خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت صناعة النشر تواجه عددا من الأزمات، خاصة مع توجه الكثيرين للنشر الإلكتروني بدلا من الورقي، كما تفاقمت أزمة هذا الأخير خلال جائحة “كورونا”، مع ظهور شائعة انتشار الفيروس عن طريق الورق، ما سبب له خسارة بالغة.

وفي تصريحات صحفية لرئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده، قال إن تأثير أزمة كورونا على قطاع ودور النشر في مصر سلبي بشكل كبير جدا، مضيفًا أن مبيعات الكتب تراجعت منذ ظهور الفيروس بنسبة تتراوح بين 70 إلى 80%، كما لفت إلى أن الطباعة متوقفة بنسبة 80%.

وتابع أنه قد تم التوقف عن سداد مستحقات المؤلفين والناشرين، مشيرًا إلى أن قطاع النشر في مصر يتعرض لخسائر كبيرة بسبب الأزمة التي أدت إلى توقف السوق المحلية بشكل تام”.

وأشار “عبده” إلى إغلاق بعض المكتبات جراء الفيروس، وانخفاض مبيعات الكتب بالمكتبات المفتوحة إلى أقل من 10% مقارنة بمبيعاتها قبل الأزمة.

وأكد عدد من الناشرين العرب، أن الفيروس المستجد غير بوصلتهم، ودفعهم للنشر الإلكتروني، كما دفعهم إلى إعادة النظر في أمر الطباعة الورقية، حيث قال المؤسس والمدير التنفيذي لدار “ملهمون” للنشر والتوزيع محمد قنديل، إن هناك تغير كبير ستشهده آليات الطباعة والكتب المطبوعة.

وأضاف أن المرحلة الماضية ومع الأزمة التي طرأت على العالم، شوهد توجه صريح للنشر الإلكتروني مما انعكس بالإيجاب على مبيعات الكتب الإلكترونية.

انتشار واسع

أصبح النشر الإلكتروني وسيلة يستخدمها الكثيرون من الروائيين والباحثين؛ وهو عبارة عن نشر رقمي للمقالات والكتب عبر شبكة الإنترنت، بدلًا من الورقية، وقد شهدت تلك الوسيلة انتشارًا واسعًا جدًا في مجال النشر العلمي، نظرًا لكونها أقل تعقيدًا من نظيرتها الورقية، وكذلك أسهل في الوصول إليها، وخاصة مع تطور التكنولوجيا في السنوات الأخيرة ودخول الهواتف الذكية للمنازل، وهذا ما جعل القارئ يمتلك مكتبة رقمية متنقلة، فأصبح واقعًا أن النشر الإلكتروني غزى المجتمعات.

النشر الإلكتروني بدلا من الورقي

مرونة وسرعة وصول

 

يرى الدكتور عبد الرحمن عبدالله عميد كلية الاتصال والإعلام بجامعة العين الإماراتية للعلوم والتكنولوجيا، “أن ثورة النشر الإلكتروني حجمت بشكل كبير المساحة الورقية أو المطبوعة سواء كانت صحافة أم كتابًا مطبوعاً، وذلك له أسبابه من أهمها المرونة والقدرة للوصول إلى المعلومة في الوقت الذي يختاره القارئ، ناهيك عن إمكانية استرجاع المعلومة في أي وقت دون عناء، ويضاف إلى ذلك الكلفة من الناحية المادية والوقت والجهد، فلم يعد القارئ بحاجة إلى شراء المطبوع فهو متوفر مجانًا على شبكة الإنترنت وليس هناك حاجة للذهاب إلى المكتبات أو المتاجر إذ أصبح بالإمكان الاستعاضة عن ذلك بنقرة زر”.

