أصدرت صحيفة “واشنطن بوست”، على مدار الأيام الماضية، سلسلة من المقالات الافتتاحية، مكونة من 6 أجزاء، سلطت خلالها الضوء علي مخاطر إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لولاية ثانية، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل.

وكشفت الصحيفة الأمريكية، بعض التجاوزات التي ارتكبها ترامب خلال ولايته، وخلطه بين مصالحه الشخصية والمصلحة العامة، واصفة الأمر بـ”فساد غير مسبوق” شهدته الولايات المتحدة في عهده، محذرة من ازدياد الأوضاع سوءً إذا تم انتخابه لولاية ثانية، كما أشارت إلى أن الديمقراطية والحريات بالعالم ستتعرض للخطر أيضًا في حال استمرار ترامب في البيت الأبيض.

ترامب

ترامب انتهك الدستور والأخلاقيات خلال فترة حكمه، حيث رفض مخطط لبناء حرم جامعي جديد في أحد الضواحي لأنه يتعارض مع واجهة فندقه الفاخر

تجفيف المستنقع

وحذرت هيئة تحرير “واشنطن بوست”، خلال الافتتاحية السادسة، من أن تراجع مؤشرات الشفافية ومكافحة الفساد قد تصل لأدني مستوياته في حال استمرار ترامب في منصبه، إذا لم يستعيد الناخبون الأمريكيون حكومتهم، ستصبح البلاد منظمة ثانية لـ”ترامب” بعد أربع سنوات من الآن.

وقالت الصحيفة، إن الرئيس الأمريكي الحالي يعتقد أن الجنرالات ووزارة العدل وبقية الوزراء موجودون لخدمة مصالحه الشخصية فقط، منوهة إلى الخطر الذي قد يمثله بقائه لولاية ثانية.

وبحسب منظمة الشفافية الدولية، فقد جاء تصنيف الولايات المتحدة في المرتبة الـ 18، في مؤشر الفساد عقب تولية “ترامب” رئاسة البلاد، ، متراجعة بمركزين عن تصنيف العام الذي يسبقه.

وصرح فين هاينريش، مدير الأبحاث في منظمة الشفافية الدولية، حينها إنه “ليس متفائلا” بأن الملياردير الأمريكي سوف يحافظ على تعهداته بالقضاء على الفساد، نظرا للنزاعات التجارية الكثيرة التي دخل فيها، وهجومه على وسائل الإعلام، ورفضه الإفصاح عن إقراراته الضريبية”.

وكان قد تعهد ترامب، خلال حملته الانتخابية في عام 2016، بالقضاء علي الفساد من جذروها، مطلقًا هاشتاج “تجفيف المستنقع”، في إشارة منه الي سد بؤر الفساد بالبلاد، وتشكيل حكومة تخدم الأمريكيين، ألا أنه نكس بعهده، بحسب الصحيفة، كبقية العهود الانتخابية التي قطعها علي نفسه.

وقال نوح بوكبيندر، المدير التنفيذي لمنظمة مواطنين من أجل المسؤولية والأخلاق في واشنطن، أن الواقع اثبت عكس تعهدات ترامب تمامًا، حيث رفض الأخير فصل اعماله الخاصة والتجارية عن وضعه كرئيس للبلاد مثل اقرانه، فظاهرًيا قلد أولاده البالغين جميع اعماله، ولكن خلف الكواليس فأنه يقضي يومًا من كل ثلاثة أيام في مكتب أحد شركاته، وأكثر من نصف الأيام السابقة في أحد منتجعاته وفي ملاعب الجولف.

ووفقًا للبيانات التي جمعتها المنظمة، أن أكثر من 900 الف دولار من أموال الضرائب قد انفاقها علي منتجعات “ترامب” وعربات الجولف، لافتة الي أن أعضاء حملة الرئيس والشخصيات الأجنبية الهامة والتي تسعي لكسب ود الإدارة الامريكية ، بجانب المسئولون الجمهوريون قد فضلوا البقاء والإقامة في فنادق الرئيس “ترامب”، ما ضخ ملايين الدولارات لإمبراطورتيه التجارية خلال الأربع أعوام الماضية.

وكشفت المنظمة، أن ترامب انتهك الدستور والأخلاقيات خلال فترة حكمه، حيث رفض مخطط لبناء حرم جامعي جديد في أحد الضواحي لأنه يتعارض مع واجهة فندقه الفاخر في نفس المنطقة، كما حاول من قبل استضافة تجمعًا لزعماء العالم في قمة مجوعة السبع في أحد منتجعاته بميامي، فضلاً عن محاولته الضغط على السفير الأمريكي في بريطانيا لإقامة بطولة بريطانيا المفتوحة للجولف، في أحد منتجعات الجولف التابعة لعائلة ترامب في اسكتلندا.

علاوة علي ذلك، حصلت ميلانيا ترامب، السيدة الاولي، علي علامات تجارية قيمة من الصين اثناء وجدها في البيت الأبيض، فضلاً عن استغلال أبناء ترامب دونالد جونيور واريك، امتيازهم السياسي لتعزيز مصالحهم المالية.

