“التعليم”.. معاناة جديدة تضاف لأطفال “متلازمة داون”، فتحبط كل محاولات دمججهم اجتماعيًا، وتزيد من القيود التي تكبلهم لاستكمال حياتهم.

تبدأ رحلة العذاب للأهالي بدءً من هيئات التأمين الصحي، والمستشفيات الحكومية، والمدارس، لاستكمال أوراق الطفل المتقدم، للمدارس، لكن تغلق كل أبواب الأمل في وجوههم، وتبوء محاولات دمجهم مجتمعيًا عن طريق التعليم.

تستند أغلب المدارس إلى حجة أن الطفل تظهر على ملامح وجهه أنه من ذوي الإعاقة، على الرغم من عدم وجود أي قانون أو قرار في “التعليم”، يتخذ من ذلك مبررًا لرفضهم.

كل المدارس دامجة لذوي الإعاقة

ووفقًا للقرار الوزاري رقم ٤٢ لسنة ٢٠١٥ الخاص بقبول التلاميذ ذوي الإعاقة البسيطة في مدارس التعليم العام، والذي نص في المادة رقم “1” على أن كل المدارس دامجة بما فيها مدارس الفرصة الثانية.

ونصت المادة على أنه: “من حق التلميذ الذي تنطبق عليه الشروط أن يتم دمجه في أقرب مدرسة لمحل إقامته، على أن يكون سن الالتحاق بالصف الأول الابتدائي بمدارس الدمج من 6 لـ 9 سنوات وفقًا لقانون التعليم العام”.

كما نصت المادة، أيضًا:” على أنه يتم قبول الطالب الكفيف وهو من تقل حدة إبصاره عن 6/6 وكذا يقبل الطالب ضعيف البصر، والشلل الدماغي هو إحدى أنواع الإعاقات الحركية التي يتم قبولها بمدارس الدمج ويتم استثناء الحالات الشديدة والحادة منها من القبول بمدارس الدمج، كما تتضمن الإعاقة الذهنية كل من “سمات التوحد، متلازمة داون، الإعاقة الذهنية البسيطة، بطيء التعلم”.

50 ألف في العام لأطفال متلازمة داون

يعاني أهالي طلبة متلازمة داون من عدم قبول المدارس الحكومية لهم، ويلجأون للمدارس الخاصة والتي تستنزفهم ماديًا.

علي أمين، مهندس إلكترونيات يعمل في إحدى الشركات الدولية بمصر، يعيش في منطقة الشيخ زايد، لديه طفل من أبناء متلازمة داون، بحث كثيرًا عن مدرسة تقبل ابنه، لكن كان الرد دائمًا إما أنه لا يوجد فصول دمج أو أنه لا يوجد أماكن لطلبة جدد.

“أمين” ذهب لمدرسة خاصة في المنصورية بالهرم، لأنه وجدها خياره الأخير، وأكد على أن المدرسة تفرض عليهم أن يكون هناك “شادو” أي معلمة القدرات الخاصة ويتكفل أولياء الأمور لطلاب ذوي الإعاقة بمصاريفها، بالإضافة إلى مصاريف “الباص” الخاص بها.

يدفع المهندس الإلكتروني 2000 جنيهًا شهريًا “للشادو”، ومصروفات المواصلات التي توفرها المدرسة “الباص” حوالي 16 ألف في العام الدراسي، ومصروفات خاصة للإشراف على الطفل في العام الدراسي، وتصل مصاريفه إلى حوالي 50 ألف جنيهًا فأكثر.

“متلازمة داون” سُميت هكذا إلى العالم الذي اكتشف الحالة “كليفورد داون”، في عام 1866، وكان يسمى الطفل المصاب بها قبل ذلك الطفل المنغولي، بسبب التشابه الكبير بينهم وبين سكان منغوليا.

متلازمة داون تعرف في الأوساط الطبية بـ “متلازمة ثلاثي الكرموسوم”، ويشكل حجم المصابين بها حوالي 10 % من حالات الإعاقة الذهنية.

بين الرفض والخطورة تنمر يلاحق أبناء ذوي الإعاقة:

أحد أسباب رفض طلبة متلازمة داون هو أن ملامحهم مميزة توحي بكونهم من ذوي الإعاقة، أهمها العينين الضيقتين ونمو أقل من أقرانهم في مثل العمر.

“عزة عصام” صاحبة حضانة متخصصة في استقبال حالات متلازمة داون، افتتحتها عندما وجدت صعوبة في إلحاق صغيرها ويدعى “سليم” بحضانة، بسبب تعامل المجتمع معه بشكل قاسي، وتعرض الأطفال المصابون بها للتنمر.

“عصام” أكدت على أنه هناك مدارس عدة ترفض دمج أطفال متلازمة داون رغم قوة استيعابهم وقدرتهم على التعلم بشكل جيد، بسبب ملامحهم المميزة، لذا يلجأ الأهالي لتعليمهم في المنزل.

