لم يكن صيف2019 يشي بأي سخونة غير طبيعية في المشهد السياسي، باستثناء مناخه الحار دائما في السنوات الأخيرة، إلى أن أضفى خبر إعلان وزارة الداخلية “القبض على خلية الأمل” في 25 يونيو من العام الفائت، نوعًا من السخونة غير المتوقعة، إذ ضمت “الخلية” حزبيين وصحفيين يساريين وليبراليين، باتهامات منها “التخطيط مع قيادات جماعة الإخوان بالخارج لاستهداف وإسقاط الدولة بالتزامن مع ذكرى 30 يونيو تحت مسمى خطة الأمل”.
بحسب بيان الداخلية، تم إلقاء القبض على 8 أشخاص من بينهم البرلماني السابق زياد العليمي، والصحفي اليساري هشام فؤاد، وحسام مؤنس، المدير السابق لحملة المرشح الرئاسي حمدين صباحي، وعمر الشنيطي، المدير التنفيذي لشركة مالتيبلز للاستثمار، وجهت لهم اتهامات بتشكيل تنظيم سري خلافًا للقانون والتخابر والتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، وإدارة 19 شركة وكياناً اقتصادياً، تديرها بعض القيادات الإخوانية، والعناصر الإيثارية بأساليب سرية.
لم تكن مرت سويعات قليلة على خبر إسقاط “الخلية” حتى بادرت الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم عددًا من الأحزاب اليسارية والليبرالية بإعلان أن قوات الأمن أسقطت شبابها الذين كانوا يحضرون لإشهار تحالف انتخابي جديد يدعى “تحالف الأمل” لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأن المجموعة المحتجزة كانت تلتقي في مقار أحزابها القانونية بمشاركة قيادات الأحزاب ونواب في البرلمان يريدون تفعيل مشاركتهم في العمل السياسي بالاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة.
الضربة الاستباقية التي كانت تجهزها أحزاب المعارضة لإحياء أمل غائب بالاستعداد المبكر للانتخابات قبل موعد إجرائها بعام ونصف العام، لتدارك أخطاء الماضي، قوبلت بضربة استباقية أخرى، فأجهض الأمل مبكرًا، ووصلت الرسالة، ليعود كل إلى مكانه، ويتجرع المعارضون فشل إلقاء الأحجار في المياه الراكدة.
جلسات الحوار الوطني
كل محاولات” الأمل” لم تأذن ببداية التخطيط للبرلمان بعد، حتى وإن كانت ملامحه بادية، إلى أن انطلق قطار برلمان 2021 في مطلع ديسمبر 2019 من ضاحية التجمع الخامس، حيث مقر حزب مستقبل وطن، صاحب الأكثرية في البرلمان الحالي، الذي احتضن جلسات “الحوار الوطني” بمشاركة نحو 10 أحزاب من بينها أحزاب المعارضة ” المصري الديمقراطي الاجتماعي- العدل- والإصلاح والتنمية- والمحافظين”، بهدف التباحث حول طرق خلق مناخ سياسي جيد لإجراء الاستحقاقات الدستورية “مجلس النواب- مجلس الشيوخ- المحليات”.
كان غريبا أن تدعو أحزاب الموالاة نظرائها في المعارضة للحوار حول قوانين الانتخابات، فالسنوات الست الماضية غابت عنها المناقشات وتبادل الآراء وجسدت الجلسات البرلمانية مثالًا حيًا على سيطرة أحزاب ونواب بأعينهم على القرار والميكرفون، لكنها عادت فجأة من أجل إعلاء الرؤية الوطنية المصرية، ووضع مبادئ رئيسية متفق عليها حول الشكل الانتخابي سواء بإجراء الانتخابات بنظام القوائم النسبية أو المغلقة أو الفردى أو النظام المختلط، حسبما أعلن أشرف رشاد، رئيس حزب مستقبل وطن آنذاك.
في الجلسات الثلاث التي عقدت بالتجمع الخامس، طالب ممثلو المعارضة بالإفراج عن كوادرهم المحتجزين داخل السجون على ذمم قضايا سياسية، وخصوصا المقبوض عليهم في تحالف الأمل الانتخابي، كي يتسنى لهم التفكير في خوض الانتخابات في مناخ سياسي صحي، وذلك فضلا عن المطالبة بإجراء الانتخابات بالقائمة النسبية بدلا من المغلقة، التي تهدر 49 % من الأصوات، لتنتهي الجلسات إلى تشكيل لجنة خبراء لوضع المقترحات الخاصة بتفعيل دور الأحزاب السياسية، ووضع مقترحات لقوانين الاستحقاقات الانتخابية مجلس النواب، مجلس الشورى، المحليات، لضمان أن يكون هناك تمثيل لكافة القوى الوطنية في الانتخابات المقبلة، حتى تكون كافة الآراء موجودة داخل البرلمان.
