تمر العلاقات العربية- الإسرائيلية بأفضل أحوالها منذ عقود طويلة، وانفرطت حبات العداء، أسفل أقدام التطبيع.

ورغم دخول العرب في تطبيع وعلاقات قوية “غير مشروطة” مع إسرائيل، إلا أن الشعوب العربية، والتي أظهر جزء منها –على غير العادة- ترحيبًا بهذا التطبيع، لا يوجد لديها معلومات عن المجتمع الإسرائيلي الذي قرر قبوله بالمنطقة ودمجه معهم، فلاتزال صورة مجتمع إسرائيل في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، هي المتأصلة في الأذهان العربية حتى الآن.

وفى سطورنا التالية نعرض ملامح المجتمع الإسرائيلي، وحقيقة الصورة التي يقدمها عن نفسه، من خلال وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، والتغيرات التي طرأت عليه منذ عقود.

تغيير الفكر الصهيوني داخل إسرائيل

قامت إسرائيل على الفكرة الصهيونية المتعلقة بإقامة دولة لليهود بأرض فلسطين، باعتبارهم شعب الله المختار، وكانت القوة العسكرية، وشبكة العلاقات مع الغرب هي الأساس التي اعتمدت عليها إسرائيل لتحقيق تلك الغاية، ولكن مع اختلاف المجتمع الإسرائيلي تغيرت تلك المفاهيم، وباتت الحركة الصهيونية داخل إسرائيل ليست بنفس قوتها الماضية.

ويوضح الدكتور سامح عيد، الباحث في الشأن الإسرائيلي، أهم ملامح التغيرات داخل إسرائيل، قائلًا: ” إن المجتمع الإسرائيلي تسيطر عليه العديد من التوجهات حاليًا، وأزمته الحقيقة أنه أصبح غير متلاحم، ففي البداية كانت الكلمة للتيار الصهيوني المتشدّد، والذي كان يعتمد على تفوق الجنس اليهودي، وضرورة الدعم الدولي لإسرائيل من أجل قدرتها على البقاء، ثم ظهرت حركة السلام الآن، والتي كانت تدعو للسلام مع فلسطين في الثمانينات والتسعينات، ومع الألفية الجديدة وحتى الآن باتت الكلمة لليمين المتطرف”.

تابع قائلاً:” إن اليمين في إسرائيل منقسم ما بين متشدّد وصهيوني وآخر استيطاني، وبالنسبة لليمين المتشدّد فهو ذات اتجاه علمي، أما اليمين الصهيوني فاتجاهه ديني يسعى لإقامة دولة اليهود من النيل للفرات، واليمين استيطاني، وهو يدعم إقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية ويرفض السلام مع العرب”.

يستطرد “عيد”” يوجد أيضًا اليسار، وينقسم إلى يسار شيوعي ومتطرف ووسط، وفي وقتنا الحالي يسيطر اليمين العلمي المتشدّد على الساحة الإسرائيلية”.

الاتجاهات المختلفة في دولة صغير ،مثل: إسرائيل يصل عدد سكانها إلى 8.5 مليون نسمة، بينهم نحو نصف المليون عرب، جعل فكرة التوحد حول هدف واحد غاية في الصعوبة، وبات الشباب الإسرائيلي يبحث عن فكرة الاندماج في المجتمعات العادية وترك إقامة دولة اليهود كمسؤولية لقيادات الدولة، خاصةً في ظل صراعات ما بين مؤيدي الاستيطان ورافضيه، ومؤيدي التصالح مع العرب ورافضيه”.

انكماش إسرائيل ودور قطر في تنفيذ توسعها الإيدلوجي

ويكشف “عيد” المتغيرات الإيدلوجية التي تعرضت لها إسرائيل، قائلًا:” الأحلام الصهيونية التي ولدت مع إنشاء الحركة الصهيونية عام 1897، وفكرة إقامة دولة اليهود على الأراضي الفلسطينية عام 1967، لم تستمر بفضل حرب 1973، التي تعتبر حتى اللحظة، كلمة السر في التغيرات الإسرائيلية”.

