لم يكن ظهور ” مريم بوجيتو” بالحجاب بين أوساط الطبقة السياسية الفرنسية هو الأول، فأججت “بوجيتو” غضب تلك الأوساط منذ مايو 2018 بظهورها به في إحدى اللقاءات التليفزيونية.

وعادت من جديد لتثير غضب بعض النواب الذي انسحبوا احتجاجا على ارتدائها الحجاب ودخولها قاعة البرلمان، رغم عدم وجود أي قانون أو لائحة تتعلق بشكل لباس المرأة في البرلمان الفرنسي، كما لا يوجد ما يمنع الحجاب داخل أروقته.

من هي مريم بوجيتو؟

لم تكن “مريم” تريد أن تكون ناشطة في حقوق الإنسان وتدافع عن هويتها الثقافية والدينية، ولكن الأوساط السياسية في فرنسا أجبرتها منذ أول ظهور لها عام 2018 عن الدفاع عن نفسها من كونها لا تنتمي لداعش، وهي فقط ممثلة لاتحاد الطلبة، قائلة ” إنهم يعطوني أهمية لا أستحقها”.

ففي 2018 كان الطلاب في جميع أنحاء البلاد يحتجون على التغييرات القادمة في الطرق التي يمكن للطلاب من خلالها اختيار جامعاتهم بعد المدرسة الثانوية.

بالتزامن مع تلك الاحتجاجات، ظهرت “مريم” في فقرة قصيرة في برنامج تلفزيوني شهير كرئيسة منتخبة لفرع اتحاد الطلاب الوطني في كلية الآداب بجامعة السوربون الفرنسية المرموقة، ومن هنا بدأ الجدل الذي تجدد بظهورها منذ أيام بمجلس فرنسا للحديث عن بعض مشكلات طلبة الجامعات.

غضب بين الجمهوريين

وعبر النائب الجمهوري، بيير هنري دومون، بعد خطاب النقابيين الطلاب، عن غضبه من الحجاب الذي ترتديه مريم، قائلا إنه فعل مجتمعي ينتهك مبدأ العلمانية الذي يجب أن يلتزم به المجلس.

وقالت رئيسة الجلسة، ساندرين مورتش، إنها لن تسمح “لهذا النقاش الزائف حول الحجاب بالدخول إلى هذه اللجنة التي من المفترض أن تعمل على مستقبل وحاضر الشباب في وضع معقد للغاية”.

مريم: حقي القانوني ارتداء الحجاب

وعلق سعيد أحمادا، البرلماني عن مرسيليا والمنتمي إلى حزب ماكرون، على “تويتر” قائلا: “أنأى بنفسي عن قرار مقاطعة النواب لهذا الاجتماع، هذه الطالبة لم تخالف أي قوانين.. وبغض النظر عما يظنه المرء عن الحجاب، يجب عليهم أن يكونوا قدوة في احترام القانون وقبول التناقض”.

وتدافع مريم قائلة “إنها كانت ترتدي الحجاب، ومن حقها القانوني أيضًا، موضحة أنه ينطبق حظر الحجاب على المدارس العامة وليس على الجامعات الحكومية، على أساس أن البالغين لهم الحرية في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم”.

https://youtu.be/Erj4f5xf05c

جدل قديم يتجدد

كان ارتداء الحجاب غير قانوني في المدارس العامة الفرنسية منذ عام 2004، وقد تم حظر النقاب والبرقع التي تغطي الوجه في الأماكن العامة منذ عام 2010.

واستُهلكت البلاد لأسابيع في 2016 من خلال مسألة ما إذا كان يجب منع المرأة المسلمة من ارتداء البوركيني “المايوه الإسلامي المحتشم” على الشاطئ (إلى أن أسقطت المحاكم ذلك).

التركيز على سلوك الفرد وليس ممارسات الدولة

وقالت جوان والاك سكوت، مؤلفة كتاب “سياسة الحجاب”، إنه منذ أواخر الثمانينيات كان “الحجاب” مصدرًا منتظمًا للجدل في فرنسا، إن التركيز تغير في العقد الماضي.

وقالت إن الدفاع عن العلمانية في فرنسا يعني في البداية الدفاع عن حياد الدولة في مواجهة الدين، ولكن منذ عام 2003، عندما أصدر السياسي المحافظ فرانسوا باروين تقريرًا عن “علمانية جديدة”، تحول التركيز الجماعي من ممارسات الدولة إلى سلوك المواطنين الأفراد في الأماكن العامة.

