جلس عمر (اسم مستعار) حائرًا يلملم بقايا بضاعته الضئيلة، التي اختار طرحها على أرصفة سوق عمرانية باسطنبول، لا يعلم نهاية النفق المظلم الذي ألقى بنفسه فيه، بعد الانضمام لجماعة الإخوان، والهروب معهم للخارج، وبدلًا من التحول لمناضل له قضية، تحول إلى بائع أحذية.
مرحلة مؤقتة
يحكي “عمر” مأساته قائلًا: “جئت إلى تركيا عقب فض اعتصام رابعة، هربًا من الملاحقة الأمنية، خاصة وأن قيادات الإخوان وعدونى بأن هذا وقت مؤقت، وأننا كُتب علينا الهجرة، وأنها فترة قصيرة وسنعود لبلادنا، وعقب وصولي تركيا، تم تقسيمنا إلى مجموعات تقيم مع بعضها في أماكن متفرقة، وكانت الجماعة تنفق على تكاليف إقامتنا”.
يتابع “عمر” “بعد فترة ظهرت خلافات كبيرة بين القيادات، وظهر الحديث عن اختلاسات مالية كبيرة، وفجأة توقف الدعم، ووجدنا أنفسنا متروكين لمصير مجهول، وحاولنا التواصل مع قادة الجماعة، ولكن دون جدوى، ما جعل عددًا منا يفكر في كسب قوت يومه بأي طريقة”.
ويستطرد “عمر” الذي يبلغ من العمر 28 عامًا، وحاصل على ليسانس دار علوم، أنه لم يجد أمامه سوى العمل في بيع الأحذية، حيث اشترى أحذية رخيصة السعر، وفرشها على رصيف سوق عمرانية، مؤكدًا أنه عانى كثيرًا حتى يحصل على مكان الفرش نظرًا لاعتراض الباعة الأتراك بالسوق”.
ويوضح “أتمنى أن أعود لمصر لأن المهانة هنا لا تحتمل، فأنا وأصدقائي ننام في إحدى الحدائق بعد طردنا من السكن، هذا بخلاف أن الاعتراض يعنى الطرد من تركيا نهائيًا، وإذا ما علموا بتواصل أحدنا مع الإعلام أو انتقاد ما يحدث، يتخلون عنه ويبلغون السلطات التركية بأنه منشق، وبالتالي يتم تعقبه أمنيًا ويهدد بالتسليم للسطات المصرية أو تركه لمصير مجهول، وهو ما نخشاه لأننا لا نعلم المصير الذي ينتظرنا في مصر، ونخشى دخول السجن كما حدث مع إخوان لنا”، مستنكرًا دور القادة الذين انشغلوا بتأمين وضعهم وأهملوا الشباب الذي أوهموه أنه أهم عنصر في الجماعة.
“اشتريت الهواء”
لا يختلف وضع “عمر” عن الصقر (اسم شهرة) الذي أكد أنه “اشترى الهوا” قائلًا: “انضممت للإخوان أثناء اعتصام رابعة، لإحساسي أنهم مظلومون، وأنها جماعة تدعو للحكم بدين الله، ولكن ما وجدته منهم لا علاقة له بالدين، بعد أن تركونا للأرصفة في الغربة، رافضين مد يد العون لنا”.
يتابع “الصقر”: “درست أعوامًا طويلة، ووصلت للسنة النهائية بكلية نظم المعلومات، ولكن للأسف جاءت أحداث رابعة و30/6 لتغير مسار حياتي للأسوأ، فبعد إيماني بقضية الإخوان رحلت معهم إلى إسطنبول، بعد أن فرشوا لنا الأرض وردًا، وأقنعوني وكل الشباب أنهم أصحاب قضية عادلة، ولكن بمرور الوقت اكتشفنا أنهم مجموعة “مصلحنجية”، استغلونا للضغط على النظام المصري ليس أكثر، وبعد فشلهم وشعورهم بضياع ظهيرهم الشعبي، وقبول المصريين بالنظام الحاكم، تخلوا عنا، وتركونا دون أي مساعدة”.