يتابع الباحث في الشأن الإسرائيلي:” كانت إسرائيل قبل 73، تسيطر على رقعة جغرافية كبيرة، سيناء في مصر، وهضبة الجولان السورية، والأراضي الفلسطينية، وجزءًا من جنوب لبنان، والأردن، تلك المساحة التي كانت تمثل نصف مساحة بلاد الشام، اليوم لم تعد موجودة بتحرير أرض سيناء، وانسحاب قوات الاحتلال من الأردن، وقطاع غزة، وجنوب لبنان”.

يكمل:” تغيرت الاستراتيجية الاستعمارية للمجتمع الإسرائيلي، وتحول من التوسع الاستعماري للتوسع الأيدولوجي، فباتت تعمل على أن تكون نموذج للأقليات في المنطقة يحتذى به، وعملت على تأكيد فكرة دولة الأقليات بديلًا للدولة الدينية، فساهمت في تكوين دولة للأقلية المسيحية جنوب السودان، كما تحاول إقامة دولة كردية في العراق، وسوريا، وتركيا، وإيران، بخلاف دولة مسيحية لأقباط مصر”.

ويوضح الباحث: ولكي تحقق إسرائيل مبتغاها في اختراق المجتمع الخليجي الذي كانت تسعى لاختراقه، اختارت دولة صغيرة تسعى للتسيد، وهي قطر، الدولة الصغيرة في المساحة والمتوسعة في الأيدلوجية، ونجحت إسرائيل في استقطاب قطر، بل وساعدتها لتكون كيانًا مؤثرًا على غرار إسرائيل، وهو ما نراه الآن، من تواجد قطر في العديد من القضايا الشائكة، مثل: مباحثات حماس، وإسرائيل ومؤخرًا كانت وسيط التصالح بين طالبان والحكومة الأفغانية بخلاف علاقتها مع إيران وتركيا، لتكسر إسرائيل من خلال قطر قاعدة التأثير للدول الكبرى فقط”.

العلاقات مع العرب

لم ينس الكيان الإسرائيلي عدائه مع العرب، وعكس المتداول فإن السلام مع العرب غير متفق عليه داخل أروقة إسرائيل، وحول هذا، يقول سامح عيد: “اتجاهات السلام مع العرب تشهد اختلافًا في الرؤيا داخل المجتمع الإسرائيلي، فاليسار واليمين الوسطى يرحبون بالسلام مع العرب، أما المتشددون من التيار الديني يرفضون هذا السلام، لأنه يمثل وفقًا لعقيدتهم خطرًا على وجود الدولة، وانصهار للثقافة والهوية الإسرائيلية داخل الهوية العربية التي تعد أقوى بكثير”.

يشير إلى أنه من جهة أخرى تعمل إسرائيل على الاندماج داخل المجتمعات العربية من خلال النفوذ الاقتصادي والأمني، وليس العسكري كما اعتادت، خاصةً وأنها فشلت في استغلال ثورات الربيع العربي لإحداث هذا الدمج.

العنصرية تحكم المجتمع الإسرائيلي

قامت دولة إسرائيل على عقيدة التمييز التي كانت ترى اليهود أصحاب الأرض والسيادة، تلك النظرة التي استمرت حتى الآن، وتغلغلت في تعامل اليهود بعضهم البعض.

ويقول “عيد “عن تلك العنصرية: “إسرائيل تمثل نموذج العنصرية في جميع أنحاء العالم، فعند النظر لليهود، نرى أن اليهود “الإشكيناز” أصحاب الأصول الغربية، مميزون عن غيرهم من اليهود الآخرون، فهم أصحاب النفوذ والمناصب العليا بإسرائيل، ولهم حقوق لا حصر لها في التعليم، والصحة، والسكن، بينما يأتي في المرتبة الثانية اليهود العرب ويهود إيران، وهم ممنوعون من المناصب القيادية، وتمثيلهم في الكنيست ضعيف جدًا وغير مؤثر، خاصة عرب 48،  إذ يمنعون من دخول الجيش الإسرائيلي، ويتقلدون مناصب ليست قيادية، مثل: نواب الوزراء، ومؤخرًا حاولت إسرائيل تغيير تلك الصورة بتعيين وزراء من أصول عربية ولكن العنصرية ضدهم لاتزال قائمة”.

