“دعوة هشة” أطلقها المقاول محمد علي للتظاهر في 20 سبتمبر، تسببت في تحول ميادين وشوارع القاهرة الكبرى إلى أشبه ما تكون بثكنة عسكرية على مدار الشهر الجاري، ليسيطر “الخوف” على الجميع، ويصبح المرور من قلب أحد الميادين وبصفة أخص ميدان التحرير “مغامرة” غير محمودة العواقب.

دعوة للتظاهر

المقاول محمد علي، خرج بعد حوالي عام من الاختفاء، إلى الساحة السياسية من جديد، محاولًا جذب المصريين إلى شاشة هاتفه المستقرة حاليًا في إسبانيا، ليطلق في بداية الشهر الجاري دعوة إلى التظاهر، في الذكرى الأولى لدعوته في العام الماضي.

اللافت للنظر، أن الدعوة الجديدة التي أطلقها للخروج في 20 سبتمبر، والتي تبنتها قنوات جماعة الإخوان الإرهابية في تركيا وقطر، لم تلقى رواجًا أو تفاعلًا من قبل المصريين سواء في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي كسابقتها، بل أن الجميع أخذ في التحذير منها، والتأكيد على أنها ستتسبب في موجة جديدة من توقيف أشخاص، وبالتالي أصبح التفاعل معها ضعيفًا.

حذر أمني

قلة التفاعل مع الدعوة، والرفض الشديد لها، لم تلتفت إليه قوات الأمن، فمنذ مطلع الشهر الجاري، بدأت قوات الشرطة تزيد من قبضتها في الميادين والشوارع الرئيسية، مستعينة بمدرعات وسيارات الأمن المركزي الثابتة، ودوريات متحركة، فضلًا عن انتشار أفراد من الأمن الوطني والمباحث في شتى الأماكن مرتدين زيًا مدنيا.

مشهد الاشتباه في أي شخص يعقبه تفحص هويته وهاتفه والسؤال عن وجهته.

خطة النجاة

المصير المعروف للجميع، يدفع الكثيرين إلى تجنبه من خلال الابتعاد قدر الإمكان عن الأماكن ذات الكثافة الأمنية، وإن كان مضطرًا، فإنه يلجأ إلى حذف تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي من هاتفه، إن كانت آراؤه على غير وئام مع الحكومة وقراراتها، أو على الأقل إخفائها بطريقة أو بأخرى.

الخطوة الأخرى والتي قد تكون أكثر ضررًا، تتمثل في كتابة رسالة نصها “أنا اتقبض عليا في …”.

التغطية الإعلامية

ومع حلول، صباح أمس، بدت قنوات جماعة الإخوان في لهفة لتغطية “الثورة المنتظرة”، وإطلاق الشعارات الحماسية، الأمر الذي قابله “الإعلام المصري” باهتمام بالغ وبدأ في استعراض جرائم الإخوان خلال عام حكمهم، والأعمال الإرهابية التي ارتكبوها بعد ثورة 30 يونيو 2013.

أنصار الإخوان في الخارج، أطلقوا هاشتاج بأن الخروج للتظاهر سيكون ظهرًا، ما قابله إعلام النظام بالسخرية من مرور نصف ساعة على صلاة الظهر وعدم خروج أي تظاهرات، والتهليل بعدم استجابة المصريين لدعوات الجماعة الإجرامية، لتبدأ القنوات في تزييف العديد من مقاطع الفيديو، ويواصل المقاول الهارب محاولات تحفيز المصريين للخروج من جديد.

ومع اقتراب اليوم “المنتظر والمشؤوم” من نهايته، ازدادت القنوات الإخوانية والرسمية في وتيرتها، فالأولى تدعي خروج مظاهرات في عدد من المناطق، والأخرى تحتفل بفشل الدعوات، ليختتم المشهد محمد علي بوصف المصريين الذين لم يستجيبوا لمظاهراته بـ”البقر” في أحد مقاطع الفيديو الذي بثه على صفحته.

رحلة ثقيلة

محمد حمدي، مالك ” “art spac، يقول: “قبل نحو 3 أسابيع من الآن، لاحظت خلال مغادرتي ميدان التحرير باتجاه موقف عبد المنعم رياض، حركة أمنية غريبة، وتزايدًا في أعداد أفراد الأمن عن المعتاد، وتخيلت في البداية أن هناك أحد المسؤولين سيزور الميدان”.

ويتابع: “البعض لم يكن يعرف السبب، حتى أخبرنا أحدهم عن دعوة المقاول الهارب للتظاهر ضد النظام، ولكن في الوقت نفسه، تعجبت من القلق الزائد عن الحد، رغم عدم انتشار الدعوة، وسخرية الكثيرين منها، على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن التحذير من الاستجابة لها”.