ويضيف: “لا تصدقوا الحديث المعسول لقيادات الجماعة، فنحن نعيش هنا أسوأ مراحل عمرنا ونعامل معاملة سيئة جدًا، ونقابل مضايقات أمنية واسعة، بتحريض من الجماعة التي خرجنا من بلادنا دعمًا لها، والآن نعمل في مهن لا تتناسب معنا، فبينما نبيع على الأرصفة ملابس مستعملة وأدوات تجميل، يعيش مسئولو الجماعة في فلل وشقق فاخرة، وينشئ أبناؤهم مشاريع كبيرة، جميعها تمول من أموال الجماعة، وليس أموال الأعضاء الخاصة”.
أدفع ثمن غبائي
“أدفع ثمن غبائي”.. هكذا بدأ محمود الهارب لقطر، حديثه، معربًا عن ندمه لتصديق مسئولي الجماعة، الذين سرقوا شبابه بشعاراتهم الكاذبة –وفقًا لتشبيهه- مؤكدًا أنه انضم للعمالة في أبنية كأس العالم التي تقيمها قطر استعدادًا لتنظيمها البطولة.
ويضيف: “نحن نعيش حياة صعبة، نتيجة للمعاملة السيئة، وطريقة العمل التي تشبه السخرة، فلا يوجد سكن آدمي، أو مقابل مادي محترم، ولا علاج ولا أي شيء مما وعدنا به، وكوننا هاربين من بلادنا فإننا مجبرون على تحمل تلك المعاناة”، مشيرًا إلى “أنه لا حقيقة لمنحنا الجنسية أو كفالتنا، فتقديم المعونة لنا لم يستمر سوى 6 أشهر، ثم توقفت بحجة وجود مشكلات مالية بالجماعة، وهو أمر كاذب لأن القيادات الكبرى تعيش في رفاهية كبيرة، ووقت الجد يتم التضحية بنا”.
وأكد “محمود” أنهم رهن رقابة صارمة، حيث إنهم ممنوعون من الحديث عن طبيعة ما يتعرضون له، ومن ينتقد أو يهاجم هذا الوضع تهاجمه الجماعة، وتتهمه بالعمالة، وتهدده بالتسليم لمصر.
“شباب الإخوان يبيعون الشرابات بتركيا”.. هكذا فضح عضو الجماعة عصام تليمة الإخوان في فيديو له، مؤكدًا أن الشباب ضحية لقيادات الجماعة.
وكشف “تليمة” عن اضطرار أستاذ جامعي لبيع الشرابات أمام إحدى المولات بتركيا، بعد تخلى الجماعة عنه، بسبب انتقاده لأوضاعهم، وهو المصير الذى يواجهه أي شخص ينتقد القيادات، ما جعل بعض الشباب يتجهون للإلحاد بعد تصرفات القيادات تجاههم.
أثار حديث “تليمة” استياء الكثيرين من تلاعب الإخوان بالشباب وتقديمهم قربانًا لبقائهم على رأس الجماعة، في حين أنهم يدفعون الثمن في السجون من جهة، ومن جهة أخرى الحياة المهينة بالخارج
من العيادات للاستقبال
وضعت جماعة الإخوان أنصارها من الشباب، أمام دوامة لا تنتهي، جعلتهم خائفين من طرق أي باب قد يكتب لهم النجاة.
وفى هذا يقول طارق أبو السعد القيادي السابق بالجماعة، إن الإخوان دمروا شبابهم وكل من صدقهم، سواء المعارض أو المؤيد الذي لم تعد السفينة تحمله.
