سلطت التقارير والصحف الغربية والمحلية، الضوء على شق مصر طريقين سريعين عبر هضبة الأهرامات، في إطار النهضة بالبنية التحتية وتوسعة الرقعة السكانية خارج العاصمة القاهرة، ما أثار قلق دولي على واحد من أهم الوجهات السياحية في العالم.
ويمر الطريق الشمالي، عبر الصحراء على بُعد 2.5 كيلومترًا جنوب الأهرامات، بينما يمر الطريق الجنوبي بين هرم سقارة المدرج، ومنطقة دهشور التي تضم هرم سنفرو المائل والهرم الأحمر، ويتسع كل منهما لنحو 8 حارات مرورية، بحسب ما ذكرته وكالة “رويترز” الصادرة بالإنجليزية.
ويخشى الخبراء والمهتمين بالحفاظ على البيئة، من أن يتسبب الطريقين في ضرر لأحد أهم المواقع الأثرية بالعالم، بالمقابل يقول مصطفي الوزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار: “الطريقان هامان للغاية للتنمية بالنسبة للمصريين”.
ذكر البنك الدولي، في تقرير له في العام 2014، أن الازدحام في منطقة القاهرة الكبرى، يقضي على 3.6 بالمئة من الناتج المصري.
مشروع الطريق السريع بدأ من تسعينيات القرن الماضي إلا أنه بعد الضغط الدولي تم تعليقه
الطريق السريع
وأفادت صحيفة “الجارديان” البريطانية، بأن الطريقان المثيران للجدل، بدأ بنائهما منذ أكثر من عام، لكنّهما أصبحا أكثر وضوحًا، في مارس الماضي، وفقًا لعلماء المصريات وصور “جوجل إرث”.
ويُشار إلى أن مشروع الطريق السريع بدأ من تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه بعد الضغط الدولي تم تعليقه.
ومن المفترض، أن يعبر الطريقان اللذان سيقسمان الهضبة إلى 3 أجزاء من مدينة منف القديمة، إحدى أكبر مدن العالم، وأكثرها تأثيرًا لنحو 3 آلاف عام.
وتمتد “منف” على مساحة أكثر من 6 كيلومترات مربعة، كأكبر مدينة مأهولة أقيمت قديمًا في وادي النيل.
ويعتبر الطريق السريع الجنوبي جزءًا من الطريق الدائري الثاني بالقاهرة الذي سيصل مدينة الإنتاج الإعلامي في السادس من أكتوبر مع العاصمة الإدارية الجديدة شرقي القاهرة عبر 16 كيلومترًا في الصحراء فوق هضبة الأهرامات، وأراض زراعية، وزاوية من منف، بحسب وكالة “رويترز”.
وقال المسؤول السابق في منظمة اليونسكو، سعيد ذو الفقار: “لقد ذهلت مما رأيته عند زيارتي الطريق السريع الجنوبي، فكل العمل الذي قمت به منذ ما يقرب من 25 عامًا أصبح الآن موضع تساؤل”.
وقاد “ذو الفقار” حملة ناجحة في منتصف التسعينيات لتعليق بناء الطريق السريع الشمالي، وهو فرع من أول طريق دائري في العاصمة.
بينما كشفت منظمة “اليونسكو” أنها طالبت معلومات مفصلة عن الخطة الجديدة مرات عدة، وطلبت إرسال بعثة مراقبة، وهو ما لم ترد عليه الحكومة المصرية حتى الآن.
وبحسب المختصين، تؤثر الطرق السريعة على سلامة الاهرامات والأماكن التي لم تكشف بعد، بجانب احتمالية أن يتسببا في تلوث يمكن أن يؤدي لتآكل الآثار، ويعرضان المنطقة الأثرية الهامة للنهب.
بالمقابل، أكد “وزيري” أن الطرق الحالية أكثر قربًا من الأهرامات وتنقل الكثير من الحافلات السياحية، مضيفًا “لهذا نقوم بتطوير كثير”، في إشارة إلى خطط لاستخدام حافلات سياحية تعمل بالكهرباء داخل الهضبة لتجنب التلوث.
الطريق يمر عبر مقابر أثرية لم تكتشف بعد للأسرة الثالثة عشرة التي لا توجد معلومات كثيرة عنها
تهديد
قال ديفيد جيفريز، عالم المصريات البريطاني الذي كان يعمل في مدينة منف، “الطريق الجديد يقترب من المناطق التجارية في المدينة القديمة، وأسوار الميناء، والموقع السابق لمقياس النيل القديم، والذي يستخدم لقياس ارتفاع الفيضان السنوي”، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.
كما يهدد جدارًا رومانيًا كان ذات يوم ملاصقًا للنيل، وطالما تعرضت منف للإهمال، حتى من علماء المصريات، لأنها موقع معقد للاستكشاف، رغم أنها منطقة غنية للغاية بالمعابد والمحفوظات والمباني الإدارية .
