حرية الإبداع الفني والأدبي، هي إحدى الحريات الذهنية والتعبيرية التي تكفلها نصوص المعاهدات والمواثيق الدولية، والدساتير الوطنية، وهي جزء أصيل وفرع رئيسي من فروع حرية الرأي، إلا أن قلقًا يتنامى وسط المعنيين بحرية الإبداع، حول تقييد تلك الحرية لأسباب سياسية، واقتصادية، وثقافية، وأخلاقية.

المعاهدات والمواثيق الدولية

حرية التعبير والإبداع أحد الحقوق الأساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ تنص المادة 19 (فقرة 2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 على أنه: “لكل إنسان حق في التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.

كما تنص المادة ١٥ فقرة 3 مـن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، على أن الدول “تتعهـد باحترام الحرية التي لا غنى عنها للنشاط الإبداعي”، كما تنص اتفاقيات عديدة على الحقوق الثقافية، والحرية الإبداعية، مثل: المادة 14 من بروتوكول الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، الملحق بالاتفاقية الأمريكيـة لحقـوق الإنـسان، والمادة ٤٢ من الميثـاق العربي لحقوق الإنسان، والميثـاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

حرية الإبداع في الدساتير المصرية

يمكننا أن نقول إن الدستور المصري كان سابقًا على المواثيق الدولية في مجال حرية التعبير والإبداع إذ نص دستور 1923 في مادته رقم 14 على أن: “حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن فكره بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو بغير ذلك في حدود القانون “.

وإذا كان دستور 1923 قد قيد هذه الحرية بما يحدده القانون، وجاءت جميع الدساتير التالية بصياغات متقاربة من صيغة دستور 23، إلا أن دستور 1971، قد أحدث نقلة في مجال حرية التعبير والإبداع، فنص في مادته (49) على أنه: “تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي، والإبداع الأدبي، والفني، والثقافي، وتوفر وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك”.

هذه الصيغة الواردة في دستور 1971 كانت متطورة إلى حد كبير عما سبقها من صيغ، رغم كونها فضفاضة، فهي من ناحية قد أوردت لفظة حرية الإبداع الأدبي، والفني، والثقافي صراحة للمرة الأولى، ومن ناحية أخرى لم تلحق بنص المادة 49 تقييد بأي حدود قانونية، إذا أطلقت حرية الإبداع إطلاق تام.

الدستور الحالي

وفي الدستور الحالي “دستور 2014” جاءت أيضًا حرية الإبداع مطلقة، فنصت المادة 67 على أن: “حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري”.

فهو هنا لم يقيد حرية الإبداع بأية حدود قانونية، ولم يتيح توقيع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم المتعلقة بعلانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، وترك للقانون فقد تحديد العقوبات في جرائم التحريض على العنف أو التمييز، إذ أضافت نفس المادة: ” أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين، أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها”.

القانون يخالف الدستور

رغم ما نص عليه الدستور المصري من الحرية المطلقة للإبداع الفكري والأدبي والفني، بكافة الأشكال والوسائل، فقد جاء القانون المصري بقيود شديدة على حرية الإبداع في عدد من النصوص، والتي يرجع بعضها بالطبع إلى ما قبل دستور 2014، حيث كان يستوجب على البرلمان المصري إلغاء كافة النصوص المخالفة لنص الدستور فيما يتعلق بمسألة حرية الإبداع، وهو ما لم يحدث، بل على العكس تم إقرار نصوص قانونية خلال السنوات الخمس الماضية تزيد من تقييد تلك الحرية.

إسلام بحيري

عقوبات بالسجن

من بين النصوص القانونية السابقة على دستور 2014، والمقيدة لحرية الإبداع هو نص المادة 98 من قانون العقوبات: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية.”

وهي المادة التي حوكم على أساسها الباحث إسلام البحيري، بعد نقده للتراث الإسلامي والإمامين البخاري ومسلم، في البرنامج التلفزيوني الذي كان يقدمه، حيث عوقب بالسجن بخمس سنوات، خفضت لعام واحد.

بعدها تقدم عدد من الأعضاء على رأسهم النائبة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة والعميد السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بالإسكندرية، باقتراح لتعديل بعض مواد قانون العقوبات والتي تخالف مواد الدستور، من بينهما المادة 98 (مادة ازدراء الأديان) لكن الاقتراح قوبل بهجوم شديد من اللجنة التشريعية بالبرلمان.

أحمد ناجي

محاكمة الخيال

في عام 2017 صدر حكمًا على  الكاتب أحمد ناجي، بموجب المادة  178 من قانون العقوبات، بالحبس سنتين مع الشغل لاتهامه بخدش الحياء العام في روايته “استخدام الحياة”، كانت القضية أحد أبرز محاكمات الخيال الإبداعي التي شهدتها مصر في السنوات الخمس الأخيرة، بعدها تقدم نائبان بالبرلمان بمشروع تعديل المادة 178 من قانون العقوبات، والمتعلقة بخدش الحياء، لكن اقتراحهما أيضًا قوبل بالرفض، في إصرار من المؤسسة التشريعية على انتهاك نصوص الدستور المصري، والمواثيق والمعاهدات الدولية، بل أن بعض الأعضاء تقدموا باقتراحات لتغليظ عقوبة خدش الحياء العام.

الموت داخل الحبس الاحتياطي

أحد القضايا المتعلقة بحرية الإبداع كانت قضية المصور الفوتوغرافي والمخرج الشاب، شادي حبش، والذي قبض عليه على خلفية مشاركته في إخراج أغنية سياسية ساخرة، في عام ٢٠١٨، حيث وجهت النيابة له اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة.

قضية رامي حبش انتهت بمأساة كبيرة، ففي الأول من شهر مايو من العام 2020، توفى المخرج الشاب في محبسه بسجن طرة بعد تدهور حالته الصحية، بحسب عدد من المنظمات الحقوقية منها مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

قضى حبش، قبل أن توافيه المنية، 26 شهرًا في الحبس الاحتياطي، دون أن يُقدم للمحاكمة، في مخالفة لقانون الإجراءات الجنائية الذي نص على ألا تزيد مدة الحبس الاحتياطي عن سنتين.

مطربون وراقصات في السجون

شهدت السنوات الأخيرة، عدة أحكام بالحبس ضد مطربين ومطربات ومخرجين ومنتجين لـ”كليبات” غنائية، بتهمة خدش الحياء العام، والتحريض على الفجور والفسق، من بينهم، المطربة ليلى عامر بطلة كليب “بص أمك” التي قضت محكمة جنح الجيزة بحبسها عامين، و6 أشهر لمخرج ومنتج الكليب سمير المراغي، كما قضت المحكمة بحبس 4 أشخاص ممن شاركوا في “الكليب” بأحكام تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر.

وقضت محكمة جنح العجوزة بحبس الراقصة برديس، والمطربة شاكيرا 6 أشهر مع النفاذ، لاتهامهما بنشر فيديوهات تحتوي على مشاهد مثيرة وخادشه للحياء.

مطربو المهرجانات في ساحات المحاكم

كما شهدت ساحات المحاكم العديد من محاكمات مطربي المهرجانات، في ظل تحريض من نقابة الموسيقيين ضدهم، ومن بينها محاكمة المطربين أحمد نافع ومحمود جمعة، والتي قضت محكمة جنح منشأة ناصر، بحبسهما سنتين وغرامة 5 آلاف جنيه لكل منهما، بتهمة الفعل الفاضح بعد غنائهما أغنية قالت دعوى إحالتهما للمحاكمة إنها مليئة بالإيحاءات الجنسية ما يعتبر فعلًا فاضحًا.