يضيف: أيضًا بدو إسرائيل يتعرضون لاضطهاد كبير، فدائمًا تهدم مساكنهم، ولا يتولون أي مناصب بالدولة، ولا تمثيل لهم في الكنيست، وممنوعون من تملك الأرض، وفي حال التحاقهم بالجيش يتم تسريحهم في الخدمة الشرطية، فيما يعتبر اليهود الأفارقة الأكثر اضطهادًا وتقليلًا بين يهود إسرائيل، إذ يسكنون الأحياء الفقيرة، ويمنعون من العمل بالوظائف المرموقة، وتمثيلهم داخل الكنيست ضعيفًا، وكذا المخصصات المالية لهم، مثل تلك المخصصة للإثيوبيين”.

وتابع قائلاً: “يوجد أيضًا عنصرية ضد المرأة، فوفقًا للصحف والتقارير الإعلامية الإسرائيلية، فإن تعرض المرأة في إسرائيل للقتل والاغتصاب والضرب يزيد من عام لآخر ويعاني من معدلات مرتفعة، هذا بخلاف إن النساء في إسرائيل لا يصلون للمناصب العليا إلا في حدود ضيقة، ويتم التعامل مع المرأة لدى المتشددين بإهانة ويعتبرونها كائنًا مكملاً للمجتمع وليس أساسيًا”.

أكذوبة الحريات في إسرائيل

تقدم إسرائيل نفسها باعتبارها مجتمع الحريات التي لا حدود لها، ولكن الحقيقة إن الإسرائيليون يعانون من القيود في تناول العديد من الأعمال سواء من حيث الدراما أو الصحافة.

فهامش الحريات في إسرائيل مقيد باعتبارات عدة، منها: منع تناول الجيش الإسرائيلي بأي طريقة داخل وسائل الإعلام، وممنوع الحديث عن أي شأن عسكري، الأمر نفسه بالنسبة للقضايا الأمنية والسياسية، جميعها تقع تحت الرقابة قبل العرض أو النشر، وفي حال اكتشاف مخالفة الأوامر يتم مصادرة الصحيفة والتحقيق مع جهة النشر.

مجتمع إسرائيل الهش

على عكس المطروح حوله، يعاني المجتمع الإسرائيلي من مشكلات عدة، يحاول إخفاؤها للظهور بالشكل الجاذب وليس الطارد لليهود، فعلى المستوى الاقتصادي، يقول سامح عيد:  هناك مشكلات اقتصادية كبيرة تضرب إسرائيل حاليًا، وجعلت الاقتصاد الإسرائيلي يعاني ركودًا كبيرًا، الأمر الذي جعل إسرائيل تنظم 3 انتخابات برلمانية في أقل من عامين، الأمر الذي يتعارض مع أسس الدول الديمقراطية.

ويضيف يعاني أيضًا المجتمع الإسرائيلي من مشكلات وخلافات سياسية جعلته يفشل في تشكيل حكومة متوافقة منتخبة، بخلاف أزمة كبيرة تعاني منها إسرائيل وهي ظاهرة النزوح من إسرائيل، الأمر الذي تكرر في عدة وقائع خلال الفترة الماضية، ورغم أنه في حدود ضيقة إلا أنه يثير القلق لدى القادة السياسيون، خاصة وأن غالبية الإسرائيليون لديهم جنسيات مزدوجة”.

ويفسر “عيد” ظاهرة النزوح من إسرائيل بأنها بسبب المشكلات الاقتصادية في المقام الأول، ثم المخاوف الأمنية، والتشدد الديني لدى المجموعات الصهيونية.