يخشى عمال مصانع الإسمنت في مصر، من تكرار مصير زملائهم بالشركة القومية للإسمنت، التي تم تصفيتها قبل أشهر في ظل دوامة الخسائر التي تواجه القطاع مع ضعف الطلب المحلي ووقف أعمال البناء.
وتظهر نتائج أعمال شركات الإسمنت خلال النصف الأول من العام الحالي معدلات كبيرة من الخسائر، فشركة “مصر للأسمنت – قنا” سجلت خسائر بنحو 1.3 مليار جنيه، و”بورتلاند طرة” 151.97 مليون جنيه، و”العربية للإسمنت” بقيمة 5.6 مليون جنيه، و”أسمنت سيناء” بقيمة 245.6 مليون جنيه، و”الإسكندرية لأسمنت بورتلاند” 212.8 مليون جنيه.
ويخشى العمال مصير 1550 عامل عملوا بالشركة القومية للإسمنت العريقة، التي تم تصفيتها بسبب ارتفاع خسائرها المستمر، والتي كان آخرها في عام التصفية حين سجلت مليارًا و392 مليون جنيه، فالمشكلات التي تمر بها الصناعة تكاد تكون واحدة.
سيطرة القطاع الأجنبي
يقول العمال إن الصناعة يسيطر عليها القطاع الأجنبي بنحو 52% ، وحال استمرار المشكلات لن يتوانى المستثمر في إغلاق النشاط وبيع الأصول والرحيل ليفاجئوا بخروجهم للشارع في أعمار لا تزال قادرة على الإنتاج وبذل العرق، فكثير منهم لم يتعدوا الأربعين عامًا.
بدأت الشركات الأجنبية العاملة بالسوق في تقليل الخسائر وخفض طاقة الإنتاج، فشركة السويس للإسمنت التي تعادل وحدها نحو 15% من إنتاج السوق، تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية، حيث قررت وقف أحد خطوط إنتاج مصنع السويس.
قبل أشهر، اتخذت الجمعية العمومية لشركة أسمنت طرة، التي تأسست عام 1927 وتنتج 3 ملايين طن، قرارًا صعبًا بتعطيل طاقاتها التشغيلية ووقف خطوط الإنتاج بعد وصول خسائرها إلى 800 مليون جنيه، ولم تستأنف الشركة التابعة لشركة السويس للإسمنت قراراها حتى الآن، بعودة النشاط ولا يُعرف المصير المستقبلي للعمال الذين يحصلون على رواتبهم حتى الآن.
تساهم صناعة الإسمنت بنحو 1% من الناتج المحلي المصري و10%من ناتج الصناعة المصرية، وتوفر نحو 250 ألف وظيفة بصورة مباشرة وغير مباشرة في 19 شركة بإجمالي استثمارات تعادل 250 مليار جنيه، ولم تستفد تلك الصناعة من خفض أسعار الغاز للقطاع الصناعي أكثر من مرة لأنها تعتمد في التشغيل على الفحم.
فجوة بين العرض والطلب
وقال تامر مجدي، العضو المنتدب لشركة أسمنت سيناء، إن ما تعانيه صناعة الأسمنت معروف تمامًا للجهات المعنية ويتمثل في الفجوة الكبيرة بين المعروض والطلب بنسبة تعادل 40%، وبالتزامن مع ذلك هناك تكلفة إنتاجية مرتفعة متمثلة في سعر الوقود والكهرباء ورسوم المحاجر وضريبة الطفلة ما يرفع الأسعار ويجعل المنتج المصري عاجزًا عن المنافسة.
وتشكو المصانع من ارتفاع فرض ضريبة على الطفلة (مادة خام) بنسبة 35%، والضريبة العقارية على المصانع، وضريبة القيمة المضافة التي تعادل 14%، وزيادة رسوم الطرق، وارتفاع أسعار الفحم منذ تعويم الجنيه.
ويضرب “مجدي” مثلاً بشركته التي توجد مصانعها بسيناء ما يجعل منتجها أكثر تكلفة من المنافسين بإضافة تكلفة النقل لمسافات طويلة، وينهي حديثه بعبارة تنذر بتأثيرات مستقبلية خطيرة، بقوله: “السيولة اللازمة لسداد الرواتب .. وليس لتحقيق الأرباح”، بما قد ينذر باحتمالية العجز عن الوفاء بمرتبات الموظفين حال استمرار المشكلة.
83 مليون طن
تصل الطاقة الإنتاجية لجميع شركات الإسمنت في مصر لنحو 83 مليون طن ولا يزيد الاستهلاك المحلي عن 50 مليونًا، ويمثل الفائض مشكلة مزمنة للمصنعين، الذين يطالبون بدعم الدولة في التحول من الفحم الملوث للبيئة إلى الغاز الطبيعي وتوفيره لهم بسعر 3 دولارات للمليون وحدة حرارية فالمصانع تملك 45 خط إنتاج تكلفة تحويل الواحد من الغاز للفحم تتراوح بين 10 و15 مليون دولار.
وتمثل الطاقة ما بين 50 و70% من إجمالي تكلفة إنتاج الإسمنت وكانت السبب الرئيسي في مشكلة “القومية للإسمنت” التي بلغت مديونياتها المتعلقة بالكهرباء والطاقة 5.1 مليار جنيه، في ظل وجود عيوب في الأفران الحرارية داخلها لم يتم إصلاحها ساهمت في تضاعف تكلفة إنتاج الطن الواحد.
إفريقيا بارقة أمل
تبدو التقارير الصادرة من بنوك الاستثمار مثل “بلتون” و”فاروس” و”أرقام كابيتال” شديدة التشاؤم لصناعة الإسمنت بمصر، فبعضها بتوقع زيادة الفجوة بين العرض والطلب إلى 31.6 مليون طن، وأن تسجل الشركات أداءً ضعيفًا في سوق الأسهم، ويستخدم بعضها مصطلحات قريبة من “الانهيار”.
وتشير بنوك الاستثمار إلى أن حجم الإنتاج في الأسواق المجاورة التي تتسم برخص السعر، ستقلل من فرص السوق المصرية، خاصة الفوائض الكبيرة بالأسواق المنافسة مثل تركيا،التي يتراوح سعر الطن فيها بين 32 و35 دولارًا، وتجني أرباحًا سنوية لاتقل عن 600 مليون دولار من تصدير الإسمنت للخارج.
ويقترح بنك استثمار “شعاع” بأن تكون السوق الإفريقية بارقة أمل لصناعة الإسمنت المصرية عبر التصدير المكثف إليها لتصريف الفائض من الإنتاج المصري، خاصة أن القطاع كان من بين القطاعات الأكثر ربحية حتى سنوات قليلة مضت.