شهدت الفترة الأخيرة، محاولات تركية لإجراء حوار سياسي مع مصر، يشمل تبادل الزيارات تمهيدًا لعودة العلاقات بين البلدين لطبيعتها.

وتشهد العلاقات المصرية – التركية حالة من التوتر منذ 30 يونيو 2013، بعدما أسقطت تظاهرات حاشدة الرئيس الأسبق محمد مرسي، الحليف القوي لأنقرة.

تصاعد الخلاف

وزادت حدة الخلاف بين القاهرة وأنقرة، بعد التدخل العسكري التركي في ليبيا، ودعم الأخيرة حكومة المجلس الرئاسي في طرابلس، وهو اعتبرته مصر “تصعيدًا للأزمة في ليبيا، وخطرًا على الأمن القومي المصري، بسبب تواجد ميليشيات ومرتزقة، جلبتهم تركيا إلى الأراضي الليبية”.

ويختلف البلدان أيضًا في شرق البحر المتوسط، بسبب اتفاق مصري – يوناني على ترسيم الحدود من جهة، واتفاق تركي مع حكومة المجلس الرئاسي على ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية من جهة أخرى.

وقدمت تركيا عددًا من المبادرات لفتح حوار سياسي، منها تسليم أعضاء جماعة الإخوان الهاربين إلى تركيا المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية في مصر، غير أن القاهرة أكدت ضرورة تغيير السياسة التركية العدوانية تجاه الدول العربية، كما شددت على أن “تغيير السياسة التركية، شرط لمصالحة شاملة مع مصر والدول العربية والأوروبية”، وليس مجرد وقف دعم جماعة الإخوان الإرهابية حسبما نشر موقع روسيا اليوم.

وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو

مصادر مصرية كشفت أن تركيا قدمت عرضًا للسلطات المصرية، خلال اتصال أمني رفيع المستوى في يوليو الماضي، يشمل إغلاق جميع القنوات المعادية لمصر، والتي تُبث انطلاقًا من الأراضي التركية، وتسليمها عدداً من أعضاء جماعة “الإخوان”، المتهمين بارتكاب جرائم “إرهاب”، لمحاكمتهم أمام القضاء المصري، مقابل الدخول في حوار سياسي بينهما، يشمل تبادل الزيارات، وهو ما رفضه الجانب المصري، بحسب موقع “الشرق” السعودي.

غير كاف

وأفادت المصادر بأن السفارة المصرية في أنقرة استضافت اجتماعًا بين الوفدين الأمنيين المصري والتركي، حيث أكد المسؤول الأمني التركي رغبة بلاده في إجراء حوار أمني، يمكن تطويره بعدها إلى تقارب سياسي، كما اشترط مفاوضات سرية فقط بين البلدين، وليست علنية، وأن يكون هناك فصل بين الملفات الأمنية والسياسية.

كما قدم الجانب التركي خلال هذا الاجتماع أيضًا، لائحة تضم أسماء من جماعة الإخوان يمكن تسليمها فورًا، ولائحة بأسماء يمكن التفاوض عليهم، ولائحة أخرى فيها أسماء عدد من قادة الإخوان، الذين حصلوا على الجنسية التركية، بما يمنع تسليمهم.

واعتبرت القاهرة أن العرض التركي ليس كافيًا لطي صفحة الخلاف بين الدولتين، والدخول في حوار سياسي بينهما، وأكدت أن ما قدمته تركيا حتى الآن لتحقيق المصالحة بين البلدين، غير كاف، وأن على أنقرة الاستجابة للشروط المصرية بتغيير كامل في سياستها.

وطلبت أنقرة الاجتماع مع مسؤولين أمنيين مصريين، آخرها منذ ما يقارب 10 أيام، ولكن القاهرة رفضت مجددًا، وكشفت المصادر أن أنقرة “اقترحت اجتماعات تشاورية في مصر وتركيا وإحدى الدول الأخرى، ولكن مصر رفضت أيضًا”.

وأشارت المصادر إلى أن “الاستخبارات التركية أرسلت خطابًا جديدًا، يطالب بفصل التنسيق الأمني عن الملفات السياسية، وهو ما رفضته القاهرة تمامًا”.

ولم تحقق الاجتماعات المصرية – التركية تقدمًا بسبب “تمسك مصر بضرورة تغيير تركيا سياستها بشكل واضح ومعلن”.

