يواجه ذوو الاحتياجات الخاصة معاناة بشكل يومي بسبب المواصلات، ما يُرهقهم جسديًا ونفسيًا، فتضيع أحلام البعض بين جدار المعاناة، والاستسلام للأوضاع المتردية للطرق والمواصلات التي حاولوا كثيرًا تعديلها لكن دون فائدة.

على الرغم من التأكيدات المستمرة من قبل المسؤولين الخاصة بالاهتمام بذوي الإعاقة، إلا أنه لم يتم اتخاذ خطوات فعلية وحاسمة لحل أزمة وسائل النقل والمواصلات لهم.

ووفقًا لآخر إحصائية أصدرتها وزارة التضامن الاجتماعي فقد وصلت نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر إلى 10.6% من تعداد إجمالي حجم السكان.

هناك العديد من التحديات التي تواجه ذوي الإعاقة رغم إصدار القانون الخاص بهم عام 2018، حيث يبدأ كل منهم يومه بمعاناة في المشي بالشوارع، وتخطي الأرصفة غير المناسبة لحالتهم الجسدية.

وتستمر الصعوبات مرورًا بالصعود للحافلات أو وسائل النقل العام، ونزول درجات سلم المترو، ففي أغلب الأحيان نشاهد أمًا تحمل صغيرها على ظهرها في محاولة منها للدخول إلى المترو، لعدم تهيئة الدرج لهذه الحالات.

“الأسانسير عطلان”

سليم إسماعيل، شاب ثلاثيني، يعمل في مجال الصحافة، من محافظات الصعيد، من ذوي الإعاقة لكنه جاء إلى القاهرة ليكون بالقرب من مكان عمله الكائن في ميدان الدقي، يقول إنه يستقل المترو بشكل يومي، ومن هنا تبدأ معاناته.

“سليم” اشتكى من عدم وجود أي سلم ممهد لمن يعانون من إعاقة حركية، لذا يضطر إلى نزول السلم مثل غيره من الناس على الرغم من صعوبة ذلك عليه، وعندما يدخل إلى صالة الاستقبال يُفاجأ بتعطل المصعد في بعض المحطات، أو عدم وجوده من الأساس.

الشاب الثلاثيني يرى أن ذوي الإعاقة لا يلقون اهتمامًا كافيًا من المسؤولين، وأنهم على الهامش خاصة في تنفيذ مشروعات من شأنها تيسير الأمور عليهم.

مواصلات مجانية

المادة”20″ من الاتفاقية الدولية لذوي الإعاقة، تنص على حقهم في استعمال وسائل النقل العامة مجانًا أو بتكلفة رمزية، بالإضافة إلى تجهيزها فنيًا للمساعدة على

استخدامها بسهولة ويسر، كما يجب إتاحة الفرصة أمامهم مثل وسائل نقل خاصة يقودونها بأنفسهم أو بمساعدة ذويهم.

طرق غير ممهدة

أكثر الطرق غير مؤهلة لاستخدام ذوي الإعاقة في مصر، بسبب الأرصفة العالية، وعدم وجود مكان آمن يمر منه أصحاب الإعاقة، بالإضافة إلى تعطل “الأسانسير” في أغلب محطات المترو، وغيابها عن البعض الآخر، خاصة في محطتين رئيسيتين وهما السادات والشهداء.

“إ.ه” ، صحفي بأحد المواقع المصرية، تستلزمه وظيفتها الذهاب بشكل منتظم لمقر عمله، على الرغم من إعاقته التي اضطرته للتواجد بشكل دائم على كرسي متحرك.

“الصحفي الشاب” يواجه صعوبة في التواجد وحده في الشوارع، أو الذهاب لأماكن عن طريق استقلال المواصلات، لابد من شخص يساعده، نظرًا لصعوبة الحركة في الطرق المصرية وعدم تخصيص أخرى لذوي الإعاقة.

الصحفي الشاب، أكد أنه حتى مع شراء سيارات مخصصة لذوي الإعاقة لا يستطيع استقلالها وتولي قيادتها وحيدًا، فلابد من وجود أحد أفراد أسرته معه بالخارج، وكذلك عند التوجه للمصالح الحكومية مثل الشهر العقاري أو أماكن لاستخراج البطاقات الشخصية وغيرها من الأماكن التي يضطر إلى التواجد فيها بشكل شخصي لعدم تأهيل المباني لصعوده.

كود الإتاحة

في إطار تعامل الدولة في هذا الملف، كانت وزارة النقل قد أعلنت عما يسمى بتطبيق “كود الإتاحة” في 2017، الذي يعد أول كود مصري في منظومة تأهيل الفراغات الخارجية والمباني لاستخدام ذوي الإعاقة.

