النساء لسن “قوارير” ولسن مهيضات الجناح.. كثيرات منهن مقهورات ومظلومات، لكن يوما بعد يوم تخرج مقاتلات جُدد ينتزعن حقوقهن.. وتصوير النساء كضحايا دائمات لا يفيد سوى استمرار النسق السائد الذي يفترض فيهن الضعف ويتطلب الحماية.. وبالتالي فمن أولويات الدعم هي توضيح أن الضعف “حالة طارئة” تحدث لجميع البشر نساء ورجالا، كما أن التعافي والنجاح يأتيان من قوة الشخص الذاتية أولا، ثم دوائر الدعم ثانيا.
بعض من يزعمون الدفاع عن حقوق النساء ويرفعون شعارات نسوية يتعاملون مع النساء على نفس طريقة الأصوليين. يعتبرونها دوما مهزومة وضعيفة ولا يمكنها بمفردها التحرك لرفض الظلم ولا التعبير عن الغضب إلا تحت حماية ما.
فعبر العقود تمكنت النساء من تحدي محدوديّة أدوارهنّ الاجتماعية والاجتماعي وحققن تغييرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية عبر الضغط على مجتمعاتهن وحكوماتهن لتبني مبدأ المساواة بين الجنسين في جميع المجالات.
لازال الطريق طويلا ولازالت صفة “القوة” في المرأة مصدر خوف لكثير من المجتمعات ويجري التعامل معها باعتبارها صفة “سلبية” وتنتقص من “أنوثة المرأة” التي لابد بحسب المجتمعات الذكورية أن تكون “ضعيفة” وترضخ لسيطرة الرجال في محيطها الاجتماعي.
تصوير النساء في معارك التحرش والانتهاكات الجنسية باعتبارهن “ضعيفات” لا يخدم سوى تكريس المفاهيم السائدة. لسنا ضعيفات ولسنا مهزومات، بل نقاتل من أجل ما نراه حقوقنا حتى وإن رأت الغالبة غير ذلك، وندفع الثمن غاليا في تلك المعركة من أرواحنا وأجسادنا.
الخلط بين المعاناة خلال خوض المعركة والرغبة في كسب حلفاء وبين الضعف والاحتياج الدائم إلى مساعدة يفيد النسق الذكوري ولا يخدم النسوية. عدم الاحتفاء بالإنجازات مهما كانت صغيرة يصيب كثيرات منا بالإحباط والميل إلى قبول الأمر الواقع.
وكما أننا لسنا ضعيفات فنحن أيضا لسنا دعاة للظلم، فمواجهة الظلم الواقع على النساء لا يأتي بظلم أطرف أخرى. السعي نحو العدالة لا يعني الظلم، ولن يتحقق بآليات ظالمة. النسوية هدفها تحقيق العدل للنساء وليس ظلم الرجال. إعادة إنتاج الظلم في الاتجاه المعاكس لن يحقق العدالة تماما كما أن قاعدة العين بالعين ستملأ العالم بالعميان.
فالدعم يأتي مصاحبا للتأكيد على قوة النساء ويليه التشجيع على خطوات لاستعادة الحق بطريقة عادلة والأفضل أن تكون عبر منظومة قانونية لا تنتصر للذكور على حساب النساء، وهو الطريق الطويل الذي ينبغي أن يستمر النضال فيه لسنوات وعقود قادمة.
فالقانون هو أحد الميادين الهامة في المعركة النسوية.. والتعديلات التشريعية المتتالية في كل دول العالم هي تعبير عن المستوى الذي وصل إليه هذا المجتمع أو ذاك من تطور. حقوق النساء يجب أن تكون في قلب تلك المعركة وهو ما لن يحدث بتجاهل القانون، ولكن بالحرص على تطبيقه وإبراز نواقصه ثم السعي لتعديله.
المسار القانوني ليس هو المسار الوحيد ولا هو المسار المناسب دائما، لكن مجرد طرح جدل قانوني حول الثغرات المختلفة هو بداية مهمة، وهو مسار تاريخيا مكن النساء من التصويت والانتخاب والحصول على ذمة مالية مستقلة ومنح جنسيتهن لأبنائهن في الكثير من البلدان، ووقف زواج المغتصب من الضحية للإفلات من العقوبة في كثير من البلدان، وتجريم التحرش في أغلب دول العالم.. الخ
من ناحية أخرى، فالدعم غير المشروط لا يعني أبدا إنكار المشاعر الإنسانية أو تجريمها، فمن حق الجميع الميل لتبرئة شخص ما من اتهام ما خصوصا لو كان هذا الشخص من الدوائر المقربة (الأسرة أو الأصدقاء). المطلوب هو عدم مهاجمة من تُعلن الشكوى أو التشهير بها وليس إنكار المشاعر الشخصية التي أحيانا ترفض تصديق الاتهامات.
كما أن تصديق الناجيات ليس “شيكا على بياض” لأي طرف ضد أي طرف وليس حكما نهائيا بالإدانة. هو آلية تهدف لدعم النساء بعد تجربة صعبة وتدفع للتعامل مع الشكوى بجدية، والتحقيق فيها بنزاهة وشفافية. وإلا لما طالبت النساء بلجان للتحقيق في الوقائع والشهادات المختلفة ولا طالبن بالسعي لاتباع المسارات القانونية في كثير من القضايا.. لو كان الدعم غير المشروط وتصديق الناجيات “شيكا على بياض” لما تصاعدت المطالبات بالتحقيق سواء عبر لجان داخلية أو من خلال المنظومات القضائية في الدول المختلفة. هو دعوة للتعامل بجدية مع الشكاوى المتعلقة بالاعتداءات الجنسية وعدم ترك عبء الإثبات بالكامل على كاهل المدعيات، فتلك الجرائم المسكوت عنها تحدث في الفضاءات الخاصة وكثيرا ما لا يكون عليها شهود ويصعب إثباتها، وبالتالي يجب البحث عن آلية ترفع عبء الإثبات عن كاهل من تعرضن تعرضوا لانتهاكات جنسية.