أعادت حادثة المدونة والفاشينيستا السعودية، إلين سليمان، التي تعرضت لموجة من الانتقادات بعد نشرها فيديو وهي تضع “المكياج” أثناء استماعها القرآن، الحديث عن وضع المرأة السعودية للمشهد، لاسيما مع تزايد المطالبات بالإفراج عن الناشطات، وهو ما يتناقض بشكل أو بآخر مع تروج له قيادات الحكم عن انفتاح قادم بالمملكة.

ورغم المحاولات التي تمت في المملكة على مدار السنوات الأخيرة لتغيير أوضاع المرأة ومنحها جزءًا من حقوقها، إلا أنها لاتزال محرومة من حقوقها الأساسية.

انتقاد وجدل

وأثارت إلين سليمان، جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، اذ ظهرت في فيديو نشرته عبر “سناب شات”، وهي تضع المكياج أثناء استماعها سورة البقرة، ورأى بعض المعلقين على الفيديو أنها لحظة خشوع، فيما اعتبر البعض الآخر تصرف “سليمان” غريبًا واستهزاًء بالقرآن.

بينما دافع آخرون عن “إلين” موضحين أن الأمر يقع تحت عباءة الحريات الشخصية، ولا ضرر من تصرفاتها على أحد، إلا أنه بعيدًا عن الفيديو، تحيط العديد من علامات الاستفهام حول المملكة وحرية المرأة السعودية وما مدى تقدم الأوضاع في ظل سياسية أكثر تقدمية بالبلاد.

الين سليمان تثير الجدل عبر السناب pic.twitter.com/kz7WxzcnDo

— موجز المشاهير🎥🚦 (@m_gez1) September 14, 2020

وكانت هيئة الأمم المتحدة، قد أشادت العام الماضي، بجهد السعودية بشأن تحسين أوضاع النساء وحقوقهن، ألا أنها أشارت أيضًا إلى العديد من القيود، بما في ذلك الأدوات والتطبيقات التي تسمح للأوصياء الذكور بإحكام سيطرتهم على النساء وتقييد حريتهن في الحركة مستخدمين في ذلك الوسائل الرقمية.

وطالب مدافعون عن حقوق الإنسان، شركتي “آبل” و”جوجل” في وقت سابق، بوقف تطبيق “أبشر” السعودي، معتبرين إياه سلاحًا أبويًا يسمح للرجال السعوديين بتتبع النساء، وتقييد سفرهن، وتمكين انتهاكات حقوق الإنسان.

ومن ضمن الخطوات التي اتخذتها المملكة خلال السنوات الماضية، كانفراجة في حقوق المرأة وأوضاعها، تعديل نظام الوصاية للسماح للمرأة بالسفر، والحصول على جواز سفر في سن 21، و تمكين المرأة من تسجيل حالات الولادة والزواج والطلاق، فضلاً عن منحها حرية الدراسة في الجامعة وفرصة البحث عن عمل دون طلب الإذن من قريب لها من الذكور، رفع الحظر عن قيادة السيارة.

ملاحقة غير المحجات

وتداولت مواقع التواصل، خلال اليومين الماضيين صورة لمرسوم صادر من وزارة الداخلية السعودية، يقضي بمنع رجال الشرطة من ملاحقة الفتاة غير المحجبة من المواطنات أو الوافدات.

إلا أن بعض المصادر ووسائل الإعلام المحلية نفت الوثيقة، موضحة أنها أصلية ولكنها ليست بالجديدة، كما روج للأمر، فالأمر مجرد حبر على ورق ليس أكثر، بحسب المراقبين.

 ومنذ عام 2018، بدأ الحديث بالتخلي عن إجبارية العباءة والحجاب في الأماكن العامة بالسعودية وبعدها بعام صدر أمر ملكي يقضي بإلغاء ذلك.

وقال محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في العام ذاته، لقناة “سي بي أس” الأمريكية، إن قرار ارتداء المرأة للحجاب من عدمه أصبح قرارًا شخصيًا .

وتابع:” أوامر الشريعة الإسلامية تنص على أن ترتدي النساء ملابس محتشمة، ولا يوجد هناك نص صريح أن يكون غطاء الرأس أو العباءة باللون الأسود، كنا نعيش حياة طبيعية جداَ وكانت النساء تقود السيارات وتعملن، كنا أناساً طبيعيين كأي مجتمع في طور التقدَم حتى جاءت أحداث 1979″.

وقد قرر “بن سلمان” منذ توليه منصب، ولي العهد، السماح للنساء بقيادة السيارات وإعادة فتح دور السينما والمقاهي والمطاعم المختلطة والحفلات الغنائية.

قوانين بلا تنفيذ

ولكن رغم ذلك، لا تزال الشكوك تساور بعض النساء السعوديات حول الحريات وأوضاعهن بالمجتمع.

تقول هالة الدوسري، خبيرة في شؤون حقوق المرأة السعودية ومقيمة في الولايات المتحدة، “نحتاج إلى تطبيق هذه القوانين وإنشاء آليات للإبلاغ عندما لا يتم الالتزام بهذه السياسات، فضلًا عن منظمات المراقبة”، بحسب “يور نيوز” .

