منطقة عملاقة للأثاث، مشروع قومي متكامل، يدعم صناعة وحرفيي الأثاث في دمياط، وينمي آليات ووسائل التسويق خارجيًا وداخليًا، يزيد من مساهمة صناعة الأثاث في الناتج القومي لتصل إلى 40 مليار جنيه داخليًا، ويرفع حجم صادرات الأثاث إلى 2 مليار جنيه سنويًا.
خطط طموحة، ودعاية كبيرة ارتبطت بمشروع مدينة دمياط للأثاث، كأحد المشروعات القومية التي نفذت خلال السنوات الثلاث الماضية، خطط تعلقت بها آمال صناع وحرفيي الأثاث بالمحافظة للخروج من حالة الركود التي تشهدها صناعة الأثاث منذ سنوات، لكن إلى أي مدى استطاع المشروع أن يخطو خطواته الأولى في الطريق الذي رسم له؟
تنمية أم استمرار للركود
” المدينة تحولت من مشروع لدعم صناعة الأثاث والحرفيين بالمحافظة إلى مشروع استثماري، لقد أحسسنا هذا منذ الأشهر الأولى، عندما اكتشفنا أن سعر الورشة وصل لـ700 ألف جنيه”، هكذا يجيبنا أحمد علي، صاحب إحدى الورش بمدينة دمياط للأثاث.
يضيف “علي”: “حتى بمعايير الاستثمار هذا مشروع فاشل، مكان بعيد، لم تنفذ 90% من المنشآت التي وعدوا بها، فلا محال ومخازن لتوفير الخامات، ولا حتى وسائل مواصلات ولا سيارات نقل متوفرة لنجلب الخامات إلى ورشنا الجديدة المعزولة عن الحياة”.
ويكمل قائلاً: “لقد نُقل الركود من ورشنا القديمة بدمياط إلى المدينة الجديدة، لم يحدث أي تغيير لا زلنا نعتمد على زبائننا القدامى، طلبيات صغيرة ومحدودة، نفس طرق التسويق القديمة، شيء واحد تغير، أن تكلفة منتجاتنا زادت بسبب نقل الخامات لمدينة الأثاث الجديدة، ثم نقل المنتجات إلى المعارض بمحافظة دمياط، ما قلل من هامش أرباحنا”، مشيرًا إلى إغلاق معظم الورش، حتى أصبحت مدينة دمياط للأثاث مدينة “مهجورة”، بحسب تعبيره.
المساهمون والهيئة المشرفة
“مدينة دمياط للأثاث”.. هي شركة مساهمة مصرية تأسست عام 2016، وأنشئت في يناير 2017، وتتكون الشركة من عدد من المساهمين، هم: محافظة دمياط بنسبة 34%، وبنك الاستثمار القومي 45%، وشركة أيادي مصر للتطوير الحضري 17% ، والهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية 4%، وهو الهيكل الحالي للمساهمين.
وبحسب ما أعلنته محافظة دمياط آنذاك، فإن الشركة أُسست برأس مال 5 مليارات، ورأس مال مصدر 521 مليون، منها الحصة العينية لمحافظة دمياط ـ قيمة مساحة أرض المشروع والتي تبلغ 331 فدانًا، ويشرف على بناء المشروع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، إدارة الأشغال العسكرية.
لم يراع صغار الحرفيين
إيهاب أبو رية، عضو بمجلس إدارة الجمعية التعاونية للأثاث بدمياط، وأحد أصحاب الورش بدمياط القديمة، يقول: “لم يتمكن الكثيرين من صغار الحرفيين بدمياط، من تملك ورش بمدينة دمياط للأثاث الجديدة، لارتفاع الأسعار التي وصلت إلى 700 ألف جنيه للورشة، وهو مبلغ كبير خاصة على إمكانيات شباب الحرفيين بدمياط، فالمشروع لم يراع صغار الحرفيين رغم تأكيد المسؤولين أنهم إحدى أولويات المشروع “.