وتابع أن “الصحافة الإلكترونية أضافت خاصية التفاعل، وهي بالغة الأهمية، إذ لم يعد القارئ ذلك المتلقي السلبي للمعلومات، وأصبح بفضل النشر الإلكتروني قادرًا على الرد والتعبير عن رأيه بكل حرية وسهولة، وهذه التفاعلية أضفت قيمة ذات بعد فكري وإنساني بلا حدود، كما أعطت التكنولوجيا الحديثة قدرة هائلة لدى الفرد على الخزن، إذ باستطاعته أن يخزن مئات الآلاف من الكتب والمطبوعات الإلكترونية ليعود إليها متى ما شاء دون أدنى عناء ودون الحاجة إلى مساحات ورفوف لتخزين المطبوعات كما عهدنا سابقًا مع المطبوعات التقليدية الورقية”.

وفي البحث الذي أعده الدكتور عادل خليفة رئيس الاتحاد العربي للنشر الإلكتروني؛ رأى “أن الآلة التكنولوجية أصبحت وسيلة  مناسبة للوصول إلى المواطن العربي لأهداف التعليم والتثقيف والتجارة وغيرها، كما أنها تعدّ من جانب آخر طريقة مناسبة لمدّ جسور التواصل الثقافي والحضاري بين العالم العربي وبقية دول العالم”.

وأضاف؛ “أن الناشرين العرب استمروا حتى زمن قريب في نشر الكتب الورقية فقط، ومع التطور العلمي والتقني، وتطوير مهنة النشر بصفة خاصة، بدأ الناشر العربي يتحول إلى تنويع طرق النشر لتشمل النشر الورقي والإلكتروني، وبصفة عامة أصبح مورد للمحتوى بكافة أنواعه، ومساهم قوي في نشر المعرفة عن طريق المعلوماتية، مما يساهم في سد هذا الفراغ الضخم للمحتوى الإلكتروني العربي”.

مزايا وعيوب

في مقارنة بسيطة قام بها عدد من الباحثين في مجال النشر الإلكتروني، وُجد أن هناك بعض المميزات التي تغلب بها هذا النوع من النشر على نظيره المطبوع.

وفي تصريحات سابقة قال هارالد هينزلر، مستشار النشر الإلكتروني الأكاديمي بألمانيا إن سوق النشر الأكاديمي شهد انتعاشا كبيرًا خلال السنوات الماضية، والفضل في ذلك يعود إلى أن معظم الباحثين والعلماء يتوجهون للمنصات الإلكترونية لنشر أبحاثهم ودراساتهم، وساعد على ذلك تحول الكثير من المنصات والمجلات الأكاديمية إلى إلكترونية فأصبح من السهل تحميل ورفع المواد العلمية، بالإضافة إلى تفضيل الطلاب لتحميل الكتب على هواتفهم المحمولة بدلًا من الكتب الورقية المحمولة”.

من ناحيته، قال عميد كلية الاتصال والإعلام بجامعة العين الإماراتية للعلوم والتكنولوجيا حول مميزات وعيوب النشر الإلكتروني، “إن القارئ العربي أصبح يفضل المنشور الإلكتروني، حيث يتمتع بتنوع بلا حدود من حيث الموضوعات التي يعالجها أو يستعرضها هذا النوع من النشر، وكذلك التنوع الفكري من خلال التنوع اللغوي، ناهيك عن القدرة العالية على إعادة النشر والمشاركة للمطبوعات مع الآخرين الذين يمتلكون نفس الاهتمام”.

استبدال النشر الورقي بالإلكتروني

وأضاف “بلا شك أصبحت مهمة الباحثين أسهل بكثير عن ذي قبل في الوصول إلى المنتج الفكري لكل الحضارات، فقد ساهمت المطبوعات الإلكترونية في تخطي كل الحواجز والحدود الطبيعية والسياسية وتطول القائمة”.

