“لا تراخيص بدون تحريات أمنية”.. شعار ترفعه الحكومة المصرية منذ فترة طويلة في وجه الجاليات الأجنبية التي تريد العمل والاستثمار في مصر، لكنه عاد إلى التداول مرة أخرى بين أبناء الجالية السورية في مصر، بموجب تعليمات جديدة تفيد بعدم إصدار أي تراخيص جديدة لمحال تجارية يملكها السوريون إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الداخلية.
ووجهت وزارة التنمية المحلية، المحافظين، بعدم إصدار أي تراخيص جديدة لمحال تجارية يملكها سوريون أو مشاركتهم في مشروعات تتبع مصريين إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، وكذا سرعة موافاة الوزارة ببيان بأسماء السوريين الحاصلين على تراخيص يتضمن الاسم ورقم الجواز ورقم الترخيص ونوع النشاط والموقع المقام به النشاط.
يبلغ عدد السوريين الذين قصدوا مصر حتى نوفمبر2018، نحو 242 ألف شخص، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في حين تقول القاهرة إن عددهم أكثر من ذلك.
وبحسب بيان لوزارة التنمية المحلية، فقد تلاحظ قيام السوريين مؤخرا بافتتاح سلسلة المحلات التي يمتلكونها خلال فترات قصيرة من بدء النشاط رغم معاناتهم من ضعف مواردهم المالية في بداية إقامتهم بمصر، ثم تظهر عليهم آثار الثراء فجأة فيقومون بشراء المحال التجارية ذات المواقع المهمة من ماليكها بمبالغ كبيرة غير معلوم مصدرها، وسط تقديرات تشير إلى قيام دولة قطر بتمويلهم من خلال جماعة الإخوان ليكونوا كيانا اقتصاديا جديدا للجماعة يمكنهم من المشاركة في تمويل أنشطتهم المحظورة داخل وخارج مصر.
وبموازاة ذلك، شدد البنك المركزي المصري على البنوك العاملة في السوق المحلية بمتابعة ورصد الحركة على الحسابات البنكية التي يمتلكها عملاء سوريون الجنسية، في ظل الملاحظات الحكومية بتضخم أموال السوريين المقيمين في مصر.
وتشير الأرقام الصادرة من الأمم المتحدة إلى أن إجمالي الأموال التي استثمرها السوريون في مصر منذ اندلاع الأزمة في بلادهم في مارس عام 2011 يقدر بنحو 800 مليون دولار، من خلال 30 ألف مستثمر مسجل بالفعل لدى السلطات المصرية.
“خوف مشروع من الإخوان ولا عتاب على الحكومة”
تلك القرارات لم تتسبب في قلق القطاع الأكبر من الجالية السورية على مستقبلها الاقتصادي في مصر، كما لم تصب أي سوري يتبع الإجراءات القانونية بالذعر، حسبما يؤكد تيسير النجار، رئيس الهيئة العامة للجالية السورية في مصر.
“القرار ليس جديدا بل تشديدا على ما كان يحصل في السابق، والموافقات الأمنية حق أصيل، وهذا دور الحكومة المصرية”، يوضح “النجار” حيثيات منع إصدار تراخيص مزاولة النشاط التجاري واستئجار المحال التجارية للسوريين بدون الحصول على موافقات أمنية، مؤكدا أن الموضوع سيادي بحت ويمس الأم القومي لمصر وليس مقصودا به إقصاء السوريين وإعاقة نشاطهم الاستثماري.
وتابع: “اللي يعرف نفسه نضيف لا يقلق، ولا يوجد عتاب على السلطات، هذا نظام ارتضاه الجميع والاحتياط واجب”.
وشرح رئيس هيئة الجالية السورية في مصر أن تعقب مصادر الأموال معروف منذ بدء تدفق السوريين على مصر منذ 2013، مرجعا ذلك إلى الظروف الإقليمية الصعبة ووجود أعداء كثر لمصر، لذا يوجد من يحاول باستمرار في النفخ في العلاقة وتأجيج الأحداث بين اللاجئين والحكومة المصرية، مستندا إلى أن النظام العالمي كله يعامل السوريين بنفس المعاملة.
وزاد: “هذا تخوف مشروع من الإخوان، والحكومات المساعدة لهم، لكن نحن جنود في أمن مصر وليس لنا علاقة أو اتصالات خارجية مع أي نظام معاد لأمن مصر، نحن جدا أمان لكم”.
“صنعة من اليد أمان من الفقر”
وتطرق “النجار” للحديث عن أسباب الحراك التجاري اللافت بين أبناء الجالية، حيث رصدت السلطات المحلية افتتاح سلاسل تجارية في أحياء مختلفة بالقاهرة والجيزة خلال العامين الماضيين، مؤكدا أن السوري يختلف عن أي جنسية أخرى، لأنه طوال حياته يفكر في حياته وشغله الخاص وتأمين مستقبله رافعا شعار “صنعة من اليد أمان من الفقر”، لذا يمتهنون مهن كثيرة ويطورون حياته باستمرار.