نقص الخامات
لكن ارتفاع الأسعار لم يكن السبب الوحيد الذي منع الكثير من أمهر الحرفيين بالمحافظة من السعي لتملك ورش بمدينة دمياط للأثاث، فمن وجهة نظر “أبو رية”، عجز إدارة المدينة عن تحويلها حتى الآن إلى مشروع متكامل يضم إلى جانب ورش صناعة الأثاث، محال وورش ومصانع للخامات والصناعات التكميلية التي تحتاجها صناعة الأثاث، وفشل إدارة المدينة في إيجاد وسائل مبتكرة للتسويق، وتعثر إتمام خطط إنشاء مولات تجارية لعرض المنتجات، هي الأسباب الجوهرية التي جعلت الحرفيين وأصحاب الورش يفكرون ألف مرة قبل نقل ورشهم إلى المدينة الجديدة، فبُعد المكان ونقص الخامات يضيف معاناة أكثر من تلك التي كانوا يعانونها في ورشهم بدمياط القديمة.
تجار وسماسرة
ويقول سيد الشرايدي، صاحب إحدى الورش بمدينة دمياط الجديدة: “مفيش شغل في المدينة الورش تقريبًا متوقفة، نشتغل نفس الشغل اللي كنا نعمله في ورشنا بدمياط القديمة، ونعتمد على التجار اللي يشتروا مننا الشغل، واللي تعبنا كله يروح ليهم، أو السماسرة اللي يجبولنا زبون كل فين وفين، وبردوا يستنزفونا في العمولة”.
ويضيف: “من أكتر من سنة عملنا شغل الأثاث لوحدات مشروع “الأسمرات” للإسكان الاجتماعي بالمقطم ، و”بشاير الخير 3″ بالإسكندرية، وكان شغل كويس تكلفته بسيطة ومكسبه حلو لكن الكلام ده كان من أكتر من سنة ونص، من وقتها ما عملناش أي شغل جملة، وحالنا واقف”.
الإضرار بسمعة الأثاث الدمياطي
لكن صاحب إحدى الورش بـ “مدينة دمياط للأثاث” فضل عدم ذكر اسمه، يرى أن العمل الذي قاموا به للأسمرات وبشاير الخير، أضر بسمعة الصناعة في دمياط، موضحًا: “سعر أثاث الشقة كاملة، والذي حدده الإسكان الاجتماعي لم يبلغ سعر غرفة واحدة، هذا اضطر أصحاب الورش إلى اختيار أرخص أنواع الخامات، إضافة إلى أن الأثاث الذي صممناه لم يكن به حرفية عالية في الموديلات، لأن هذا معناه ساعات عمل أكثر وبالتالي نفقات أكثر، ما كان من شأنه أن يأكل هامش أرباحنا من المشروع”.
ويؤكد، أن عيوب “الأثاث” الذي مدت ورش المدينة به مشروعات الإسكان الاجتماعي، ستظهر في خلال فترة ليست بالطويلة، وهو ما سيؤثر على سمعة المدينة، وسمعة صناعة الأثاث في دمياط كلها، والتي تعتبر “براند” لصناعة الأثاث ليس في مصر فقد بل وفي العديد من الدول.
ويضيف، أنهم تحدثوا مع إدارة المدينة في هذه النقطة واتفقوا على أن يكون هناك توازن بين الأسعار والجودة، في المراحل المقبلة من مشروعات الإسكان الاجتماعي، للحفاظ على الأسعار المناسبة لطبيعة تلك المشروعات وسمعة المدينة.
ويستكمل: حديثنا مع إدارة المدينة كان حرصًا على استمرار عملنا بمشروعات الإسكان الاجتماعي فنحن لا ننكر أن قيامنا بعمل الأثاث لوحدات مشروعي “الأسمرات” و”بشاير الخير 3″، كان له عائد جيد، استطعنا أن نسد بعض ديوننا لتجار الخامات وندفع أجور الحرفيين، والأقساط المستحقة من أسعار الورش، لكن ذلك لم يدم، فمقابل بعض الأرباح التي حصلنا عليها نعاني من الركود منذ أكثر من عام”.
