“الخوف من الارتباط”، يسبب هواجس عدة تلاحق الفتيات خاصًة في ظل ما يواجهن من أزمات ومشاكل بين والديهم، وتسلط الأب وقسوته تجاه الأم، فتعيش بين جدران العزلة خائفة من الارتباط بشخص تجده في نهاية المطاف نسخة أخرى من والدها.

“أبي يضرب أمي، يحتجزنا في المنزل ويرفض خروجنا إلا في أضيق الحدود، متسلط ودائم الغضب”.. الكلمات الفائتة كانت شهادات لسيدات عانين التسلط والعنف داخل أسرتهن من أولياء أمورهن، ضاربين بكبر السن وعادات مجتمعهم في الزواج مبكرًا عرض الحائط.

تخاف كل منهن أن تتحول لنسخة طبق الأصل من والدتها، وتصبح لا حول لها ولا قوة، بسبب ما يتعرضن له السيدات من أزمات ومشاكل، ويتحملن عواقب كل ما يحدث داخل الأسرة.

9.8% من النساء السابق لهن الزواج يتعرضن لعنف بدني وجنسي ونفسي داخل الأسرة على يد أزواجهن

أخاف من تسلط أبي

“أبي شخص متسلط ومؤذي، لطالما كان يضربني ويحملني نتائج كل الأخطاء التي تحدث، وكان دائمًا ما يضرب والدتي، ولا يترك موقف يستطيع عن طريقه إهانتها إلا ويستغله”.. هكذا بدأت شيماء أحمد، حديثها.

“شيماء”، أضافت “بلغت الـ 27 من العمر ولم أتزوج، على الرغم من أن عادات وتقاليد ذويها تمنعها من ذلك، إلا أنها ظلت تعاني من هاجس أن تتزوج رجل يشبه والدها، وتعيش حياة بائسة مثل والدتها، تنتهي بطلاقها، وشقائها لتنفق على أولادها”.

وفقًا لآخر إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فهناك 9.8% من النساء السابق لهن الزواج يتعرضن لعنف بدني وجنسي ونفسي داخل الأسرة على يد أزواجهن.

وأما عن نسبة النساء اللاتي تعرضن لعنف بدني وجنسي على يد أفراد العائلة، فقد جاءت إحصائية الجهاز المركزي أن نسبتهن وصلت إلى 1.5% من إجمالي عدد السيدات في مصر، وذلك منذ بلوغهن 18 سنة.

شيماء فضل، فتاة في الـ 24 من عمرها تخرجت من كلية الآداب بجامعة عين شمس منذ عامين، والدها ريفي بامتياز، لا يقبل بأي علاقات خارج إطار الزواج، حتى فترة “الخطوبة” يختزلها في شهر فأقل، ويرى أنه لا يجوز أن تطول.

“فضل”، ترى والدها ممن يمارسون السلطة الأبوية في المجتمع، فلا يقبل أن تخرج والدتها إلى الشارع وحدها، ويفرض عليها ملابسها، ويتحدث دائمًا بلغة الدين، على الرغم من أنه لا يطبقه في معاملة أهل بيته بطريقة جيدة.

99% من الأبحاث تركز على دور الأم في حياة أولادها وتهمش الأب

ترفض الفتاة العشرينية الزواج لأنها تعلم أن والدها سيختار لها شخص يماثله في تصرفاته وتفكيره، لأنه يرى أن تلك أفضل هدية يمكن أن يقدمها لابنته، لتعيش حياة مستقرة.

السلطة الأبوية، أو النظام الأبوي يتم تعريفه على أنه نظام اجتماعي يطبق العادات والتقاليد ويكون فيه للذكور سلطة “مطلقة أو جزئية” على أزواجهم، أو أولادهم وبالأخص الفتيات.

