خارج العاصمة يقرأون.. بعيدًا عن المركزية عالم جديد من الكتب.. “ديدوسيا” ترحب بالزائرين وتتمنى لهم وقتًا مفيدًا بصحبة كتبهم المفضلة، تفتح ذراعيها لمحبي الثقافة، زوارها من الكبار والصغار يقولون: “أصبحنا الآن غير معزولين.. نقرأ ونتعلم بعيدًا عن القاهرة”.
نشأ الشاب المصري عمر وردة بمدينة المحلة الكبرى، ليجد أن المركزية هي المتحكمة في كل شي، وأيضًا الثقافة، فالمكتبات قليلة جدًا في مدينته الصغيرة، فقد كان محبًا للقراءة والتعلم منذ الصغر، وعند الكبر أصبح يقطع المسافات ويسافر أسبوعيًا من المحلة الكبرى للقاهرة، لحضور الفعاليات الثقافية والفنية، وأيضًا لاستعارة الكتب، ليجد أن أهل مدينته الصغيرة، معزولين عن الثقافة بسبب المركزية.
مركز ثقافي
فكر “وردة”، الشاب المصري، في مشروع ثقافي لأبناء بلدته، حتى يتمكنوا من القراءة، يضاهي الأماكن الثقافية بالعاصمة المصرية، وتقام به الندوات والفعاليات الثقافية، ويخصص به مكان للقراءة واستعارة الكتب أيضًا.
بدأ الشاب رحلة البحث عن المكان، لبدء مشروعه الثقافي، وبالفعل وجد مقرًا يصلح لمشروعه، لتبدأ الخطوة التالية، وهي خطة اختيار اسم المكان، حتى أطلق عليه “ديدوسيا”، وهو الاسم الفرعوني لمدينة المحلة الكبرى مسقط رأسه.
عُرفت مدينة المحلة الكبرى في عهد الفراعنة باسم “ديدوسيا”، ومعناه نبات النيل، وكانت مركزاً حضارياً في قلب الدلتا، حتى العصر القبطي والروماني، وسميت بـ”محلة دقلا”، ثم “محلة الكبراء”، وكانت تعرف بالوزارة الصغرى لأنها كان فيها من النفوذ والحكم ومكان إقامة الأمراء والشيوخ وعدلت بعد ذلك إلى الاسم الحالي المحلة الكبرى.
جمع الكتب
اختار الشاب اسم “ديدوسيا” لمشروعه الثقافي، وبدأ في جمع الكتب، فأعلن عن إقامة حفل ثمن التذاكر به ليست نقودًا وإنما كتبا، وبالفعل استطاع جمع ما يقرب من 800 كتاب، بأقسام مختلفة، لتكون تلك المجموعة هي النبتة الأولى في “ديدوسيا”.
هنا يمكنك القراءة، كما يمكنك أيضًا استعارة الكتب مقابل مبالغ رمزية، وإعادتها مجددًا إلى المكتبة، كما تقيم “ديدوسيا” الندوات الثقافية، والفعاليات المختلفة، فزوراها ليسوا من الكبار فقط، ولكن للأطفال أيضًا مكان، فتقيم روضات تعليم الرسم أو الحث على القراءة للأطفال.
يتعاون عمر وردة مع المركز القومي للترجمة، كما يحصل على فائض الكتب من المكتبات المختلفة، حتى وصل عدد الكتب في ديدوسيا لـ5 آلاف كتاب، والمكتبة تفتح باب التبرع بالكتب، بالإضافة لعدد كبير من المتطوعين بالمكتبة، منهم من ينظم الورش والفعاليات، والتي يتم التعاقد خلالها مع الكتاب والمفكرين، وآخرون ينظمون عملية استعارة واستعادة الكتب، لتصبح ديدوسيا هي منبرهم الثقافي خارج العاصمة.
وزارة الشباب والرياضة المصرية، أعلنت العام الماضي عن مسابقة لأصحاب المبادرات الهادفة، تقدم “عمر” بفكرته للوزارة، وتم اختيارها ضمن المشاريع الفائزة بالمسابقة، ومن خلالها تعرف على مبادرة جديدة، بعنوان “عربية الحواديت”، وفكرتها تقوم بالسفر للمحافظات المصرية المختلفة لقص الحكايات على الأطفال لتشجيعهم على القراءة.
غذاء الروح
عمل “عمر” في مجال الدعم النفسي، جعله يهتم كثيرًا بالجانب الثقافي والتأكيد على أهمية القراءة للكبار والصغار، فهي غذاء الروح للجميع، وهي القادرة على تغيير حياة البشر، فكلما زاد عدد المترددين على المكتبة “ديدوسيا”، زاد إصراره على استكمال حلمه، وتوسيع رقعته لتضم كل محافظة بعيدة عن العاصمة المصرية ديدوسيا الخاصة بها، مساحتها الحرة للإبداع، فبعيدًا عن العاصمة يمكن إقامة الورش والفعاليات، دون الحاجة لتكبد عناء السفر ونفقاته.
“ديدوسيا” أيضا تنظم “ورشًا” مختلفة للكتاب والإخراج المسرحي والتصوير، من خلال متخصصين بتلك المجالات، كما تتيح مساحة عمل مشتركة لطلاب الجامعات لتنفيذ مشاريعهم الخاصة بدراساتهم.