بروتوكولات لم تنفذ
ويقول أحد الحرفيين الشباب بالمدينة، وشريك في إحدى الورش: “منذ تنفيذ طلبيات الأسمرات وبشاير الخير 3، منذ أكثر من عام ونصف، ونحن نسمع كل يوم من إدارة مدينة دمياط للأثاث ومن مسؤولي المحافظة عن توقيع بروتوكولات مع المنطقة العسكرية الشمالية، لكي نقوم بعمل الأثاث لوحدات مشروع بشاير الخير 5، على مرحلتين المرحلة الأولى 10 آلاف وحدة والمرحلة الثانية 5 آلاف وحدة، لكن شيء لم يتم حتى الآن، وقد علمنا من بعض الموظفين بالمدينة أن المشروع بدأ بالفعل ولكن تم التعاقد مع مصانع موبيليا خارج المدينة”.
استكمال الإنشاءات ومشكلات التسويق
تتركز أغلب المشكلات التي رصدها التقرير على لسان أصحاب الورش والحرفيين، حول توقف الإنشاءات داخل “مدينة دمياط للأثاث”، ونقص الخامات والتسويق، وهي جميعها مشكلات متشابكة ومرتبطة بعضها البعض.
فإتمام الإنشاءات من محال وورش للخامات والصناعات التكميلية لصناعة الأثاث، سيحل مشكلة نقص الخامات وتكلفة نقلها إلى ورش المدينة، وبالتالي سيزيد من هامش الأرباح لأصحاب الورش، واستكمال المرافق وإنشاء مولات مجهزة بمعارض للمنتجات، كما أعلن عنه في بداية المشروع، سوف يجذب الزبائن والتجار وسوف يُنعش حركة البيع ما سيؤدي إلى انتعاش الصناعة كلها، وتشجيع الحرفيين وأصحاب الورش بدمياط القديمة إلى نقل نشاطهم إلى “مدينة دمياط للأثاث” وانضمامه إلى النشاط الرسمي، إذ تندرج نسبة كبيرة من الورش بدمياط القديمة تحت غطاء الاقتصاد “الموازي”.
لكن من الواضح أن أغلب هذه المشروعات قد تبخر في الهواء، فرغم الإعلان منذ عامين عن إنشاء “مول” كبير على مساحة 30% من الأرض المخصصة للمدينة ليكون نقطة تسويق لمنتجات الأثاث الدمياطي وملتقى لصناع الأثاث بالمحافظة، على غرار مناطق شبيهة في الصين وتركيا وبلاروسيا، إلا أن شيء لم يتم حتى الآن، فالمفاوضات التي كانت جارية مع شركة “الحكير” السعودية لإنشاء المول والذي كان من المقرر أنه سيضم 300 معرض تجاري و4 قاعات للسينما، وكافتيريات، ومركز ترفيهي وآخر دولي للمؤتمرات، وقاعات احتفالات، يبدوا أنها توقفت تمامًا.
تراجع الصادرات
إنشاء شركات للتصدير داخل “مدينة دمياط للأثاث” كانت أحد الآمال التي ارتبطت بالمشروع والتي أُعلن عنها في بدايته، بهدف دعم وزيادة صادرات مصر من الأثاث، والتي تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية حيث بلغت خلال الـ 7 أشهر الأولى من العام الحالي 2020، نحو 122 مليون دولار، مقابل 167 مليون دولار عام 2019، بتراجع نسبته 26%، بحسب المجلس التصديري للأثاث.
هذا الأمل هو الآخر قد تبخر، فبحسب عدد من أصحاب الورش، فقد ماطلت إدارة “مدينة دمياط للأثاث” في طلباتهم، بإنشاء شركات تصدير بالمدينة مكونة من تكتلات من الحرفيين وأصحاب الورش.