مثنى وثلاث: تعدد الزوجات شبح يطاردني

عصمت عبد المجيد، من محافظة الجيزة، في الـ 40 من عمرها، رفضت الزواج منذ أنمكانت في الـ 18 من عمرها، بسبب والدها، الذي تزوج 3 مرات، كانت والدتها زوجته الأولى.

“عبد المجيد” تربت في أسرة تطلق على نفسها لفظ “متدينة”، لا تستطيع أن تناقش والدها وإلا يلعنها الله، وكذا والدتها، التي كان عليها أن تتبع والدها وتوافق على كل ما يطلبه.

والد “عصمت” لم يكن يحتاج إلى إقناعها أو فرض الأمور عليها، فهي تخاف من لعنة الملائكة لها، بسبب غضب زوجها عليها، جعلها ترتدي النقاب دون إرادتها، حتى لا يراها غيره، ووافقت على الفور.

ما تمر به الحالات التي ترفض الزواج بسبب أزمات سابقة بين والديها لديها اضطراب نفسي

“عصمت” خافت من الزواج لأن والدها لن يرضى لها إلا بشاب متدين مثله، ويؤمن بتطبيق مبدأ مثنى وثلاث، لذا قررت أن ترفض كل من يتقدمن لها، على الرغم مما عانته بسبب قرارها من إهانة وتعدي وصل لحد التعذيب، حتى أن والدها شك في سلوكها ومنع عنها الهاتف لفترة طويلة.

للأب دور في حياة ابنته

مايكل لامب، عالم نفس من جامعة كامبريدج يهتم بدراسة دور الآباء منذ 3 عقود تقريبًا، اكتشف في دراسة له أن كل علماء النفس يركزون علاقة الأطفال بالأم ويتناسون علاقة الأب وأطفال، فبحسب الدراسات هناك 99% من الأبحاث تركز على دور الأم في حياة أولادها وتهمش الأب.

وذلك على الرغم من أن التفاعل الوجداني بين الأب وأطفاله يجعل الطفل ينمو بشكل عقلي ونفسي السليم للطفل ما يقلل فرص ظهور المشاكل السلوكية لديهم، وأن علاقتهم بالوالد تنعكس سلبًا أو إيجابًا على علاقتهم بالمجتمع ومن حولهم.

استشاري الطب النفسي الدكتور محمود هاني، قال إن ما تمر به الحالات التي ترفض الزواج بسبب أزمات سابقة بين والديها لديها اضطراب نفسي يُدعى ” الجاموفوبيا”، وأن كثرة التجارب السلبية المحيطة بالسيدات، تتسبب في تعميمها على كل ما تمر به.

“الخوف من الارتباط”، يسبب هواجس عدة تلاحق الفتيات

استشاري الطب النفسي أضاف أنه إذا تخلت الشخصية المصابة بالاضطراب عن بعضًا من هواجسها، وارتبطت، وحدث موقف مشابهة لإحدى المواقف التي تعرضت لها والدتها مع والدها تبدأ بالشعور بعدم الارتياح، وتنهي العلاقة على الفور.

جمال محمد، استشاري الطب النفسي، يرى أنه هناك حالات يرتبط فيها عدم الرغب في الارتباط والرهاب بسبب الاضطرابات الشخصية كالشخصية الوسواسية، وأن الشخص الذي يعاني من تلك الفوبيا يدرك أنه يفكر بسلبية، لكنه لا يستطيع التحرر من تفكيره.

استشاري الطب النفسي أكد على أن تلك الأعراض النفسية تمتد لأخرى جسدية كالتوتر وتسارع ضربات القلب، وهنا يجب على الشخص الذهاب للطبيب، ليبدأ العلاج المعرفي السلوكي.

والعلاج المعرفي السلوكي يعتمد على مساعدة المريض عن طريق تغيير طريقة إدراك وتفسير، وكذا طريقة تفكيره السلبية، على أن يتم تغيرها إلى أفكار أو قناعات إيجابية أكثر واقعية، بالإضافة إلى الاستعانة ببعض أدوية الكآبة.