ويضيف “أبو السعد”، أن “شباب الإخوان صدقوا القادة، عقب فض اعتصام رابعة، ومظاهرات 30/6، وهرب عدد كبير منهم لتركيا والسودان وليبيا وقطر، وكانت الأزمة أن القيادات أقنعت الشباب، أن ما يمرون به لن يستمر طويلًا، وأنهم سيكفلون لهم حياة كريمة بالخارج، ولكن طول المدى، ومع إنفاق الكثير على العمليات داخل مصر، توقف الدعم المادي المقدم للشباب، وظهرت الانشقاقات والاعتراضات على طريقة إدارة الأزمة، ما جعل الجماعة تتخلى عن شبابها، وتتهم أي معارض لها أنه خائن، وقامت بفصل عدد كبير منهم، وإخلاء المساكن التي كانوا يقيمون فيها ورميهم بالشارع”.
ويكمل “أبو السعد” “هؤلاء الشباب بدأوا البحث عن مجالات عمل، ولأنهم غير معترف بهم بالخارج، اختاروا مهنًا لا تتناسب معهم، ويكفي أن نعلم أن هناك عدد من الشباب الأطباء اضطروا للعمل في إدارة الاستقبال بأكثر من مستشفى بإسطنبول نتيجة عدم قدرتهم على مزاولة المهنة هناك”.
ويتابع “أما الشباب الحاصلون على كليات غير عملية، فقد اتجهوا إلى المهن البسيطة مثل بيع الملابس والشرابات والخضار على الأرصفة لتوفير نفقات معيشتهم”.
مقربوا الجماعة
ويوضح مؤسس الجبهة الوسطية صبرة القاسمى، أن جماعة الإخوان ارتكبت عدة إخفاقات متتالية بداية من 2010 وحتى الآن، ما تسبب فى لفظ الشعب المصري لها ومن بعده شباب الجماعة أنفسهم والذين شاهدوا إخفاقات الجماعة فى كافة الملفات سواء الداخلية أو الخارجية.
ويتابع “القاسمي” “ما رسمته الجماعة خلال عقود فى ذهن المنتسبين إليها والمنضمين لها، من أنها تنتصر للحق وتسعى إلى صحيح الدين لم يكن إلا ستارا لبعض القيادات الفاسدة للوصول إلى الحكم أو إلى مصالحهم الشخصية، مما دفع عددًا كبيرًا من شباب الجماعة للتذمر والإعلان عن الخروج عنها كما في بعض إعلانات “التيار المستقل” الذي يسعى إلى مواجهة الجماعة والإعلان عن مشروع فكرى يضم هؤلاء المنشقين عن الجماعة إيمانًا منهم بانتهاء صلاحية الجماعة وعدم قدرتها على تصدر المشهد وتلبية طموحات الشباب”.
يستطرد “القاسمي” “أن شباب الجماعة من الصفوف البعيدة عن المحسوبية والبعيدة عن متخذي القرار، تعرضوا للعديد من الامتهانات والضغوط الشديدة فى كل من السودان وتركيا وقطر و ماليزيا في حين يرتع قادة الجماعة و أبناؤهم و القريبين منهم في خيرات الجماعة و أموالها التي تصرف ببذخ و دون رقيب او حسيب.
ويؤكد “أن الشباب انقسموا إلى عدة فرق في البحث عن مصادر للرزق، فهناك مجموعة تعمل مع إعلام الإخوان في قنواتها، ومجموعة تعمل تحت رعاية الحكومة التركية وهاتان المجموعتان مقربتان من القيادات، أما بقية الشباب فيعملون في بيع الأحذية و الملابس والخضار والفاكهة والتنظيف ومحال البقالة والمطاعم”، مضيفًا “أن عددًا منهم تأخر في دراسته لعدم قدرته على مصروفات الدراسة، وآخرين باتوا بلا مأوى، وعددًا منهم يقيم في مكان عمله بالمحلات وعلى أرصفة الشوارع، فقد ضحت بهم الجماعة و تركتهم للضياع في الغربة القاسية حسب تعبيرهم”.