يسارع الأهل بنقل الأم إلى المستشفى بعد فشلها في محاولة انتحار تتكرر للمرة الثالثة على التوالي خلال العام الأخير، الابن يقف أمام باب غرفة أمه يسمع نصائح المقربين لها بضرورة الحفاظ على حياتها، وأن لا تفعل هذا ثانية، أصوات كثيرة تتضارب وتتلاقى داخل الغرفة، استخلص منها أحمد (7 سنوات) أن والدته اقبلت على ذلك بسبب كثرة الخلافات بينها وبين والده الذي لا يريد أن يطلقها كما لا يريد أن يعود ليعيش معهم، ليس هذا فحسب ما سمعه الطفل، فسمع أيضًا الطريقة السحرية التي اتبعتها الأم خلال محاولاتها للانتحار، فقرر أن يحاكيها، ويقلد تصرفها خاصة وأن الطريقة سهلة من وجهة نظره.

الانتحار له أسباب عديدة يأتي على رأسها  الضغوط النفسية والاجتماعية التي يمر بها الأفراد

سكين بارد

قبل أن يمر 48 ساعة على تعافي الأم، قلدها الابن وحاول قطع شرايين يديه، إلا أن الأمر لم يسبب له ضررًا كبيرًا ولم يصل القطع للشرايين، بل كان جٌرح خارجي بسيط، بسبب ضعف  الطفل في قدرته على استخدام السكين، بالإضافة إلى النسل البارد لم يمكنه من إتمام العملية.

انفعال شديد من الأهل تجاه تصرف الطفل، الجميع ألقوا باللوم على الأم التي تمثل هنا نموذج المحاكاة للطفل، وبعد مراجعة الطبيب، ورغم أن الانتحار سلوك متعلم من البيئة المحيطة بالطفل، إلا أن الفحص النفسي والسلوكي للطفل تبين أنه هو الآخر يعاني اكتئابًا شديدًا، وتوترًا، ولديه خوف اجتماعي من المحيطين، وهو ما جعل خضوعه للتأهيل النفسي السلوكي أمر هام.

أوضحت دراسة أمريكية أن أكثر الأعمار التي تنتشر بها الانتحار هي الأعمار ما بين 15 – 19 عامًا

حالات متكررة

لم يكن “أحمد”، الطفل الوحيد الذي ينتحر عقب محاولات انتحار أحد الأبويين، أو بغية تقليدهما، يقول الدكتور سعيد منصور، أخصائي الطب النفسي في جامعة القاهرة، إن هناك حالات محاولات انتحار الأطفال أصبحت كثيرة ومتكررة، ومن خلال عمله في العلاج والتأهيل النفسي قابل نوعين من انتحار الأطفال، النوع الأول ناجم عن أخطاء مغلوطة في التفكير، ورغبة في الانتقام من الأسرة، للأسباب تتعلق بسوء معاملاتهم له، أو العنف الزائد، أو تكرار المشاحنات والخلافات بين الأب والأم، وغيرها من الأمور التي تتسبب في اضطرابات سلوكية ومعرفية للأبناء قد تتسبب في لجوئهم للانتحار كنوع من الهروب من الواقع، أما النوع الثاني فمتعلق بالتقليد أو محاكاة الأطفال لأم أو للاب اللذين أقدموا على الانتحار من قبله، وهناك حالات عديدة تردت على عيادته بهذه المواصفات.

تدليل زائد

“يمنى” طفلة لم تكمل عقدها الأول بعد، هي الطفلة الوحيدة لأبوين تزوجا بعد فترة خطوبة امتدت سنوات، ونتج عن زواجهما طفلتهما الوحيدة والتي حازت على قدر كبير من التدليل لأنها جاءت بعد فترة صبر طويلة، فقد حملت فيها الأم بعد 6 سنوات من الزواج، وبعد مجيئها لم تتمكن الأسرة من الإنجاب مرة أخرى، التدليل المضاعف التي حصلت عليه “يمنى” كاد أن يودي بحياتها، خاصة بعد أن حاولت الأم الانتحار مرتين بعد وفاة الجدة وتعرضها لصدمة نفسية وعصبية شديدة، وهي تعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة.