علمانية الدولة الفرنسية تهتز لحجاب

جريمة “مريم” التي يروج لها هي أنها انتهكت العقيدة الوطنية أو العلمانية التي تكفل الفصل بين المؤسسات العامة والمنظمات الدينية، فهل فعلت الفتاة ذات “21” عاما ؟.

تعد فرنسا البلد الأوروبي الوحيد الذي كرّس العلمنة بشكل صريح في دستور، وخير مثال على هذا قانون 1905 الذي يفصل بين الدولة والكنيسة.

تنص المادة 1 من القانون على ما يلي: “تضمن الجمهورية حق الضمير وتكفل حرية العبادة”.

استخدام العلمانية في الخطاب الفرنسي

وأشار المؤرخ الفرنسي، رينيه ريمون إلى إساءة استخدام مفهوم العلمانية في الخطاب الرسمي الفرنسي، قائلا: “قرأت قانون الفصل بين الدولة والكنيسة.

وتابع “رينيه” أنا أقبله ككل دون أن أكون أصوليًا للعلمانية، وأرى أن المادة “1” تقول تضمن الجمهورية الفرنسية الممارسة الحرة للعبادة، نافيا أن يكون هذا القانون يتجاهل الفعل الديني لأنه يقره، ويتعهد بضمانه.

الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان

وبخلاف قانون 1905 تنص الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي صادقت عليها فرنسا عام 1974 والتي أصبحت معارضة للسلطات العامة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 1981، بوضوح على أن “لكل فرد الحق في حرية الفكر والوجدان والدين”.

ويشمل هذا الحق حرية تغيير دينه أو معتقده وحريته، سواء بمفرده أو مع جماعة، علانية أو سرا، في إظهار دينه أو معتقده في العبادة والتعليم والممارسة وإقامة الشعائر.

مبدأ العلمانية ليس ثابتًا بل يشمل استثناءات

يقول جاستن فايس، باحث بمركز بروكينجز في الولايات المتحدة وأوروبا، يبدو أن مبدأ العلمانية ليس ثابتًا، بل يشمل استثناءات، ففي الواقع يفضل أنصار العلمانية الفرنسية تنحية حقيقة  إلا أن هناك نوعًا من الخصوصية الثقافية يميل إلى الهيمنة في المجتمع الفرنسي، حيث يتم الاعتراف ضمنيًا فقط بالأيام المقدسة ذات الأصل المسيحي رغم أنها فقدت معانيها الدينية.

ويستكمل أن حظر فرنسا لعلامات الاختلاف، والترويج بدلاً من ذلك لما هو عالمي وشائع يكشف عن خوف معين من الاختلاف ولكن إذا تم التعامل معه بشكل جيد سيصبح مصدر قوة. ويتابع “جاستن”: لا يزال رجال الدين في المقاطعات يتلقون رواتب حكومية، ورغم ادعاء الدولة الفرنسية بأنها علمانية، فإنها توفر 80% من الميزانية للمدارس الكاثوليكية حيث يدرس مليوني شخص.

ما رد ماكرون؟

في 2019 رد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على تصريحات وزير التربية، جان ميشيل بلانكر، وزعيمة حزب “التجمع الوطني”، مارين لوبان، اللذين طالبا بمنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.

ومن المعروف أن لوبان معادية للحجاب وبشدة حتى أنها قامت بإلغاء مقابلة لها مع مفتي لبنان لتصميم الأخير على ارتدائها الحجاب وهو ما رفضته جملة وتفصيلا.

وقال ماكرون في مقابلة مع قناة “ريونيون” إن “ارتداء الحجاب في الأماكن العامة ليس شأني، بينما ارتداؤه داخل المرافق العامة، وفي المدرسة أين تجري تربية أبنائنا، فعند ذلك يصبح ارتداؤه شأني”.

وتابع “داخل المرافق العامة، ثمة واجب يقتضي الحياد، وعندما نربي أبناءنا فنحن نطلب بألا تكون هناك رموز دينية ملفتة للأنظار، أما ما يحدث في الأماكن العامة، فذلك ليس شأن الدولة أو رئيس الجمهورية”.