استبدال النشر الإلكتروني بالورقي

أما عن العيوب، فقد استطرد عميد كلية الاتصال قائلًا: “إن المطبوع الإلكتروني أخفق أمام نظيره الورقي التقليدي في خلق العلاقة الحميمة بين الكتاب أو الصحيفة المطبوعة من ناحية، والقارئ من ناحية أخرى، فالمطبوعات الورقية عندما تكون بين يدي القارئ يستطيع أن يتحسسها ويتعلق بها روحيًا وقد ترتبط بعض صفحاتها بذكريات حميمة تجعل من المطبوع جزءًا من مقتنيات القارئ التي تتميز بقيمة معنوية وروحية لا تستطيع الشاشات الذكية توفيرها، لذلك ما نقرأ على صفحات الورق يكون أسهل في التذكر بسبب العلاقة الآنفة الذكر، وربما تكون القراءة على الورق أكثر متعة وعمقًا ودقة”.

أما الكاتب والباحث المصري محمد عبد النبي، فيرى “أن حقوق الملكية الفكرية ومخاطر القرصنة وتنظيم العلاقات بين الأطراف قانونيًا، أهم ما يعيب النشر الإلكتروني”، لكنه يضيف أن النشر الإلكتروني يغزو المجتمعات بقوة وخصوصًا مع انتشار التابلت والهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب.

ويكمل “أنه بالرغم من هذا الانتشار، إلا أن العلاقة الحميمة بين القارئ والكتاب الورقي والاعتياد عليه مازالت موجودة بين العديد من الفئات وخصوصًا بالمجتمع العربي.

مستقبل النشر الإلكتروني

اكتسب النشر الإلكتروني أهمية كبرى في هذا العالم الرحب، وأصبح من الأوليات التي تهتم بها البشرية جمعاء، نظراً لاحتياجها إلى المعلومة بأسرع وأيسر الطرق وأقل كلفة ممكنة، ولا يأتي ذلك إلا من خلال النشر الإلكتروني الذي اتسع وذاع صيته جنبًا إلى جنب مع التطور التكنولوجي الهائل.

هذا ما قاله “محمد نور العدوان”، والذي أضاف “أن للنشر الإلكتروني مستقبل باهر لكي يخدم كافة القطاعات والشرائح العمرية، سواء التاجر أو المهندس أو الطبيب أو الطالب أو الباحث وغيرهم الكثير، حيث سيصبح في متناول أيدي الجميع بشكل موثوق ومتقن، وفي خضم هذا التطور الهائل في ذات المجال في النشر الإلكتروني سوف يخدم المطبوعات ويؤثر عليها في نفس الوقت، ففي الأولى يُثري المطبوعات وفي الثانية يعزف الجمهور عن الكلمة المطبوعة”.

وتابع أن المعيقات التي تواجه النشر الإلكتروني من حيث الحد من حرية الكتابة مما يُقلل من سقف حرية النشر، من الممكن التغلب عليها من خلال تأطيرها بقانون يحمي النشر الإلكتروني على نطاق واسع لرفع حرية هذا المجال من أجل إفادة البشرية والعالم أجمع.

من ناحية أخرى قال الكاتب الباحث المصري محمد عبد النبي “ربما يستطيع صُناع الكتاب في المستقبل البعيد الموازنة بين طريقتي النشر، بحيث يتاح الكتاب ورقيًا في عدد محدود من الطبعات للمكتبات العامة وعلى سبيل التوثيق فقط، أمّا النشر الأساسي للقرّاء فيكون إلكترونيًا – مع توفّر خدمة الوصول للنسخة الورقية لمن لا يملكون الوسائط الحديثة للقراءة بَعد”.

وأضاف” من بين النتائج الإيجابية لهذا أن سعر الكتاب المباع إلكترونيًا سيكون أرخص كثيرًا، بالإضافة إلى تحجيم الخسائر البيئية الهائلة التي يسببها إنتاج الورق بالنسبة للأشجار والغابات، وتبقى العقبة الوحيدة أمام ذلك هي احتمالات القرصنة، وتلك مشكلة يمكن حلها تكنولوجيا بطرق كثيرة”.