تعبر إيران من الدول الرائدة في مجال نقل الأعضاء سواء عبر التبرع الذي تعمل الحكومات المتعاقبة على تنمية ثقافته أو البيع الذي تسعى لتقنينه، بعدما فشلت في منعه بصورة كلية، وفقًا لفتاوى شرعية دينية وقوانين منظمة وسلطات تنفيذية تعمل على إدارة هذا الملف الحساس الذي ترفض العديد من الدول الإسلامية تقنينه.

ثقافة مترسخة

أصبحت جمهورية إيران الإسلامية من أكبر الدول الشرق أوسطية، في زراعة الأعضاء بشكل عام والكبد بصورة خاصة، وصاحبة التقنيات الأفضل في هذا المجال، نظرًا لخبرتها الطويل التي مكنت كوادرها الطبية من تنفيذ مئات العلميات الناجحة، مدعومة بالثقافة الشعبية بأهمية التبرع خلال السنوات الماضية وعقب نجاح الثورة الإسلامية عام 1979.

أفتي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بجواز التبرع بالأعضاء في حالة الوفاة، بعد ترك المتوفي لوصية يذكر فيها ذلك

فتاوى دينية

لم يكن تقبل المجتمع الإيراني لفكرة التبرع بالأعضاء سهلًا ولا مقبولًا حتى أفتي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بجواز التبرع بالأعضاء في حالة الوفاة، بعد ترك المتوفي لوصية يذكر فيها ذلك، عزز من ذلك فهم الإيرانيين وإدراكهم أن تبرع شخصًا واحدًا قادر على إحياء ثمانية أشخاص، إذا تبرع بالقلب، والرئتين، والقرتين، والكبد، والكليتين، وتدرج الأمر نسبيًا حتى أصبح ثقافة مترسخة بداخل الشعب تؤمن بأهمية التبرع بالأعضاء، حسبما ذكرت وكالة أنباء مهر الرسمية  الإيرانية على لسان رئيس مستشفى مسيح دانشوري “على ولايتي أكبر”.

شيراز قبلة طبية

أقيمت أول عملية لزراعة الكبد في مدينة شيراز الإيرانية  عام 1993، على يد الطبيب ملك الحسيني، ما أعتبر نقلة نوعية، إذ اقتصر هذا النوع لفترات طويلة منذ بدأت عام 1963 على الدول الأوربية، ليفتح بابًا واسعًا لإنقاذ حياه آلاف المرضي المصابين بتلف في بعض أعضاءهم بمنطقة الشرق الأوسط ، ما دفع مدينة شيراز ليصبح مركز وقبلة الساعين لإجراء عملية نقل وزارعة أعضاء تنافس كبريات المستشفيات العالمية، بل ويحصل مركز المدينة على المركز الأول عالميًا في زراعة الكبد، لتتراوح عدد العمليات التي تجرى هناك بين 700-800 عملية سنويًا في مركز وحيد، غير العمليات الأخرى التي تجرى في عشرات المستشفيات الأخرى في المدينة التي تعتبر سادس أكبر مدينة إيران وتقع في قلب الدولة الفارسية.

تقنية العمليات

عدد من الأطباء الإيرانيين المختصين بإجراء هذه العمليات أشاروا في تصريحات إعلامية لوكالات أنباء فارسية أن هذا المجال يحتاج إمكانيات وأدوات متطورة، وأن الدولة الفارسية توفر ذلك نظرًا لتضامنها مع هذه الحالات، مضيفين أن أصعب أنواع الزراعات تكون عملية زرع الرئة، وكشفت تقارير لوكالة مهر الإيرانية أن مستشفى “مسيح دانشوراي” بطهران أجرت أكثر من 100 عملية زراعة دقيقة للرئات، ما جعلهم سابقين لعديد من الدول بالمنطقة.

أما رئيس الجمعية الإيرانية الدكتور “على أكبر ولايتي” فقال أن إيران تحتل المرتبة الأولى في المنطقة في زراعة الكلى، مشيرًا أن 70بالمئة من الكلى المزروعة من أشخاص على قيد الحياة، مؤكدًا أن الإنسان يستطيع أن يعيش بكلية واحدة، ويصبح بصحة جيدة.

مليون و400 ألف إيراني يمتلكوا بطاقات تبرع بالأعضاء حاليًا

طرق التبرع

انقسمت عمليات التبرع بالأعضاء في بلاد فارس إلى قسمين، أولها بعد الوفاة ليصبح المتبرع حاملًا بطاقة تبرع تمنحها الحكومة الإيرانية لمن يرغب في التبرع بأعضائه عقب وفاته بالسكتة الدماغية، مدير مستشفى مسيح دانشوري “على أكبر ولايتي” قال ما يقرب من مليون و400 ألف إيراني يمتلكوا بطاقات تبرع بالأعضاء حاليًا.