وكشف آخرون أن الطريق يمر عبر مقابر أثرية لم تكتشف بعد للأسرة الثالثة عشرة التي لا توجد معلومات كثيرة عنها، وعلى بعد خطوات من هرم بيبي الثاني وهرم خنجر ومصطبة فرعون.
ويذكر أن الأهرامات، هي الوجهة السياحية الأولى في مصر، كما أنها أحد عجائب الدنيا السبع المتبقية حتى وقتنا هذا، إذ أنها مسجلة كموقع للتراث العلمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
طالب “الشماع” بوقف المشروع فورًا وعقد مؤتمرًا عالميًا يضم نخبة العلماء الآثار المصريين
الجديد يدمر القديم
بسام الشماع، المؤرخ والخبير الأثري، قال إننا نخشى من الآثار السلبية الناتجة عن المشروع أو الطريق الجديد على منطقة من أهم المناطق الأثرية في مصر والعالم، مرجعًا ذلك لأسباب عدة، منها: التخوف من تدمير المعمار الحضاري، وزيادة الاهتزازات الأرضية ونسبة التلوث في منطقة مهولة بالآثار الفرعونية، “كل شبر هناك تحته آثر محتمل، فمنطقة منف أقوى عاصمة في تاريخ مصر، وهرم سقارة، هي جبانة ضخمة ومدافن تحتوي على آلاف الآثار والكنوز الفرعونية”.
ويكمل قائلاً: “علاوة على ذلك فإن كل الآثار التي لم تكتشف في هذه المنطقة تجعلنا نخاف من بناء حجر واحد على هذه الأرض”.
وذكر الخبير الأثري، أنه لم يعثر من الآثار المصرية سوى أقل من 1%، وهو ما يدفعنا للقول إن الثمن الذي يقع لبناء طريق للسيارات، وتخفيف الضغط لا يعوض آثارنا التي ستهدر بسبب هذا البناء، فضلاً عن إتاحة المشروع فرصة أكبر لنهب منطقة الأهرامات، إذ صعب السيطرة عليها.
ولفت إلى أن البناء فوق أثر يعني إنهاء جزء من تاريخ البلاد، مشيرًا إلى أن تداعيات المشروع أكبر من فوائده، فمن المحتمل أن تصنف منظمة اليونسكو منطقة الأهرامات تحت: “تراث في خطر”، أو تشطب المنطقة من التراث العالمي، وهو ما لا يليق بمصر وحضارتها .
وطالب “الشماع” بوقف المشروع فورًا وعقد مؤتمرًا عالميًا يضم نخبة العلماء الآثار المصريين، لشرح الأمر ووضع بدائل في حال استكمال المشروع، وفحص الصحراء كاملة بالأجهزة الدقيقة للكشف عن آي آثار محتملة.
الآثار تنفي ما أشيع عن حفر طريقين بهضبة الأهرام
أصدرت وزارة السياحة والآثار بيانا ردا على ما تم تداوله حول إنشاء طريقين بمنطقة هضبة الأهرامات الأثرية.
أكد أشرف محي الدين، مدير عام منطقة آثار الهرم، في بيان الوزارة ، أنه لا توجد أعمال حفر وإنشاء طرق داخل هضبة الأهرامات الأثرية على الإطلاق، وأن مشروع تطوير هضبة الأهرامات قد انتهى منذ عام ٢٠١٩، وسيتم افتتاحه بداية عام ٢٠٢١.
وأوضح أنه طبقا لمشروع التطوير سيتم تخصيص سيارات كهربائية صديقة للبيئة لنقل الزائرين، حيث سيمنع دخول الاتوبيسات السياحية في المنطقة الأثرية للمحافظة على البيئة العامة والآثار، ولن يسمح المجلس الأعلى للآثار بأية انشاءات تضر أو تتعدى على الأثر.
ونفى محي الدين صحة أي خبر يتداول عن شق طرق داخل منطقة الأهرامات الأثرية مؤكدا أنه لا توجد أية أعمال تتم داخل المنطقة الأثرية، وأية أعمال تتم خارج المنطقة الأثرية هي أعمال تمهيدية فقط، أما الطريق الآخر المشار إليه في الصور المتداولة والذي يتضمن وجود أشجار، فهو على أراضي مملوكة لأهالي خارج المنطقة الأثرية والأعمال به تمت تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار.
وكانت وكالة رويترز قد نشرت الثلاثاء الماضي تقريرا عن مشروع شق طريقين يمران عبر هضبة الأهرام، وهو ما أثار انتقادات وجهها مختصون في الآثار والبيئة، وكان نفس المشروع قد طرح في التسعينات وتم تعليقه بعد احتجاج اليونسكو.
ووفقا لما تضمنه التقرير فإن الأعمال تجري بشكل حثيث رغم اكتشاف تماثيل وآثار بمسار المشروع بحسب خبراء تحدثوا إلى رويترز.