أعلنت المحكمة العليا الأمريكية، وفاة القاضية والعالمة الحقوقية والمدافعة عن حقوق المرأة، روث بادر جينسبورج، عن عمر يناهز 87 عامًا، بعد صراع طويل مع السرطان، ما يخلف عن سباق سياسي حاد لملئ منصبها الشاغر، قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
وأعلنت متحدثة باسم البيض، أنه سيتم تنكيس العلم الأمريكي، تكريمًا للقاضية الراحلة، بالمقابل تجمع الأمريكين على درجات سلم المحكمة العليا، ووضعوا أكاليل الزهور وأضاءوا الشموع، تكريمًا للقاضية العظيمة.
معركة سياسية
وتعد روث بادر جينسبورج، ثانٍ امرأة تشغل منصب قاضٍ في المحكمة العليا، إذ خدمت لمدة 27 عامًا، فهي أكبر القضاة سنًا وناشطة نسوية، ورمز لليبراليين في الولايات المتحدة.
وأيدت المحكمة العليا، في السنوات الأخيرة، بعض القضايا التي أثارت الجدل، إذ وسعت المحكمة زواج المثليين ليشمل الولايات الـ50، كما أيدت قرار فرض حظر دخول 7 دول لأمريكا، والذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بينما أخرت خُطة أمريكية لخفض انبعاثات الكربون.
وبحسب المراقبين، يتوقع أن يدفع وفاة “جينسبورج”، الرئيس دونالد ترامب، إلى المسارعة لتعين خليفة لها من المحافظين، قبيل السباق الانتخابي المقرر في نوفمبر المقبل.
ويتوقع في حال تسمية “ترامب”، لبديل أن تتم المصادقة عليه بسرعة قياسية في مجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، بهدف تأمين غالبية مريحة للمحافظين في المحكمة، التي تملك الكلمة الفصل في عدد من القضايا الحساسة.
ومنذ توليه منصب رئاسة البلاد، عين دونالد ترامب قاضيين، وتضم المحكمة الحالية 5 قضاة محافظين من أصل 9، وهم لا يتخذون موقفًا موحدًا في كل القضايا، بل غالبًا ما يصوت أحدهم مع زملائه التقدميين، بحسب وكالة “فرانس برس” الفرنسية.
بينما، قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش مكونيل، أمس الجمعة، في بيان له، إنه “إذا تم تقديم مرشح قبل الانتخابات، فسيكون هناك تصويت على اختيار ترامب”.
وقبيل وفاتها، أعربت “جينسبورج” عن رفضها لمثل هذه الخطوات التي يسعى إليها ترامب، بشأن سيطرة المحافظين علي المحكمة العليا، إذ كشفت عن أمنيتها الأخيرة لحفيدتها، “أمنيتي الأكثر حرارةً هي ألا يتم استبدالي حتى يتم تنصيب رئيس جديد”، بحسب إذاعة “ناشونال بابليك” الأمريكية.
بالمقابل، صرح المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بأنه “دعني أوضح أن على الناخبين اختيار الرئيس وعلى الرئيس أن يختار القاضي وعلى مجلس الشيوخ النظر في ذلك”.
وتوقع أستاذ القانون كارل توبياس: “معركة سياسية ضارية”، لأنه إذا تمكن ترامب من تعيين قاضٍ جديد، فستصبح المحكمة العليا الأكثر انحيازًا للمحافظين منذ قرن”.
سيرة لامعة
وعانت عميدة قضاة المحكمة العليا الأميركية، على مدار5 سنوات من سرطان البنكرياس، وتلقت العلاج في المستشفى مرات عديدة، إلى أن توفت في منزلها في واشنطن .
وحظت “جينسبورج”، على مدار تاريخها المهني والحقوقي على احترام الليبرالين والمحافظين- على حد سواء، فهي تعتبر أحد أيقونات النسوية في الولايات المتحدة.
وولدت جينسبورج لأبوين يهوديين مهاجرين في بروكلين، بمدينة نيويورك عام 1933، ودرست في كلية الحقوق في جامعة هارفارد، إذ كانت واحدة من 9 نساء فقط في فصل من نحو 500 رجل.
وفي عام 1972، شاركت في تأسيس مشروع حقوق المرأة في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، في العام نفسه، أصبحت جينسبورج أول أستاذة ثابتة في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا.
بينما بعدها بعدة سنوات، تحديدًا في عام 1980، رشحت إلى محكمة استئناف الولايات المتحدة، لمقاطعة كولومبيا كجزء من جهود الرئيس السابق جيمي كارتر، لتنويع المحاكم الفيدرالية.
وعُينت جينسبورج في المحكمة العليا من قبل الرئيس السابق بيل كلينتون في عام 1993، لتصبح الثانية فقط من بين 4 قاضيات يتم قبولهن في المحكمة.
وبعد مشوار مهني طويل وسيرة مهنية لامعة، أصبحت جينسبورج أيقونة وطنية بالولايات المتحدة، إذا أطلق عليها “آر بي جي”، في إشارة إلى مغني الراب الراحل ذي نوتوريس بيج.
وتملك المحكمة العليا الأمريكية، كلمة الفصل في كل القضايا الاجتماعية الكبرى التي ينقسم عليها الأمريكين، مثل: الإجهاض، وحق الأقليات، وحيازة السلاح، وعقوبة الإعدام، وغيرها.
مصدر إلهام
وقال ترامب في بيان رسمي نشره عبر حسابه على “تويتر”، الجمعة،: “لقد اشتهرت القاضية جينسبرج بعقلها اللامع ومعارضتها القوية في المحكمة العليا، وبرهنت أنه يمكن للمرء أن يختلف دون أن يكون مزعجًا لزملائه أو وجهات النظر المختلفة”.
وكتب الرئيس السابق باراك أوباما، عبر حسابه علي “تويتر” أن “روث بادر جينسبورج قاومت حتى النهاية بإيمان ثابت في ديموقراطيتنا ومثلها”
بينما وصفها الرئيس الأسبق جيمي كارتر بأنها “امرأة عظيمة حقًا”، وكتب في بيان، “عقل قانوني قوي ومدافع قوي عن المساواة بين الجنسين، لقد كانت منارة للعدالة خلال حياتها المهنية الطويلة والرائعة، كنت فخورًا بتعيينها في محكمة الاستئناف الأمريكية “.
وأشاد الرئيس السابق جورج دبليو بوش بـ”سعيها لتحقيق العدالة والمساواة” ، وقال إن جينسبورج: “ألهمت أكثر من جيل واحد من النساء والفتيات”، في حين قالت هيلاري كلينتون، إن “جينسبورج كانت مصدر إلهام لها”. ”
كما قال إريك ترامب، ابن الرئيس ترامب، إن جينسبورج كانت “امرأة رائعة تتمتع بأخلاقيات عمل مذهلة”، مضيفًا: “لقد كانت محاربة بقناعة حقيقية ولديها احترامي المطلق! فلترقد بسلام”.