانياتي المادية، فقام بطلب رزم ورق أبيض”.

كما رفضت ولية أمر دفع 1000 جنيه وأحضرت ماكينة تغليف حراري بـ500 جنيه.

كورونا” تفاقم الأوضاع

يقول ولي أمر، إنه طُلب منه دفع “3000” جنيه من أجل تحويل ابنه من مدرسة خاصة لمدرسة حكومية، موضحًا أن “كورونا” أوقفت مجال عمله في التجارة لأشهر، ولم يستطع أن يدخر لمدرسة ابنه.

ويضيف أنه بالطبع رضخ لهذا وقام بالدفع من أجل تحويل ابنه لمدرسة حكومية بأسعار أقل.

وتشير ولية أمر إلى أنها أيضًا كانت تريد تحويل ابنها من مدرسة خاصة إلى أخرى حكومية بسبب تغيير أوضاعهم المالية، فطلب منها مدير المدرسة 10 آلاف جنيه، إلا أنها رفضت الدفع.

طبقية

الأمر يختلف من ولي أمر إلى آخر، وعلى حسب تقدير المدير للحالة المادية لأولياء الأمور.

تقول أم “توأم” إنه بمجرد علم المدير أن زوجها يعمل بإحدى دول الخليج، فرض “إتاوة” 2000 جنيه لقبول ملفهما بالمدرسة، تحت مسمى مشاركة مجتمعية.

وأكدت أنها تفاوضت معه ودفعت 1000 جنيه، وكما اشترت أوراقًا وأقلامًا لمكاتب الإداريين، حتى يتم قبول وابنيها ولا تضيع عليهما السنة الدراسية ويضطرا للتقديم من جديد السنة القادمة.

كما دفعت أخرى 1800 جنيه لتحويل طفليها “التوأم” لمدرسة ابتدائية، قائلة: “كانت تتبع تنسيقهما ولكن المدير وضع عقدة أمامي في أنهما صغيران في السن وهناك من يكبرهما والأحق منهما.

كارثة وجريمة

حددت وزارة التربية والتعليم استثناء واحدًا للذهاب للمدرسة، في حالة تعسر ولي الأمر عن التسجيل الإلكتروني، فيمكن التوجه إلى المدرسة التي يرغب في القدم لها بصورة شهادة الميلاد المميكنة للطفل المتقدم والشهادة الأصلية وبطاقة الرقم القومي لولي الأمر وصورة منها لتتولى وحدة المعلومات بالمدرسة تسجيل رغبة الالتحاق إلكترونيا.

وقال مصدر مسؤول بالوزارة إنه لا يجب أن يتعامل أولياء الأمور مع مدراء مدارس، بل يقوموا بالتعامل مع الإدارات، خاصة أن التنسيق لدخول المدارس أصبح إلكترونيًا.

وأضاف أنه إذا قام المدير بالحصول على مقابل مادي من طالب لدخوله مدرسة من حقه بالأساس، فيجب أن تتم معاقبته وتحويله إلى الشؤون القانونية والتحقيق معه حال إبلاغ ولي الأمر بهذا.

يعاقب عليها القانون

وتابع المصدر أن قبول المدير لأموال أو هدايا عينية، كارثة وجريمة يعاقب عليها القانون، قائلا: “لدي كثافات وطلبة في إدارتي التعليمية، وجب علي أن أقوم بتسكينهم في مدارس الإدارة”.

وبخصوص التحويلات للمدارس، أضاف أن هناك لجنة خاصة بها تقوم باستعراض ملف الطالب وتحويله للمدرسة، ويستطيع أن يتظلم أمامها.

دفتر 118

تمتلك كل مدرسة دفتر 118 عهدة، الذي يتم فيه تسجيل كل العهدات التي ترد إلى المكاتب التابعة للإدارة بما في ذلك التبرعات، وأعمال المشاركة المجتمعية، وكل ما يدخل للمكاتب الحكومية بالإدارة من أجهزة ومعدات وآلات وأدوات مكتبية، حتى التجهيزات الأخرى، جميعها لا بد أن يتم إثباتها في (دفتر 118 ع.ح).

وأكد المصدر أن لكل مدرسة ميزانية خاصة بها لتطويرها وشراء مستلزماتها، وأحيانًا يكون بالفعل مشاركة مجتمعية من قبل أولياء الأمور ولكن أثناء العام الدراسي وليس في مرحلة التقديم بالمدرسة.

وتابع أن مدير المدرسة ملزم بتحرير وصل بقيمة التبرع لدخوله تحت بند “118” عهدة، كمشاركة مجتمعية تدخل في عهدة المدرسة الاستهلاكية، موضحًا أنه بهذا لا يستطيع تزوير فواتير بتلك الأشياء العينية بحجة انه قام بشرائها من ميزانية المدرسة.

هجوم على أولياء الأمور

اعتبرت النائبة ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم بالبرلمان”، ولي الأمر مساهمًا في عملية الرشوة وهذا الفساد، قائلة: “لو قام مدير بطلب مبالغ مالية يتم الإبلاغ عنه فورا”.

وطالبت النائبة البرلمانية أولياء الأمور برفع شكوى إلى “مدير الإدارة أو المحافظ والتغلب على السلبيات والنماذج السيئة التي تستغل حاجتهم وتطلب طلبات غير قانونية”.

وتساءلت “هل يضمن ولي الأمر أن أمواله تدخل ميزانية المدرسة، هل يأخذ وصلًا بهذا، فرق بين المشاركة المجتمعية التي تتم بعلم من مجلس الآباء أثناء الدراسة، وما يتم قبل العام الدراسي من متطلبات إجبارية تقع تحت بند ” الابتزاز والرشوة” على حد قولها.