ويكمل: “رحلة المرور باتجاه ميدان التحرير والخروج منه ثقيلة جدًا بالنسبة لي، والخطوات صعبة ومحسوبة بدقة حتى لا أثير انتباه أيًا من قوات الأمن والمباحث والأمن الوطني، المنتشرين في ساحة الميدان ودروبه الضيقة، وفي رأسي يسيطر هاجس بأني سأكون في قبضتهم”.

الشاب البالغ من العمر 27 عاما، يضيف: “الوضع كل يوم كان يزداد سوءًا، وأصبح كل متر تقريبًا هناك فرد شرطة، يقوم بإيقاف كل من يشتبه به وتفتيشه، والإطلاع على الهاتف، العمل تضرر بشكل كبير خلال الأيام الماضية، ورواد العمل اشتكوا مرارًا من تعرضهم للتفتيش، ولا ندري كم سيستمر ذلك الوقت”.

البحث عن مخرج

ويزيد “عبد اللطيف علي”، الطالب بكلية الطب: “اعتدت التوجه إلى منطقة وسط البلد كل يوم تقريبًا، والخروج من محطة المترو في قلب ميدان التحرير، وكان الوضع الأمني مشددًا إلى حد كبير، لكن منذ بداية الشهر الجاري بدأ الوضع متحجرًا، وقوات الأمن أكثر تشددًا عن ذي قبل، ومن ثم بدأت في القلق أنا أيضًا”.

ويضيف: “في ظل تلك الحالة بدأت أحتاط أكثر، فبدأت بمراجعة هاتفي وما به من وثائق قد تتسبب لي في أزمة، والتأكد من عدم وجود أي رسائل قد تحمل حتى تأويلًا سياسيًا رغم عدم ممارستي السياسة أو أي شيء متعلق بها، وحاولت الاستغناء عن استقلال المترو، واستقلال ميكروباص من ميدان الجيزة، لكن الوضع بدا مشابها، خاصة في شارع القصر العيني بالكامل”.

ويكمل: “رحلة العودة مساءً كانت مقلقة بالنسبة لي بشكل كبير، وكنت أحاول أن أسير أنا وزملائي معًا، كزيادة تأمين، وتعرضت للتوقيف من قبل قوات الأمن، ولكن الحمد لله الوضع مر بأمان، فبعد إطلاعهم على كارنيه الجامعة سمحوا لي بالمغادرة، واقتصر الأمر على أسئلة بسيطة”.

ويقول “عبد اللطيف”: “حاولت تجنب السير كثيرًا في منطقة وسط البلد، ولسوء حظي وصلتني دعوة لحضور عرس صديق لي، وكان ذلك في شارع طلعت حرب، وكنت في حيرة بشأن تلبية الدعوة، لكن أهلي حسموا قراراي بصورة نهائية، ومنعوني من التحرك من البيت”.

ويختتم حديثه قائلًا: “لا أخفيك مقدار الخوف الذي كان يسيطر عليّ طوال مشواري، وكم الهواجس التي كانت تتردد إلى عقلي، ومدى الفرحة والراحة النفسية التي أكون فيها حين أصل إلى المنزل، فهي أشبه بإزاحة جبل من أعلى صدري، وأتمنى أن ينتهي هذا الشهر بسلام حتى يعود الوضع إلى ما كان عليه”.

إغلاق المقاهي الكبرى

وذكر نادل في مقهى مطل على شارع القصر العيني بمنطقة وسط البلد، أنه قبل نحو أسبوع أبلغه أحد أمناء الشرطة بأنه بدءًا من يوم الخميس الماضي، وحتى الاثنين، سيتم إغلاق جميع المقاهي الكبرى بمنطقة وسط البلد نهائيًا، وإبقاء فقط المقاهي الصغيرة والتي لا تتعدى مساحتها 10 أمتار.

وأشار إلى أن أمين الشرطة أبلغه بأنه لن يسمح بتشغيل شاشات التلفاز الموجودة بالمقاهي “نهائيا”، وخصوصا خلال إذاعة أي من المباريات سواء المحلية أو الأوروبية، والاكتفاء فقط بتقديم المشروبات للزبائن، وعدم السماح بوجود أعداد كبيرة على المقاهي.

وبين أنه منذ الجمعة الماضية يمر أحد أمناء الشرطة للتأكد من عدم وجود رواد كثيريين على المقهى، والتحذير من مخالفة أيا من التعليمات المقررة، مشيرًا إلى أنه رغم تضرر أصحاب المقاهي وامتعاضهم من تلك التعليمات، خصوصا بعد غلق المقاهي لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر بسبب كورونا، إلا أن أيا منهم لا يستطيع مخالفة تلك التعليمات.