في انتظار ما لن يأتي
انتظر المشاركون في جلسات الحوار الوطني ما ستفسر عنه لجنة الخبراء بمقترحات الأحزاب بخصوص نظام القوائم قرابة 5 أشهر، حتى حسم رئيس ائتلاف دعم مصر عبدالهادي القصبي الأمر وتقدم في 7 يونيو هو و60 آخرين “أكثر من عُشر عدد أعضاء المجلس” بمشروع قانون مجلس الشيوخ ومشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية والهيئة الوطنية للانتخابات.
وبحسب المشروع الذي صار قانونًا رسميًا في الوقت الحالي يتشكل مجلس النواب من 596 عضوًا ويجمع النظام الانتخابي ما بين القائمة المغلقة والفردى بواقع 50% لكل منهما، بحيث تستوعب القائمة الالتزامات الدستورية بواقع 25% للمرأة فى ضوء المادة 102 من الدستور، والتمثيل الإيجابي للفئات التى حددها الدستور حيث الشباب وذوي الإعاقة والمسيحيين والمصريين بالخارج، وذلك بما يحافظ على تمثيل جميع فئات الشعب.
“القصبي” قال إن تلك القوانين هي نتاج الحوار المجتمعي الذي جرى بين الأحزاب في الأشهر الماضية، إلا أن حزب العدل، أحد أطراف هذا الحوار، صرح حينذاك بأنه فوجئ بتقدم “دعم مصر” بالمشروعات رغم وجود اتفاق مسبق على إصدار قوانين ترضي الجميع ولا تعزز من إقصاء الأحزاب.
لماذا الإصرار على القائمة المغلقة؟
اختبرت تجربة القائمة المغلقة مدى نجاحها في حصر الأشخاص الذين يراد لهم التواجد تحت القبة في انتخابات 2015، حيث خصصت 20 % من مقاعد البرلمان للقائمة المغلقة بواقع 120 مقعدًا مقابل 448 للنظام الفردي، ما أسفر عن نجاح القوائم التي شكلها الخبير الأمني سامح سيف اليزل تحت اسم” في حب مصر”، وذلك بعكس انتخابات 2011 التي جرت بالقائمة النسبية مما ساهم في تمثيل أحزاب مختلفة حسب نسبة أصوات كل قائمة في ظل سيطرة من الحرية والعدالة الإخواني والنور السلفي على النسبة الأكبر من المقاعد، وهو ما عبر عنه النائب أشرف رشاد بشكل مباشر بقوله “مش هنطلع قائمة بالتفصيل، وهناك رؤساء أحزاب عارفين لو دخلوا هيسقطوا، ويريد النسبة لكى ينجح ومعاه كام واحد آخر”.
بقاء النظام الانتخابي المختلط ما بين النظام الفردي والقوائم المغلقة المطلقة يعني إهدار 49% من إجمالي أصوات الناخبين، وسيدفع العديد من الناخبين لعدم المشاركة في الانتخابات التالية، وهو ما يفسر ظاهرة تراجع معدلات المشاركة للناخبين، وذلك بحسب دراسة نشرها “مركز الحق للديمقراطية وحقوق الإنسان” عقب إقرار القوانين الانتخابية ورفض مناقشة المقترحات الأخرى التي تقدم بها النائب محمد عبدالغني للجنة التشريعية والتي كانت تطالب بإجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية وتقليل نسبة الفردي.
وبحسب الدراسة، ستؤدي هذه الطريقة إلى ارتفاع كتلة المعينين بالبرلمان إلى 5% تعيين مباشر، بالإضافة إلى 50% تعيين غير مباشر عبر القائمة المغلقة المطلقة، كما أنها ستؤدي إلى سيطرة حزب واحد على البرلمان، كما حذرت الدراسة من سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على الدوائر الانتخابية وخروج الشباب من المنافسة، بسبب توسيع الدوائر الفردية بشكل كبير، وفقًا للنظام الانتخابي وعدد النواب المقترح.
وذكرت الدراسة أن من يتحكم في اللعبة السياسية يسير النظام الانتخابي كما يريد، لذا فإن القائمين على الائتلاف الانتخابي يرون أنه لا حاجة إلى تعديل النظام الانتخابي طالما أنه يمكنهم من حصد الأغلبية عبر هذا النظام، وتصبح معه القائمة المغلقة أشبه بالتعيين وليس بالانتخاب، حيث تقتل التنافسية ولا تسمح للأحزاب الصغيرة بالترشح.