الوزارة كشفت أن الهدف من الكود تصميم الفراغات والمباني لاستخدام المعاقين ووضع الأسس والمعايير والضوابط التي يجب توافرها في الفراغات العامة والمباني، لكن وزير النقل السابق الدكتور هشام عرفات أشار إلى تأخر تنفيذ المبادرة.

وزيرة التضامن السابقة الدكتورة غادة والي، عقب توقيع بروتوكول كود الإتاحة أعلنت عن أن تنفيذ خطة الإتاحة على الأرصفة داخل القاهرة وفى الشوارع بالمحافظات ستكون صعبة جدا.

و”كود الإتاحة” مصطلح يعني إتاحة البنية التحتية لاستخدام أكبر عدد ممكن من الناس، وله علاقة بحقوق الإنسان الفردية وخاصة المعاقين في المجتمع، وكان قد أصدر له قرار وزاري رقم 303 لسنة 2003 للكود المصري.

الاستسلام هو الحل

محمد عبدالله، طالب كفيف في كلية الإعلام جامعة القاهرة، يعاني من أزمة بسبب عدم قدرته على العبور من رصيف الشارع للجهة الأخرى، بالإضافة إلى أنه لا يعرف حدود الأرصفة، لعدم توافر “البلاط البارز” الذي يستشعره بعصاه التي لا تفارقه.

“عبدالله” يعاني من إعاقة حركية في قدمه اليسرى أيضًا، ما يضاعف أزمته، مؤكدًا أن أحلامه تبخرت بين الصعوبات التي تعيق طريقه، ما يجعل الاستسلام أمرًا سهلًا وواقعيًا له، حيث يفكر في أغلب الأحيان في البقاء بالمنزل والتنازل عن دراسته وطموحه.

في شهر أبريل الماضي تقدم النائب محمد عبدالله زين، وكيل لجنة النقل بمجلس النواب، بطلب إحاطة لرئيس الوزراء بشأن سرعة دعمهم في معاناتهم اليومية الخاصة بوسائل النقل والمواصلات، كما طالب الاهتمام بملف ذوي الاحتياجات الخاصة.

“زين” أوضح أنه على الرغم من إصدار قانون ذوي الإعاقة، إلا أنه حتى 2020 ما زالت وسائل المواصلات غير مؤهلة لاستخدامه، وأن الحافلات الجديدة تمثل نسبة قليلة ولا تخدم إلا أعدادًا قليلة من ذوي الإعاقة.

حلول

الدكتور أشرف مرعي، المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، أكد أنه بالرغم من القانون الخاص بذوي الإعاقة إلا أنهم لازالوا يعانون من مشكلات في النظام الصحي وفى العمل، بالإضافة إلى مشكلات في النقل والمواصلات.

“مرعي” أكد أن الحل هو توفير المخصصات المادية التي من شأنها أن تجعل وسائل المواصلات مناسبة لذوي الإعاقة، بالإضافة إلى التهيئة الهندسية للمباني لتتناسب معهم، وتأهيل الأرصفة بشكل يلائمهم.

خالد جاهين عضو المجلس المصري لحقوق الإنسان، قال إنه من الضروري تصدر الدولة قرارًا ينص على أن إصدار التراخيص لأي مبنى مرهون بتنفيذها لكود الإتاحة، بالإضافة إلى تعديل كل المباني الخاصة بالمصالح والهيئات لتتناسب مع المعاق.

“جاهين” أكد أن التطور التكنولوجي الحالي يمكن وزارة النقل والمواصلات من استخدم سلالم وأجهزة إلكترونية لتصبح مؤهلة لذوي الإعاقة، مشددًا على أن المحليات عليها التنسيق بين الجهات المختلفة لتفعيل كود الإتاحة، بالإضافة إلى تخصيص ماديات وإرادة سياسية من أجل التطبيق.

نموذج إيجابي

اللواء طارق الفقي، محافظ سوهاج، أصدر الكتاب الدوري رقم 13 لعام 2020 بالتزام كل المنشآت بتنفيذ كود الإتاحة لذوي الإعاقة، وتعتبر المحافظة من أكثر المحافظات التي توجهت لحل أزماتهم.

وأكد القرار أنه يجب إنشاء أرصفة بعرض لا يقل عن متر، وخشن حتى لا يكون سهل الانزلاق، وإقامة منحدر في بداية ونهاية كل طريق، ذلك علاوة على تهيئة المنشآت القائمة بما يضمن سهولة استخدام المنشآت والأبنية العامة.

حاولنا التواصل مع المتحدث باسم وزارة النقل، محمد عز لسؤاله عن الحلول التي وضعتها الوزارة وآليات تمكين ذوي الإعاقة من استخدام المواصلات العامة بشكل سهل، إلا أنه لم يرد على اتصالاتنا.