ثلاثة طلبات واعتذار

فيما أشار تقرير لـ”روسيا اليوم” إلى أن تركيا تقدمت بثلاثة طلبات سرية إلى القائم بأعمال السفارة المصرية في بلادها، طلبت في أحدها ضرورة زيارة وزير الخارجية مولود أوغلو الى القاهرة، غير أن القائم بالأعمال لاذ بالصمت وآثر عدم الرد.

سفارة مصر باسطنبول

وأشار التقرير إلى أن تركيا قدمت اعتذارًا رسميًا للجهات المعنية في مصر الشهر قبل الماضي عن غضب القاهرة من توغل السفن التركية في أقل من واحد كيلو متر داخل المياه الاقتصادية المصرية بالبحر المتوسط، وتعهدت كتابيا في الاعتذار عدم تكرار مثل هذا الخطأ مرة أخرى.

كما تقدمت رئاسة الجمهورية التركية بطلب لوزارة الخارجية المصرية، طلبت فيه السماح لنائب الرئيس التركي زيارة القاهرة بصحبة وزير الداخلية، ولقاء المسؤولين في القاهرة، إلا أن “الخارجية” لم ترد أيضًا.

وتحدث وزير الخارجية التركي مولود أوغلو سرًا مع مسؤولين مصريين يطلب مجددًا زيارة القاهرة بصحبة مسؤولين أمنيين، دون إعلان، وقال إن تركيا تتفهم مطالب أجهزة الأمن بتسليم المطلوبين واقترح تسليمهم عن طريق دولة عربية ثالثة عبر خطة استخباراتية لحفظ ماء وجه السياسة التركية، فتحفظت القاهرة ورفضت طلب الزيارة.

وأكد التقرير أن القاهرة لم تطلب تسليم الإخوان الهاربين لدى تركيا، ولم تسجل أي مطالب من أنقرة في أي اتصال، فيما قدم نائب رئيس جهاز المخابرات التركي خطة بعملية تسليم الإخوان الموجودين لدى تركيا، وصنف قوائم المطلوبين إلى ثلاثة أنواع اقترح تسليمهم على أوقات متفاوتة، كما طالبت الاستخبارات التركية أن يكون هناك تنسيق مع القاهرة بشأن ملف غاز المتوسط فقط.

استمرار التصريحات المسيئة

وكانت القاهرة قد نددت قبل أيام بـ”استمرار التصريحات المسيئة لمصر، كان آخرها حديث وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو مع قناة سي إن إن ترك، الذي تضمن، من بين إشارات مختلفة، “تناولاً سلبياً حول ما شهدته مصر من تطورات سياسية اتصالاً بثورة 30 يونيو”، وفق ما أفاد به بيان للخارجية المصرية.

وأكدت المصادر بحسب موقع “الشرق” أن “أنقرة تطلق التصريحات عبر مسؤوليها، تستهدف مصر، وفِي السر ترسل مخاطبات سرية للجلوس مع مصريين”، ورأت أن “تركيا وبحسب التقديرات المصرية، باتت في وضع ضعيف جداً من الناحية الاستراتيجية، وتريد من يلقي لها طوق النجاة”.

وأضافت المصادر أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكبار مساعديه، حاولوا بشكل متكرر التصريح بوجود اتصالات مع مصر من أجل منع انهيار هذه اللقاءات”.

“أردوغان” يعلن استعداد بلاده للحوار

في غضون ذلك، أعلن “أردوغان” الجمعة الماضية، استعداد بلاده للحوار مع مصر.

أردوغان

وقال في تصريحات للصحفيين في اسطنبول: “لا مانع لدينا من الحوار مع مصر، وأضاف: إجراء محادثات استخباراتية مع مصر أمر مختلف وممكن وليس هناك ما يمنع ذلك، لكن اتفاقها مع اليونان أحزننا”.

وكانت تركيا اعتبرت سابقا أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية -اليونانية، التي وقعت مطلع أغسطس في القاهرة، باطلة، مشيرة إلى أنها “تنتهك أيضا الحقوق البحرية الليبية”.

وأواخر الشهر الماضي، صادق البرلمان اليوناني على هذا الاتفاق الثنائي مع مصر، وسط تصاعد التوترات بين أنقرة وأثينا، حيث يتنازع البلدان المتجاوران وكلاهما عضو في حلف شمال الأطلسي على مناطق بحرية غنية بالغاز والنفط.