“الوقود، الخبز، أسطوانات الغاز، الكهرباء”… أزمات متلاحقة تواجه المواطنين بسوريا، تضربهم بشكل متتالي، وكأنه الحرب والدمار الذي حل ببلادهم غير كافي، ما تسبب في اشتعال أزمات داخلية بين المواطنين وبعضهم البعض.

الشوارع فارغة، وكأن المدن خلت من سكانها، لا تجد سوي بعض الدراجات النارية في الشوارع، والسيارات تصطف أمام محطات البنزين، منتظرين الأمل، ينظرون يمينًا ويسارًا بحثًا عن وسيلة إنقاذهم، وهي عربة الوقود التي تأتي لتفرغ حمولتها داخل المحطة.

منذ مطلع سبتمبر الحالي وتتفاقم أزمة الوقود في سوريا، لتزيد الخناق على المواطنين.

“خلاف على طابور محطة وقود يتسبب بمقتل مواطن في مدينة حماة”.. المرصد السوري لحقوق الإنسان

تحولت رحلة البحث عن الوقود لصراع يحتدم بين المواطنين في سوريا وينتج عنه إصابات عدة. ووفقًا لتقرير نشره المرصد السوري الشهر الحالي، فقد وقع عدة خلافات بين المواطنين أثناء انتظارهم أمام محطات الوقود، وكان أشدهم ضراوة ذلك الذي حدث في مدينة حماة، أثناء انتظار المواطنون في محطة وقود بالمدينة، وتطور الأمر إلى إشهار للسلاح، وقتل أحد المواطنين.

ونشر المرصد السوري في 6 سبتمبر إصابة 3 مواطنين بجروح متفاوتة عقب إطلاق نار حدث إثر خلاف نشب بينهم في محطة محروقات بجنوب السويداء، أثناء انتظار المواطنين الحصول على دور لتعبئة البنزين.

بداية أزمة الوقود

أصدرت الحكومة في سوريا قرارات متعلقة بتوزيع مادة البنزين عن طريق البطاقة الذكية، ووصل طول طابور السيارات والآليات إلى مئات الأمتار.

وزير النفط السوري، بسام طعمة، خلال تصريحات متلفزة له أرجع سبب الأزمة الحالية التي تشهدها البلاد من نقص في مادة البنزين إلى سببان، الأول هو الحصار الأمريكي إنتاجا وتوريدا، بالإضافة إلى توقف مصفاة بانياس للصيانة.

وأضاف خلال حوار له مع قناة “السورية” أن الحصار الأمريكي قائم في جهتين، جهة الإنتاج والمتمثلة في حقول النفط التي كانت تكفي البلاد منها كل احتياجاتها، وقد أصبحت اليوم تحت اليد الأمريكية.

“طعمة” أضاف أن الجهة الثانية متمثلة في جهة استيراد المشتقات النفطية، مؤكدًا أن أمريكا في الفترة الأخيرة شددت على منع التوريدات من الخارج. بالإضافة إلى أن توقف مصفاة بانياس بسبب حاجتها للصيانة الدورية فاقم الأزمة، وأن التشديد الأمريكي تزامن مع الصيانة التي تجرى في مصفاة بانياس التي تعمل منذ 7 سنوات دون توقف بسبب حاجة البلاد لإنتاجها، حيث تنتج ثلثي الحاجة من البنزين.

https://www.facebook.com/www.hpc.com.sy/posts/1507591109434286/

وقال وزير النفط السوري إن قانون قيصر عطل عدة شحنات من موردين لم يكشف عنهم. وأضاف الوزير “تشديد الحصار الأميركي ومنعه وصول التوريدات اضطررنا إلى أن نخفض هذا التوزيع نحو 30 إلى 35 بالمئة”.

ودخل “قانون قيصر” الأميركي حيز التنفيذ، في يونيو الماضي، بإعلان واشنطن إنزال عقوبات على 39 من الأشخاص والكيانات المرتبطين بالنظام السوري. وشملت القائمة، التي مثلت “الدفعة الأولى” من سلسلة العقوبات (ثلاثة دفعات حتى الآن)، رئيس النظام بشار الأسد، وزوجته أسماء باعتبارهما “مهندسي معاناة الشعب السوري”.

وبموجب العقوبات، بات أي شخص يتعامل مع النظام السوري معرضا للقيود على السفر، أو العقوبات المالية بغض النظر عن مكانه في العالم.

