بعد مرور تسعة عشرة عاماً من الدمار والحروب والاقتتال الذي قادته القوات الأمريكية على الأراضي الأفغانية، ضد حركة طالبان، لإيوائها عناصر تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم أسامة بن لادن، جاء عام 2020 حاملًا أغصان الزيتون الأمريكية، بعدما قررت الولايات المتحدة، إنهاء القتال والتصالح مع طالبان، وإنهاء النزاع القائم بين الحركة المتطرفة وحكومة أفغانستان.
يثير الإعلان عن رعاية قطر والولايات المتحدة لمفاوضات سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، الكثير من المخاوف، خاصة أن الأخيرة من أكثر الحركات تطرفًا حول العالم، ولم تتنازل عن أفكارها المتشددة أو حملها للسلاح ضد معارضيها، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات، حول هذا جدية هذا السلام، وحقيقة أهدافه، وما إذا كان مرتبطًا بعودة طالبان للمشهد من جديد، بعد فشل تنظيم داعش وسقوطه في العديد من الدول.
الصراع في أفغانستان
شهدت أفغانستان صراعًا طويلًا مع حركة طالبان المتطرفة، انتهى بتولي طالبان الحكم بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى الألفية الجديدة، حيث انتهى هذا الحكم عقب تدخل الولايات المتحدة، لإجبار طالبان على التراجع، نتيجة دعمها لعناصر تنظيم القاعدة، وتحويل أفغانستان لأماكن إيواء لتلك العناصر ومنهم رئيس التنظيم أسامة بن لادن.
وشنت الولايات المتحدة هجومًا على أفغانستان عام 2001، انتهى بتنحية حركة طالبان عن الحكم، وتعقب عناصر تنظيم القاعدة، بعدما قامت الأخيرة بشن هجمات على الولايات المتحدة استهدفت برجي التجارة الدولية ومقر وزارة الدفاع الأمريكية.
استمر القوات الأمريكية في تعقب عناصر طالبان والقاعدة على الأراضي الأفغانية، وتم تشكيل قوات ما يسمى بالمساعدة الدولية شارك فيها حلف شمال الأطلسي، وهدفها تدريب القوات الأفغانية، على القتال العسكري، ومتابعة استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد.
ولكن طالبان لم تنسحب من المشهد، وقادت تمردًا ضد الحكومة الأفغانية، ودخلت في عداء مباشر معها، أدى إلى استمرار الاقتتال بين الطرفين بجانب القوات الأمريكية وقوات المساعدة استمر حتى يومنا هذا.
عودة طالبان للمشهد
حصلت طالبان على مدار العقود الماضية، على دعم كبير جعلها قادرة على الصمود أمام القوات الأمريكية والحكومة الأفغانية، ووفقًا للباحثين، فإن قطر كانت الداعم الأكبر للحركة، ما جعلها بعد مرور 20 عامًا من القتال، هي الأقوى، مقابل ضعف الحكومة الأفغانية وتراجع الدعم الدولي المقدم لها رغم استمرار القوات الأجنبية داخل الأراضي الأفغانية.
وخلال الأيام الماضية، قادت الولايات المتحدة بالتعاون مع قطر، تفاوضًا بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، وهو التفاوض الذي يأتي بالتزامن مع سقوط تنظيم داعش الإرهابي في العديد من الدول، وتلقيه الهزائم تلو الأخرة، ما يجعل طالبان أكثر التنظيمات الإرهابية قوة، كونها التنظيم الذي صمد للنهاية.
من جهة أخرى يثير التفاوض مع طالبان المخاوف من إعادة قوتها الإرهابية، والتي تأثرت بالمواجهات مع القوات الأمريكية، بخلاف قدرتها على ضم عناصر تنظيم داعش تحت مظلتها، وإعادة تشكيلهم، ما يهدد بعودة الحياة للإرهاب المسلح من جديد، تحت رعاية الولايات المتحدة، التي طالما استخدمت تلك الحجة لغزو البلدان الإسلامية.
وأكثر ما يثير القلق من صعود الإرهاب المسلح من جديد، وإعادة تنظيم صفوفه بقوة أكبر، هو امتلاك حركة طالبان لقوة بشرية ليست بالقليلة، هذا بخلاف معتقليها في السجون الأفغانية، والذين طالبت بخروجهم، الأمر الذي خضعت له الحكومة الأفغانية، وقامت بالإفراج عن 400 شخص من طالبان من أصل 5 ألاف تطالب الحركة بالإفراج عنهم، في حين لم تنفذ طالبان الجزء الخاص بها من الأفراج عن المعتقلين لديها والبالغ عددهم 1000 شخص، حيث أفرجت عن عدد محدود منهم وامتنعت عن الافراج عن الباقيين.
