شهدت قضية “فيرمونت”، أحداثًا متصاعدة تحولت خلالها الضحية إلى متهمة، الأمر الذي قد يدفع لحالة جديدة من الصمت وعدم فضح هذه الوقائع، رغم صدور قانون يحمي خصوصية بيانات مقدم البلاغ.

بدأت قضية “فيرمونت” بتداول إعلامي لأسماء اعتدوا على إحدى الضحايا بالاغتصاب الجماعي في الفندق الشهير، وهي غائبة عن الوعي، حتى تدخل المجلس القومي للمرأة ووعد بحماية الضحية وطالبها بتقديم بلاغات للقبض على الجناة، ولكن سربت العديد من المواقع اسم الضحية، وبدأ على مواقع التواصل الاجتماعي نشر فيديوهات وصور من هاتف الضحية والشاهدة، وتحولت القضية من اغتصاب، إلى حفلة للجنس الجماعي وفقًا للتحقيقات وبيان النيابة، كما تحولت الضحية والشاهدة لمتهمتين وتم القبض على الشاهدة نجلة الفنانة نهى العمروسي وحبسها.

بيانات المجني عليهن

وافق مجلس الوزراء في يوليو الماضي على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، حيث يسمح لقاضي التحقيق، لظرف يُقدّره، عدم إثبات بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، أو في المادتين 306 مكرر أ و306 مكرر ب، من ذات القانون، أو في المادة 96 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، وينشأ في الحالة المشار إليها ملفٌّ فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليه كاملة، ويعرض على المحكمة والمتهم والدفاع كلما طُلب ذلك، ولكن مع قضية “فيرمونت” تحولت الضحية إلى متهمة، الأمر الذي خلق مخاوف كبيرة لدى فتيات وسيدات من التحدث عن هذه القضايا.

إلهام عيدراوس، الناشطة النسوية، ووكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية، تقول: “إن قضايا التحرش الجنسي، وقضايا العنف الجنسي بشكل عام بما فيها الاغتصاب والتحرش، من أكثر القضايا صعوبة، وهنا يجب مراعاة أمور عدة عند البت في تلك القضايا”.

وتوضح: “عند ارتكاب أحد الشهود في قضية تتعلق بالعنف الجنسي خطأ يعتبر أقل من الجريمة الكبرى، يمكن تأجيل هذا الأمر والنظر في الجريمة الكبرى الأساسية والبت فيها، لتحقيق المصلحة العامة”، مشيرة إلى أن قضايا العنف الجنسي من أكثر القضايا حساسية والتي تحتاج لأحكام سريعة وعاجلة وأيضًا منصفة.

تراجع للوراء

وتكمل “عيدراوس” “أن تسريب البيانات، وتسريب أشياء وأمور شخصية عن الضحايا أو الشهود، سيكون بمثابة تراجع للوراء، وتراجع للسيدات عن الإدلاء بشهادتهن أو الإبلاغ عن قضايا العنف الجنسي، وهنا ستخشى الفتيات والسيدات من عدم الحماية، وهو أمر لابد أن يكفله لهن القانون، خاصة في تلك النوعية من القضايا”.

قضية “فيرمونت” لم تكن القضية الأولى التي يتحول بها المتهمون إلى جناة، فهناك القضية الشهيرة إعلاميا بـ”فتاة المول”، والتي ظهرت بأحد مقاطع الفيديو عبر الإنترنت بأحد المتاجر الكبرى، وظهر أحد الشباب يقترب منها ويحاول التحرش بها، وبعد نشر الفيديو، خرجت الإعلامية ريهام سعيد حينها وخصصت حلقة كاملة عن تلك القصة، ولكنها كانت من وجهة نظر أخرى، فنشرت صورًا من هاتف الفتاة لحياتها الخاصة، واتهمتها بأنها السبب في محاولة التحرش بها بسبب ملابسها التي لا تليق.

كما تلقت اتصالًا أيضًا من والدة المتهم، قالت يه إن الفتاة هي التي حاولت الاقتراب من نجلها والتحرش به.

مقطع الفيديو تضمن صفعة من الشاب للفتاة، وشهدت تلك الواقعة حينها جدلًا إعلاميًا كبيرًا بعد حلقة “سعيد”، وواصلت الفتاة المسار القانوني وبالفعل حصلت على حكم بحبس المتحرش عامين، وتوقف برنامج الإعلامية ريهام سعيد، وبعد خروج المتهم من السجن، اعتدى على الفتاة مجددًا، وأصابها بجرح في الوجه طوله 20 سم.