ودافع عن وجود شبهات حول تدفق رؤوس الأموال قائلا: “الأغلبية السورية ليسوا فقراء وهناك أموال مخبأة لوقت الضيق، فلن نمد أيادينا في الشحاذة، اعتدنا على خلق الفرص ولا ننتظرها، لذا الرجال والنساء والأطفال جميع أفراد الأسرة يعملون في كل المهن”، مشددا على أن الثراء ليس دليلا على انتماء البعض لتنظيم الإخوان بل هي أموال أسر كبيرة ومدخرات تزداد سنة بعد أخرى، حيث إن الاستقرار يولد الرفاهية.
وقسّم أوضاع السوريين في مصر إلى 3 فئات: فئة ثرية جاءت إلى مصر بأموالها كاملة وفتحت المشاريع، والثانية هي الفئة الوسطى من مهن وخبرات وأيدي عاملة اكتسبت خبرة في مصر، والفئة الثالثة هربوا بأرواحهم فقراء ينقصهم الرجال نساء بلا معيل وشيوخ عاجزة عن العمل يلجأن إلى الطبخ المنزلي يحتاجون إلى مساعدات وهم حوالي 10-15% من نسبة السوريين”.
اقتصاديا، تكشف حركة النشاط الاقتصادي في مصر أن السوريين يحققون نجاحات حقيقية على مستوى قطاعات “المأكولات والأزياء والعطور” بناء على فهمهم لطبيعة المجتمع المصري واحتياجاته، لذا حققوا وجودهم سريعا في المأكولات والملابس، وفقا للخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب.
وقدر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤخرا أن الحد الأدنى من مساهمة السوريين في الاقتصاد المصري، وصل إلى 800 مليون دولار على شكل استثمارات.
وبحسب وزارة الاستثمار، يقدر عدد رجال الأعمال السوريين المتواجدين في مصر بـ 30 ألفا، ساهموا منذ 2012 بتأسيس 565 شركة، برأسمال قدره 164 مليون دولار، وارتفع العدد إلى 1254 شركة في 2013، برأسمال قدره 201 مليون دولار.
وتتركز استثمارات السوريين في صناعات الغزل والنسيج والصناعات التكاملية، مثل الإسفنج والورق والصناعات البلاستيكية، إضافة إلى الصناعات الدوائية البسيطة، وصناعة الأثاث والمفروشات، والمنتجات الغذائية والنشاط التجاري والخدمي.
ويوضح “عبدالمطلب” أن الاستثمار السوري الذي تخطى مليار دولار يمثل إضافة للاقتصاد المصري، كما يعطي مبررات للحكومة في أزمة البطالة، فكيف لجالية أن تصنع لنفسها هذا النجاح بينما يفشل بعض أبناء الوطن في البحث عن فرصة عمل.
محاولة لإرضاء المصريين
وأرجع عبدالمطلب التحرك الأخير من الحكومة تجاه استثمارات السوريين إلى شعور قطاع غير قليل من المصريين العاملين في المأكولات والملابس بالضيق من المنافسة السورية وهو ما أثار حفيظتهم من هذا النجاح، لذا عبروا عن تململهم للجهات المعنية حتى جاءت الاستجابة بصيغة موافقات أمنية في التصاريح التجارية.
وتابع: “القرار ليس له إلا تفسير واحد وهو محاولة إرضاء المصريين الذين يعانون في هذه القطاعات”، مستبعدا تفكير الجالية السورية في الانكماش والخروج من السوق المصري إلى تركيا وغيرها من البلاد، بل سوف يكون لديهم القدرة على التأقلم مع القرارات الجديدة”.
وعلق على ربط زيادة الاستثمار السوري بالتنظيمات الإخوانية والقطرية قائلا: ” استبعد الشبهات في رأس المال السوري، هم شرفاء يحاولوا بناء حياة جديدة مستقرة لهم في وطن جديد لهم بعد الشتات الذي فرضته الحرب في بلادهم، لكن المنافسة تخلق أعداء من أبناء الوطن، وهو ما حدث من بعض الدول الأوروبية التي ترفض احتضان اللاجئين خوفا على الهوية وضياع العادات”.
السوري غير المصري
ورفض تيسير النجار الخطاب المستخدم عن التنافس بين السوريين والمصريين على لقمة العيش، قائلا: “السوري غير منافس للمصري، هو يبحث عن مهن غير موجودة وإذا أتقن المهنة يجيدها، لدينا اختصاصات عالية وأصحاب خبرات، ووجودنا في مصر لا يثير الضغائن لدى المصريين، بل نشعر بالإشادة باستمرار من المصريين أنفسهم بمطاعمنا ونظافتنا وجودتنا وأناقتنا”.