“تجاوزات ترامب تكشف عن نظريته الواضحة بأن الخدمة العامة وسيلة للثراء السريع.. “واشنطن بوست

انتشار الفساد

وتحت عنوان “حكم ترامب ترامبوقراطي: فساد الجمهورية الأمريكية”، أوضح الكاتب والسياسي الأمريكي، ديفيد فروم، أن الفساد الذي ظهر مع مجيء الرئيس الأمريكي للحكم إنما هو نتاج فساد أوسع في الطبقة الحاكمة الأمريكية، معربًا عن انزعاجه من محاباة “ترامب” لأقاربه، والتي ظهرت جليًا في تعينه زوج ابنته، جاريد كوشنر، في أحد المناصب القيادية للبلاد، وهو ما أعطى انطباعًا بأن الدولة الكبرى في العالم انحدرت إلى مستوى ممتلكات الأسرة، بحسب قوله.

وتوقع فروم، خلال كتابه، الذي نشر منذ عامين، أن يذهب ترامب في حال استمراره نحو حكم “الكليبتوقراطية”، وهو نوع من الحكم يتكون من قادة فاسدين “كليبتوكراتس” يستخدمون سلطتهم لاستغلال الشعب والموارد الطبيعية في أراضيهم من أجل توسيع ثرواتهم الشخصية وقوتهم السياسية.

ويستدل على ذلك بحكم قانوني حصل عليه ترامب، بأن البيت الأبيض خارج نطاق القوانين الاتحادية لمكافحة المحاباة، كما قام بتعطيل عمل الحكومة الفيدرالية ضد الفساد، مما يُعرب عن استخفافه بفكرة أن القانون يجب أن يكون معزولًا عن السياسة.

وعلق “هاينريش”، علي تعين ترامب اقرابه في السلطة، قائلاُ “عندما ترى أن دونالد ترامب قد عين زوج ابنته في منصب أحد كبار المستشارين فإن ذلك يعد مؤشرا سيئا”، بحسب وكالة “فرانس برس”.

وفي أغسطس الماضي، أصدر ترامب عفواً عن جون بوندر، وهو لص بنوك تحول إلى ناشط، في البيت الأبيض، وقد أثارت هذه الخطوة انتقادات واسعة النطاق تتهم ترامب بأنه يسيء استخدام منصبه ويستغله لأغراض حزبية بحتة.

وقال والتر شاوب، الذي شغل منصب مدير مكتب الأخلاقيات الحكومية الأمريكي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، في نفس اليوم، إنه رأى “الكثير من الانتهاكات الأخلاقية من قبل”، ولكن لم يسبق له “أن رأى شيئاً من هذا القبيل”.

بينما اعتبر السناتور الجمهوري، ميت رومني،فساد تاريخي، غير مسبوق: رئيس أميركي يخفف عقوبة بالسجن على شخص دانته هيئة محلفين بالكذب لحماية هذا الرئيس”.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن تجاوزات ترامب تكشف عن نظريته الواضحة بأن الخدمة العامة وسيلة للثراء السريع، إذ أنه لم يذكر من قبل أن قام عضو في الحكومة بحجز رحلات للعمل علي متن طائرات خاصة باهظة الثمن، كما لم يجهز أي رئيس مكتبه بكابينه هاتف بقيمة 43 ألف دولار، وتناول طعام بقيمة 31 ألف دولار.

بالمقابل، تجاهل بعض كبار مساعدي الرئيس قانون هاتش، الذي يمنع الموظفين الفيدراليين باستثناء الرئيس، من المشاركة في أي أنشطة سياسية، بما فيها الحملات، بصفتهم الرسمية.

أكدت الصحيفة، أن التاريخ سيسجل فترة رئاسة ترامب على أنها مسيرة دمار غاشم  ومأساوي

ترامب

ديمقراطيتنا في خطر

علي جانب آخر، يبدو أن استمرار ترامب في حكم البلاد، لن يضر بمؤشرات الفساد فحسب، بل سيعرض الديمقراطية الأمريكية والحريات بالعالم في لخطر، مستشهدة بمسيرة الرئيس الأمريكي خلال الفترة الماضية وانتهاكه الكثير من معايير الديمقراطية والتوازنات السياسية.

وأكدت الصحيفة، أن التاريخ سيسجل فترة رئاسة ترامب على أنها مسيرة دمار غاشم  ومأساوي، فمكانة أمريكا في العالم وعلاقاتها بحلفائها بالمنطقة، والقيم الديمقراطية والضوابط الدستورية والاهتمام بالعلم، كلها مصطلحات احرقها المرشح الجمهوري للنهاية.

وحذرت الهيئة التحريرية للصحيفة، من أن الأمور قد تزداد سوءً بالنسبة للولايات المتحدة مع بقاء ترامب على رأس القيادة لمدة أربع سنوات أخرى، “كان الاستسلام للحزب الجمهوري مقززًا وينذر بالخطر منذ البداية”، بحسب وصفها.