أما النوع الثاني من التبرعات، فتكون من شخص حي إلى أخر، فيتبرع بكلية واحدة ويعيش بالأخرى، أو يتبرع بأحد فصوص الكب ويعيش بما تبقى منه، فيعود إلى حجمه الطبيعي خلال أشهر قليلة، وتجرى تلك العمليات التي يتبرع بها الأحياء للمرضى تحت إشراف صارم وقوانين تنظم التبرع ورقابة طبيبة مشددة.

أمثلة للمتبرعين

توفيت فتاة إيرانية تدعى زينب بهراني، منذ ثمان سنوات، إلا أنها قبل وفاتها بثلاث أشهر أوصت والدتها التبرع بأعضائها كاملة لتهب الحياة للأخرين.

حميد رضا الشخص الذي تلقي عملية زراعة للقلب، قال إن ثقافة التبرع بالأعضاء تهب الحياة من جديد، وأنه عقب إجراء الجراحة استعاد صحته وحيويته، وأصبح من أصحاب بطاقات التبرع ليعاد زراعة أعضاءه التي تصلح من جديد للأخرين بعد وفاته.

الفتاة الإيرانية ريحانة جباري التي اعدمتها السلطات الإيرانية، كتبت في وصيتها لوالدتها قبل وفاتها، أنها ترغب عقب تنفيذ حكم الإعدام بالتبرع بجميع أعضاءها للجمعيات الخيرية التي تستطيع الوصول للمرضي الفقراء.

 

التحايل على التبرع

نتيجة للفقر الاقتصادي وزيادة نسبة البطالة في إيران، تحولت ثقافة التبرع الخيري لعمليات بيع للأعضاء البشرية، وبعدما كانت لخدمة الحالات الإنسانية أصبحت عملية بيع وشراء، تستهدف التربح، إذ انتشرت العديد من الإعلانات على جدران شوارع طهران، تعلن عن توافر “كلية” لشخص بصحة جيدة مقابل مادي يمكن التفاوض عليه.

وصلت أسعار “الكلى” هناك لنحو 4600 دولار

تشكلت جمعيات تعمل على التنسيق بين البائع والمشتري بأعلى سعر، وغالبًا ما يكون الباحث من الأثرياء الذين بحاجة لأحد الأعضاء، ولا يريدوا الانتظار للإجراءات الرسمية الخاضعة للحكومة ولوزارة الصحة هناك، فوصلت أسعار “الكلى” هناك لنحو 4600 دولار، في خطوة غير خاضعة للحكومة ولا توافقها.

رئيس قسم جراحة المسالك البولية في مستشفى مشهد “ناصر سيمفوروش” كشف أن بيع المواطنين لأعضائهم يكون بسبب حاجتهم للأموال وأن ما يجري هو الواقع في كافة دول العالم، في الوقت الذي كشفت فيه تقارير صحفية أن المئات من عمليات بيع الأعضاء يجرى بشكل غير قانوني في عيادات ومستشفيات خاصة دون علم الدولة ودون تصريح بإجراء هذا النوع من الجراحات.

عملية بيع الأعضاء اعتبرت إهانة للكرامة الإنسانية، إذ أكد مدير برنامج زراعة الكلي في جامعة كاليفورنيا “غابرييل دانوفيتش” أن منح الأعضاء مقابل المال، لا يساعد الفقراء بل يشعره بالتدني ويفقده احترامه لذاته وأن يعيش في حالة جيدًا، وأن مثل تلك الأفعال بائسة لا علاقة لها بالمحبة التي يشعر بها المتبرع دون مقابل جراء عمله.

 مواجهة رسمية

تحاول الحكومة الإيرانية عبر المؤسسات القضائية والتشريعية منع عمليات بيع الأعضاء بشكل مستغل للفقراء، إلا أنها لم تفلح في ذلك حتى الآن فعمدت إلى تقنين إجراء هذه العمليات عبر وزارة الصحة، إلا أن تجريم الحكومة للإتجار بالأعضاء لم يكن كافيا إذ فتح بابًا مواربًا يسمح من خلاله بالتربح من بيع الأعضاء بشكل مقنن.

رئيسة جمعية التبرع ببيع الأعضاء في إيران “كاتيون نجفي زادة” قالت إن في ظل الضغوط الاقتصادية، فتحت وزارة الصحة باب التعامل مع المتبرع والمتلقي تحت مظلتها، وان المتبرعين بالكلي الأحياء في انخفاض مستمر، وتعد هذه المبادرة تقنينًا لبيع الأعضاء داخل البلاد.

خلاصة الأمر يتضح أن المجتمع الإيراني يدعم ثقافة تبرع بالأعضاء لأحياء أخرين، وينتمي أكثر من مليون ونصف من الشعب لحاملي بطاقات التبرع من الحكومة الإيرانية، ونتيجة لفقر الاقتصادي تحول المتبرعين لبائعين متاجرين بأعضائهم لكسب المال والتربح، وسط محاولات مضنية من جانب الحكومة للسيطرة على هذه العمليات لتعزيز ثقافة التبرع ومجابهة ثقافة التربح التي فتحت أسواق سوداء بدلت القيم الخيرية بمكاسب مالية.