يعد الانتحار هو السبب الرئيسي الثاني أو الثالث للوفاة بين المراهقين في أمريكا وهو يودي بـ 2000 حالة وفاة سنويًا

حاولت الطفلة الانتحار هي الأخرى بابتلاع الحبوب التي تستخدمها الأم، وبعد إجراء غسيل معدة لها، تم إنقاذها، إلا أن سبب إقدام البنت على ذلك لم يكن محاكاة سلوك الأم ، يل كان بسبب رغبتها في الضغط على الأهل ليوافقوا على ذهابها لأحد الرحلات مع أصدقائها في المدرسة، ورفضت الأسرة الفكرة خوفًا على الفتاة بسبب صغر سنها، فما كان منها إلا أن أقدمت على الانتحار كنوع من التهديد للأب والأم لينفذا لها ما أرادت.

طلب أهل يمنى مساعدة مركز صحة نفسية كبير بالقاهرة، وهناك وجدوا أطفال كثيرون يعانون من اضطرابات نفسية وسلوكية أقلها حدة كان الاكتئاب، و أوضح الطبيب المعالج لأهل يمنى، أن كل هذه الاضطرابات من شأنها أن تدفعهم جميعًا للانتحار.

دراسات وأرقام

رغم أن انتحار الأطفال يعد قليل نسبيًا مقابل الانتحار لدى الكبار إلا أن أحدًا لا يمكن أن ينكر وجوده.

وأوضحت دراسة أمريكية أن أكثر الأعمار التي تنتشر بها الانتحار هي الأعمار ما بين 15 – 19 عامًا، في أواخر فترة الطفولة وبداية فترة المراهقة.

أكثر المنتحرين من الإناث، على الرغم من أن الذكور لهم عدد المحاولات الأكبر إلا أن محاولاتهم لا تنجح غالبًا

يعد الانتحار هو السبب الرئيسي الثاني أو الثالث للوفاة بين المراهقين في أمريكا وهو يودي بـ 2000 حالة وفاة سنويًا، وهو ما أدى لاهتمام العديد من المراكز البحثية عالميًا منها مراكز مكافحة الأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية، التي نشرت عام 2015، والتي أقرت أن 17 % من طلاب المدارس الثانوية حاولوا الانتحار، و13% من الطلاب وضعوا خطة للانتحار، لكن لم يقوموا بها.

مراقبة الأهل

نشرت مجلة الصحة النفسية في إحدى دورياتها بمركز البحوث النفسية والاجتماعية، دراسة حول الانتحار لدى الأطفال والتي تبين من خلالها أن أي حدث كربي من الممكن أن يؤدي إلى تحريض الأطفال على الانتحار، خاصة الذين يعانون في الأساس من اضطرابات الصحة النفسية، مثل: الاكتئاب، ومن الممكن أن يلاحظ الآباء والامهات ذلك من خلال متابعة سلوك الأبناء فيجدونهم ينسحبوا من ممارسة النشاطات ويتحدثون حول أمور تتعلق بالموت، أو يقومون بتغيير سلوكهم بشكل مفاجئ.

أفادت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 800 ألف شخص يتوفون سنويًا بالانتحار

كما أنه لا يجب بأي حال من الأحوال أن تؤخذ تهديداتهم على محمل الضحك والسخرية، ولا يجب كذلك أن تقابل بالعنف من قبل الآباء والأمهات.

أزمة عامة

انتحار الأطفال والمراهقين جزء لا يتجزأ من انتحار الكبار،  وأفادت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 800 ألف شخص يتوفون سنويًا بالانتحار، وهي نسبة ليست بقليلة أي ما يعادل حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية، مع الأخذ في الاعتبار أن أكثر هذه الحالات يحدث في البلدان النامية ومتوسطة ومنخفضة الدخل.

وأفادت إحصائية صادرة عن المركز القومي للسموم التابع لجامعة القاهرة، بأن أكثر المنتحرين من الإناث، على الرغم من أن الذكور لهم عدد المحاولات الأكبر إلا أن محاولاتهم لا تنجح غالبًا.

على صعيد متصل، تقول منال زكريا، أستاذ علم النفس الاجتماعي، إن الانتحار له أسباب عديدة يأتي على رأسها  الضغوط النفسية والاجتماعية التي يمر بها الأفراد خاصة خلال تلك الفترة، بسبب تدهور الاحوال المعيشية وارتفاع الاسعار، وهو ما يضغط على الفرد ويزيد معدلات إصابتهم ببعض الأمراض النفسية والعصبية: مثل: التوتر، والاكتئاب، و الانهيار النفسي في لحظات الأزمة وعدم القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة، حتى أن بعض المشكلات الاقتصادية أصبح من شأنها ان تتسبب في مشكلات اجتماعية كالهجرة، و الانفصال، والطلاق .