وعود كاذبة

“وعود كاذبة”.. هكذا وصفت إحدى الناجيات من التحرش وعود المجلس القومي للمرأة: “أنا اتعرضت لتحرش على إيد دكتور كبير، والحقيقة كنت ناوية أروح أبلغ وأخد حقي وأحاول أعالج جرح اتفتح من سنة ومش راضي يلتئم، لكن للأسف بعد تسريب بيانات الضحايا وتحويلهم إلى متهمين مش هقدر أعمل ده ولا هقدم بلاغ، مين عارف ممكن أنا كمان أتحول لواحدة صورها في البيت تتبعت للناس ويقتحموا حياتي الخاصة، المجلس القومي للمرأة كأنه بيعمل لنا فخ اللي هو روحوا بلغوا وهنحميكم بس للأسف مفيش حماية”.

تسريب بيانات ومعلومات عن الضحايا، يتم أيضًا من خلال أمناء شرطة في الأقسام، وفقًا لحديث الناجية: “عرفت كمان من واحدة صاحبتي إن معلوماتي وبياناتي ممكن تتسرب بسهولة من خلال أمين الشرطة في القسم، وده طبعا لأن الحاجات اللي زي ده بتمشي بالفلوس، بس كده هكون أنا وأهلي وأسرتي وسمعتي في خطر، فقررت مش هبلغ، وهفضل عايشة مع الجرح”.

ومن بين القضايا أيضًا التي تحولت الضحايا بها إلى جناة، بسبب تسريب المعلومات، قضية “حمام باب البحر”، الشهيرة، التي ارتبطت باسم الإعلامية منى عراقي، بعد تقديم حلقة من برنامجها في ديسمبر 2014، تحت عنوان “مهاجمة أحد أوكار الشذوذ الجنسي”.

وخلال الحلقة تم عرض لقطات من القبض على الـ 26 رجلا في “حمام باب البحر” الشعبي في القاهرة، بعد إبلاغها السلطات عنهم، ثم حُكم عليها بالحبس 6 أشهر، وبدفع كفالة قدرها 100 ألف جنيه لوقف تنفيذ الحكم لحين الاستئناف، بعد إدانتها بالسب والقذف والطعن في الأعراض.

ورفعت دعوى أمام محكمة الاستئناف ضد الحكم، وأظهرت التحريات براءة 26 شخصًا من ممارسة “الشذوذ الجنسي”، وبعد حصولهم على حكم البراءة، رفعوا دعوى سب وقذف وطالبوا عراقي بتعويض مادي لما بدر منها من تشويه لسمعتهم.

الواقعة تسببت فيما وصفه الضحايا بـ”ضياع سمعتهم ومستقبلهم” حينها بسبب تسريب صور خاصة لهم ونشرها تحت محتوى غير حقيقي يعاقب عليه القانون.

وقال أحد المتهمين الذي ثبتت براءته، إن المجتمع سيظل ينظر إليه نظرة المتهم والجاني حتى عقب صدور الحكم ببراءته، مضيفًا أنه ظل يتعرض لمضايقات في محل عمله، وظل يعاني أيضًا من نظرات المحيطين به.

حماية مزيفة

صموئيل ثروت، محامي إحدى الضحايا اللاتي تقدمن ببلاغ ضد الطبيب النفسي المتحرش بطنطا، قال إن الضحايا والناجيات شعرن بانتصار عند وقوف المجلس القومي للمرأة بجانبهن ومساندتهن، ولكن مع تسريب البيانات في قضية “فيرمونت” عاد الخوف إليهن مجددًا، من تسريب بياناتهم أو تسريب معلومات عن حياتهن الخاصة لا يحق لأحد الاطلاع عليها.

وأوضح “ثروت”، أن القانون الخاص بحماية بيانات وخصوصية الشهود والمبلغات لم يصدر بعد، مشيرًا إلى أنه عند صدروه بشكل رسمي فهناك أزمة في انتقال البيانات أثناء التحقيق في النيابة، إذ أقرّ القانون بمنع البيانات والمعلومات إلا عن المتهم والضحية ومحاميهم.

وتابع أنه في القضية التي يتابعها حاليًا والمتعلقة بطبيب طنطا، فبدأ الطبيب بإبلاغ الصحافة بمعلومات وبيانات عن الضحايا، وتسريب معلومات عن حياتهن الشخصية للضغط عليهن.

وكانت عدة فتيات قد أدلين بشهادات حول تحرش أحد الأطباء النفسيين بمدينة طنطا بمرضاه، ومحاولة لمس أجزاء من أجسادهن تحت مصطلح “العلاج بالأحضان”، حتى قررت النيابة القبض على الطبيب، وحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات، لمواجهته بالتهم المنسوبة إليه في شهادات الفتيات، بعد تقدمهن ببلاغ رسمي في النيابة العامة.

ومن ضمن الاتهامات، تحرشه بهن وإيهامهن بالعلاج بالأحضان والتلامس، بدعوى أنها طريقة متبعة في العيادات والمراكز الطبية في بريطانيا والنمسا.