فشل الاتفاقية ومكاسب طالبان
وعن اتفاق التصالح ومدى قدرته على تحقيق السلام المنشود، يقول الدكتور أيمن سمير، الباحث في العلاقات الدولية، أن ” هذا الاتفاق لن ينجح ولن يستمر وسوف يفتح حلقة جديدة من الدماء، ولكن لن يكون فيها حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية، كما كان من قبل، ولكن الحلقة الجديدة سوف تكون بين حركة طالبان وبين باقي المكونات السياسية والعسكرية الموجودة على الأراضي الأفغانية، لأنه لا يوجد حتى الآن اتفاق بين الحكومة وبين الحركة على أي شيء، وملف الأسرى مازال معلقا وبه كبيرة رغم تحقيق بعض الخطوات فيه”.
يتابع ” هذا بخلاف أن طالبان ترى في الحكومة الأفغانية أنها حكومة كافرة وهو منظور ديني قديم، ولا يمكن أن تستقيم معه اتفاقية سياسية قائمة على مبدأ التشارك وقبول الآخر، هذا بخلاف أن الحكومة الأفغانية ضعيفة، ما يرجح أن تسيطر عليها حركة طالبان بحلول 2021، وتقوم بتشكيلها، خاصة مع حصولها على تمويلات ودعم قطري كبير، سواء بالأموال أو الأسلحة، ووجود دعم مقدم لها من بعض دول الجوار التي ترى صالحها في عدم استقرار أفغانستان، مثل باكستان التي يعد هذا الصراع في صالحها ضد الهند”.
ويضيف سمير قائلًا” إن طالبان سوف تعيد السيطرة مرة أخرى على الحكم، وبالتالي تكون أفغانستان عادت لنقطة الصفر التي كانت عليها عام 2001، وبالتالي عدم الاستقرار، لأنه لا يمكن لجماعة متطرفة إرهابية، أيدلوجية، تقوم على فكرة الاستعلاء السياسي والذي يقود استحلال الأخرين وقتلهم باعتبارهم جميعا كفار، أن تستهدف الاستقرار سواء داخل البلاد، أو لمنطقة دول الجوار”.
الاستفادة الأمريكية وتصفير المعارك
تعتبر الولايات المتحدة هي الفائز في ملف التصالح مع طالبان، فبينما أرست قواعد الإسلام فوبيا، ونشرت الحركات الإرهابية التي تخدم مصالحها، وهدمت تواجد القاعدة في أفغانستان، تخرج اليوم تاركة الأفغانيين للمصير المجهول، بين حكومة ضعيفة، وجماعة إرهابية متشددة.
وفى هذا يقول الدكتور أيمن سمير، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رئيس ذكي، يجيد التعامل مع الملفات المغلقة، وهو ما يفعله في ملف التصالح بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، فهو يتحرك لسحب قواته من أفغانستان، وتركها للأفغان ليتقاتلوا فيما بينهم، مع استمرار وجود الجماعات المسلحة”.
يتابع” مكاسب الولايات المتحدة في هذا الشأن متعددة، بداية من تنفيذ الوعد الانتخابي للرئيس دونالد ترامب، حول تصفير المعارك، أو إعادة القوات الأمريكية للبلاد، وسحبها من جميع البلدان التي تتواجد فيها، وإنهاء الحروب التي لا تنتهي وفقًا لوصفه”.
” هذا بخلاف أن الولايات المتحدة تنقل جنودها اتجاه الصين، التي تعد التهديد الأكبر لها الآن، ولم يعد يعنيها صراع الشرق الأوسط، فالرئيس الأمريكي يعمل حاليا على سحب جنوده المقدرين بـ 90 ألف جندي من دول الشرق الأوسط، ونشرهم بالقرب من شرق اسيا، لرقابة ومتابعة الصين، والتدخل في حال وجود أي تهديد على المصالح الأمريكية، وفى الوقت نفسه توفير الأموال التي تم إهدارها في غزو أفغانستان والمقدرة وفقًا للإدارة الأمريكية بـ 2 تريليون دولار”.
قطر داعم الإرهاب
تعتبر قطر هي وسيط التصالح الحالي بين الحكومات والجماعات الإرهابية، وهو ما جعلها تتصدر المشهد في رعاية تلك المصالحة، التي ترفع من شأنها دوليًا، بخلاف استمرار ضمان ولاء الجماعات المتطرفة لها
وفى هذا يقول سمير” قطر تتماهى مع كل الجماعات الإرهابية والمتطرفة في العالم بما فيها حركة طالبان، والتي لا يختلف تفكيرها عن داعش والقاعدة، فهي تنظيم إرهابي بامتياز، لذلك قطر لعبت دور ف التقريب والتوصل لاتفاق بين الولايات المتحدة وبين طالبان”.
يتابع سمير” قطر هي الداعم الأول لحركة طالبان الآن، كما أنها داعم لكل الحركات الإرهابية في العالم، والدعم هنا لا يكون بالمال فقط، بل الأسلحة أيضًا، وهو ما يجعل تلك الجماعات في حالة خضوع لها، رغم كونها دولة صغيرة لا تمتلك قوة سوى القوة المالية، وبذلك تحافظ على خلق نفوذ لها تستمده بدور الوسيط مع الإرهابيين”.