وأُطلق على القانون اسم “قيصر” نسبة لمصور سابق في الشرطة العسكرية السورية انشق عن النظام عام 2013، حاملا معه 55 ألف صورة تظهر الوحشية والانتهاكات في السجون السورية، والتي هزت المجتمع الدولي بأكمله.

الخبز والكهرباء وأسطوانات الخبز

كان غياب الوقود عن محطات البنزين بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث تسبب ذلك في زيادة الأعباء على المواطنين.

حرق 200 دونم من حقول القمح في الأراضي الزراعية بريف مدينة الشدادي وعدة قرى في جنوب الحسكة وفي أرياف حلب والرقة، ما تسبب في هلاك أغلب المحصول القمحي الذي يسد جوع السوريين، وقالت وكالة الأنباء السورية “سانا” إن القوات أمريكية هي المسؤولة عن الحريق عبر رميها عددا من البالونات الحرارية.

“الدونم هو وحدة قياس للأراضي الزراعية قيمة الواحد منها 1000 متر مربع”

وبحسب وسائل الإعلام المحلية في سوريا فقد شهدت محافظتا درعا والسويداء حرائق جنوبي سوريا قبل أيام حرائق مماثلة، حوّلت طالت عشرات الهكتارات من أراضي القمح والشعير.” تسببت الحرائق المتتالية لمزروعات القمح في فقدان 90% من المحصول الناتج سنويًا”،حتى إن الحصول على الخبز أصبح شبه مستحيل في سوريا، فقد تظل المخابز مغلقة لعدة أيام متتالية، ووصل السعر الحكومي المدعوم للخبز “50 ليرة للربطة الواحدة المؤلفة من 8 أرغفة”.

بالإضافة إلى أزمة في الكهرباء، حيث تنقطع لساعتين وتعمل على مدار أربع ساعات بشكل دوري طوال اليوم، والسبب الأساسي في الأزمة هو الاعتماد على المحروقات في إنتاج الكهرباء، وكذا أسطوانات الغاز.

سوريون: لنا الله

أصبحت شوارع سوريا عبارة عن طوابير انتظار للحصول على مقومات الحياة الأساسية التي يستخدموها في يومهم، والتي تنتهي دون الحصول عليها في أغلب الأحيان.

ألاء خالد، طالبة في كلية الحقوق بجامعة دمشق، قالت إن الوضع في سوريا أصبح محزن، فالحال والأوضاع متردية منذ عشر سنوات تقريبًا، الجهات الخارجية تحاول ضرب اقتصاد السوريين بكل الطرق، حتى يرضخ النظام الحالي لهم، وأضافت “لنا الله”.

الطالبة الجامعية أضافت أن أمريكا تزيد الخناق عليهم، لذا تتلاحق الأزمات التي تصيب المواطنين، وأيضًا العناصر المسلحة لها دور كبير في تدهور الأوضاع، وكذا بعض العناصر في الحكومة ممن يبيعون النفط والخبز والأسطوانات في السوق السوداء، ما يضاعف ثمنها لعشر أضعاف فأكثر.

“سوريا كانت تنتج 4 ملايين طن من القمح في العام، وتصدر 1.5 مليون طن في عام 2011”

خضر سعد مخلوف، محامي متخصص في القانون الدولي من جبلة بسوريا، قال إن السوريين يعانون وسط ويلات منع أمريكا لاستيراد النفط من الخراج، وكذا سيطرتها على الأبار عسكريًا، في محاولات منها للضغط على الحكومة لتقديم تنازلات.

المحامي المتخصص في القانون الدولي أكد أن النظام السوري يحاول الخروج من ذلك المأزق عن طريق إعادة تشغيل مصفاة حمص وصيانة مصفاة بانيس لتزويد المحافظات بالوقود، وأن المواطنين يحاولون المشاركة في حل الأزمة عن طريق الصبر ودعم النظام.

“مخلوف” أشار إلى أنه هناك بعض العناصر الفاسدة في الحكومة والتي تبيع النفط والوقود والخبز في السوق السوداء، وتقسيم كل المخصصات إلى اثنين الجزء الأول للأسواق النظامية، والنصف الثاني للأسواق السوداء، وأن لتر البنزين في السوق السوداء 2000 ليرة، وفي والنظامي 250 ليرة. وتوقع أن تنتهي الأزمة قريبًا في بداية شهر أكتوبر، إما عن طريق المعاونات والتعاقدات الخاصة بالحكومة مع روسيا، أو بمساعدات خارجية للدولة.