وعلى الرغم من محاولات عزة عصام المستميتة في البحث عن مدرسة لطفلها إلا أنه لم يتم قبوله، فقد حاولت مع المدارس القومية لكن جاء الرد بالرفض، وكان معها جواب قبول تم التأشير عليه من قبل وزير التربية والتعليم، وأيضًا من وكيل الوزارة بالإسكندرية.

تتذكر “إيمان الصباح” والدة عرض الأزياء صاحب الـ 18 عام “مصطفى نوفل” الجملة التي تتردد على ذهنها باستمرار “أولياء الأمور هيقولوا أنه خطر على ولادهم”، والتي قالها لها مدير المدرسة التي يذهب إليها طفليها.

“الصباح” رغبت في أن يكون ابنها بالقرب من أشقائه، لكن كان رد مدير المدرسة حاسمًا بالرفض، لذا اضطرت أن تذهب به إلى المدرسة الفكرية بكفر الزيات، على الرغم من بعد المسافة بين المدرسة والمنزل.

الرحلة من المنزل إلى المدرسة والعكس شاقة، لكنها مضطرة إليها بسبب رفض المدارس له دون توضيح للأسباب.

في جروب “مدارس دمج وتجارب أمهات” تعالت صرخات أولياء الأمور بسبب عدم الاهتمام بأطفالهم في المدارس التي بها فصول دمج، وتواجد الأطفال في فصول غير مؤهلة، واشتكت أخرى يعاني ابنها من فرط حركة وذهب لمدرسة دمج لكنه لم يستفيد أي شيء.

الدكتورة مايسة فاضل، أستاذة علم النفس التربوي، قالت إن المدارس تتهرب من استقبال طلبة الدمج إما عن طريق إجراء اختبارات غير المنصوص عليها من قبل وزارة التربية والتعليم، أو عن طريق تأخير الأهالي عن موعد التقديم بطلبات إضافية، ويحدث ذلك بكثرة في المدارس الخاصة.

الدكتورة إنجى مشهور، مساعد وزير التربية والتعليم لشئون الإعاقة، قالت إن اللائحة التنفيذية للمدارس الخاصة بها إجراء مقابلات شفهية معهم وأكدت أنه لا يعقل أن يتم فرض عدم إجراء هذه المقابلات.

مساعد وزير التربية والتعليم لشؤون الإعاقة، أكدت على أنه هناك بعض أولياء الأمور يزورون شهادات الدمج لخداع المدرسة لقبول أطفالهم، وكان هناك تجارب سابقة لمدارس مع أطفال الدمج لا تسمح حالتهم بالتواجد بداخلها.

“مشهور” اختتمت حديثها مؤكدة على أنه هناك بعض المدارس لها رؤية للقبول، وأن التقرير الطبي لا يلزم المدارس الخاصة بقبول طفل الدمج من عدمه، ومن ثم يصبح لهم حرية الاختيار.

الدكتور فتحي الشرقاوي، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أكد على أن دمج ذوي الإعاقة من الأطفال، خاصة أبناء “متلازمة داون” يحسن من سلوكهم، ويكسبهم مهارات جديدة بشكل يومي يتعلموها من أقرانهم، كما يساعد على تحسين نفسيتهم واكتساب مهارات اجتماعية جديدة، بدلًا من تدهور الحالة نظرًا لانعزالها.

أستاذ علم النفس أكد على أن المدارس لا يوجد بها معلمين قادرين على التعامل مع الطلبة من أبناء متلازمة داون، لذلك لا ينجح أغلب الأطفال في تلك التجارب، بدلًا من أن يزيد ثقتهم بالنفس، ويشعرون بأنهم مؤثرين في المجتمع.

صلاح بخيت، محامي بالنقض والدستورية العليا، قال إن قرار رفض أبناء متلازمة داون على الرغم من قدرتهم على المشاركة المجتمعية يعد منافي للقانون، مؤكدًا على أن القانون رقم 10 لعام 2018 لذوي الإعاقة ينص على ضرورة توفير التعليم لذوي الإعاقة باعتباره من الحقوق الأساسية لهم.

“بخيت” أشار إلى أن المادة الخاصة بالدمج تنص على “تلتزم وزارة التربية والتعليم بتطوير مدارس التربية الخاصة القائمة مع الالتزام بالمعايير الدولية لجودة هذه المدارس وتوفير المقررات والمناهج الدراسية والمعلمين والأخصائيين المدربين والمؤهلين، لذلك وفقًا لكل إعاقة، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون قواعد ولوائح التطوير والجهات المسؤولة عنها”.

وأنه في حالة الإخلال بتلك المادة يعد ذلك تمييز، ومخالفة للقانون، يعاقب عليه رافضي التحاق أبناء متلازمة داون بـ “الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه، ولا تجاوز 50 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين”.