وتضيف أن “أولياء الأمور ما زال بإمكانهم رفع قضايا النشوز والتغيب عن المنزل على النساء، وتقر الحكومة بأن عصيان الأبناء جريمة”.

 بينما ترى منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن إنهاء مفهوم “الوصاية” أو نظام الولاية في المجتمع السعودي يشكل أكبر عائق أمام حقوق المرأة، إذ تحتاج النساء إلى موافقة ولي الأمر لقيامها بأي نشاط خارج المنزل أو يخص حياتها الشخصية والزوجية.

وطالما تعرضت المملكة لانتقادات دولية بسبب نظام الولاية، وفي ظل عدم وجود نظام قانوني مدون يتماشى مع نصوص الشريعة الإسلامية، دأبت الشرطة والقضاء على الاستشهاد بالعادات الاجتماعية في فرض القيود على النساء.

ورغم القرارات السابقة ما زالت بعض أوجه نظام الولاية قائمة، كما لا تستطيع المرأة التي تعاني من الانتهاكات في منزلها إبلاغ السلطات عما تعرضت له ما لم تحصل على موافقة ولي أمرها، حتى إذا كان المعتدي هو الوصي عليها.

وعقبت تمارا ويتيس، الباحثة في معهد بروكنجز، بأن “من المهم بشكل خاص معرفة كيفية تعامل المحاكم السعودية مع طعون أولياء الأمور”.

نقل الولاية والزواج

بينما تشير أبحاث “هيومن رايتس ووتش” إلى أنه من الصعب للغاية نقل المرأة السعودية الولاية القانونية من قريب ذكر لآخر، باستثناء بعض الحالات التي يمكن أن تثبت فيها المرأة سوء المعاملة أو قصور ولي الأمر، لأسباب منها التقدم في السن مثلا، مع وجوب الحصول على قرار من المحكمة، وقد يكون من الصعب توفير أدلة مناسبة.

 ولا يقتصر الأمر على نظام “الولاية”، إذ تحد السلطات السعودية من قدرة المرأة على الزواج بحرية، حيث يُشترط الحصول على إذن من ولي الأمر الذكر، كما لا يوجد حد أدني للزواج بالمملكة، حيث لا تزال وسائل إعلام محلية تعرض تقارير عن زواج القاصرات، بما فيها فتيات لا تتجاوز أعمارهن الثامنة.

وفي يناير من العام الماضي، وافق مجلس الشورى السعودي، بأغلبية ساحقة على اقتراح تحديد السن الزواج بـ 18 عامًا، لكن ترك استثناءات للفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عامًا للزواج بموافقة المحكمة، ولكن سيصبح الاقتراح قانونيا فقط إذا أصدره مجلس الوزراء السعودي.

وبحسب المراقبين، فإن القوانين والقرارات بشأن حقوق المرأة السعودية التي لم تنفذ بعد، تكشف عن سيطرة الرجال القانونية على استقلالية المرأة، بينما أرجع آخرون خطوات “بن سلمان” الانفتاحية بعض الشئ إلى فرق الأجيال، فهو أول ولي عهد ينتمي إلى جيل أحفاد الملك عبد العزيز وليس أبنائه، ما يجعل نظرته للأمور مختلفة، ذلك بجانب الحركة النسائية النشطة .

إفراج غير مشروط

ووصفت المؤسسات الدولية والحقوقية اصلاحات المملكة بأنها “نصر بمذاق حلو”، وذلك مع استمرار احتجاز النشطات ومواجهة بعضهن محاكمات غير عادلة.

وفي مارس الماضي، دعت منظمة العفو الدولية، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الإفراج عن العديد من المدافعات البارزات عن حقوق المرأة، بعد عامين على اعتقالهن.

وأشارت المنظمة، في بيان لها، إلى توقيف العديد من الناشطات الحقوقيات السعوديات البارزات في 15 مايو 2018، في وقت كن يدافعن بطريقة سلمية لسنوات عن حقوق النساء في المملكة في قيادة السيارات، ويطالبن بإصلاحات أوسع تتعلق بنظام وصاية الذكور القمعي.

ولفتت إلى أنه في الأيام والأسابيع التي تلت توقيف الناشطات، اعتُقل المزيد من الناشطين المسالمين، كجزء من حملة القمع والتشهير التي شنّتها السلطات السعودية.

 ودعت المنظمة، السعودية، إلى إفراج فوري وغير مشروط عن جميع سجناء الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين فقط في قضايا تتعلق بممارستهم السلمية لحرية التعبير، والتجمع، وإنشاء الجمعيات.

ولا تزال 13 ناشطة في مجال حقوق المرأة يواجهن الملاحقة القضائية بسبب نشاطهن في مجال حقوق الإنسان، بينما 5 منهن لا يزلن قيد الاحتجاز.

وتقول مضاوي الرشيد، أستاذة زائرة في مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد “القمع والإصلاح يسيران جنبًا إلى جنب في السعودية، الناشطات يشكلن تهديدًا كبيرًا للبلاد، اذ يتحدثن لغة الحقوق”.

وحتى وقت قريب، كانت المرأة السعودية محرومة من التصويت والترشح للانتخابات، وبعد انتقادات عديدة داخليًا وخارجيًا، نتج عنه السماح لها بالعمل السياسي، ولكن بشكل محدودة وفي نطاق البلديات.