القفز من سفينة المعارضة بحثًا عن التعيين
البحث عن التعيين بالمجالس “شيوخ – مجلس نواب” دفع أحزاب معارضة إلى القفز من سفينتها الراكدة منذ سنوات طويلة، وامتطاء سفينة أخرى تضمن النجاح بدون مجهود، فقط يكفيهم إرسال أسماء المطلوب تعيينهم عبر البريد الإلكتروني أو جروب “واتس آب”، وهو ما أقدمت عليه أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي والعدل والإصلاح والتنمية، التي سجلت اعتراضات على المناخ الديمقراطي والنظام الانتخابي في جلسات الحوار الوطني، ثم أعلنت المشاركة في القائمة الوطنية، لتسهيل حصد كل منها نسبة في انتخابات الشيوخ، تمهيدًا للعبور إلى بوابة مجلس النواب.
تلك القفزة تسببت في انقسام كبير داخل صفوف المعارضة، خاصة أن انسحاب 3 أحزاب دفعة واحدة يشق الصف بعد رحلة طويلة من الكفاح ضد الإقصاء والتهميش، ما استدعى وصفه جورج إسحاق، القيادي بالحركة المدنية، بالانتهازية السياسية وليست البرجماتية، معتبرا أن النظام السياسي لجأ إلى استقطاب تلك الأحزاب لتجميل الصورة الانتخابية فقط، وليس لتلبية مطالبهم وتبني مشروعهم السياسي.
الشيوخ مجرد بروفة
يمكن اعتبار ما حدث في انتخابات مجلس الشيوخ مجرد بروفة لما سوف يحدث في انتخابات النواب، إذ فازت القائمة الوطنية بكامل مقاعدها الـ100 بدون منافسة، ووزعت الحصص بين أحزابها بنظام معروف يتحكم فيه مستقبل وطن، “النجم الذي يدور حوله الكواكب” إذ حصد 60% من مقاعد القائمة وفاز ب88 مقعدًا من أصل 100 ينتخبون بالفردي، فيما احتل حزب الشعب الجمهوري المدجج برجال الأعمال المركز الثاني بـ16 مقعدًا، ولم يحصد الوفد العريق إلا 6 مقاعد فقط، وتقاسمت أحزاب الغد وحماة وطن والمصري الديمقراطي والتجمع والإصلاح والتنمية وتنسيقية شباب الأحزاب حوالي 22 مقعدا.
بروفة الشيوخ قابلة للتكرار، ربما ليست بالحذافير، في ظل اختلافات “شكلية” في تشكيل القائمة الوطنية “من أجل مصر” بعد أن أعلنت أحزاب المصريين الأحرار والحركة الوطنية والغد عدم استلام دعوة المشاركة، وإعلان الوفد انسحابه “المتكرر” بسبب عدم تقديره بالقدر الكافي الذي يتماشى مع شعبيته وعراقته السياسية.
لكن اللافت أن القائمة الوطنية لن تفوز بـ5% من أصوات الناخبين كما حدث في الشيوخ، بسبب القوائم التي يجرى التحضير لها في الكواليس، ومن ضمنها ائتلاف الأحزاب الدستورية الذي يشكله حزب المحافظين الرافض للقوائم المغلقة، وائتلاف آخر قيد الإنشاء لم ير النور، وقد لا يراه، يتزعمه اللواء طارق المهدي، محافظ الإسكندرية، وسط غياب متوقع من تكتل الحركة المدنية الذي تراجع عن خوض سباق القوائم والاكتفاء بدعم 20 مرشحًا على مقاعد الفردي.
معركة الفردي أيضًا لم تسلم من مشرط المُشرع، وتضاءلت فرص نجاح مرشحين من خارج أحزاب السلطة، ولم يعد مضمونًا حدوث اختراق لنواب على شاكلة تحالف 25/30 الذي تسبب في إزعاج الحكومة في البرلمان الأخير، خاصة بعد تقسيم البلاد إلى 143 دائرة انتخابية للفردى بدلاً من 205 دائرة، كما كان في الانتخابات البرلمانية الماضية، ما يعني اتساع الدائرة على المرشحين وحاجتها إلى إمكانيات مادية ضخمة لا تتوافر في نوعية مرشحي أحزاب المعارضة التي تعاني من نقص الإمكانيات المادية.