“خمس دول عربية وإسلامية تنخرط في محادثات مع إسرائيل”.. تصريح لمسئول فلسطيني أثار جدلاً واسعًا في الأيام الماضية، وفتح الحديث مجددًا حول اختراق إسرائيل للقارة السمراء بعد منطقة الخليج وتوقعات بوصول قطار التطبيع لقلب العالم الإسلامي، وذلك بعد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقيات سلام، وبحسب المراقبين فإن التكهنات السابقة تتماشى مع تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب .
تسارع وتيرة تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل، في الآونة الأخيرة، سلط الضوء على نوايا الكيان الصهيوني وتوغله الناعم في إفريقيا على مر عقود سابقة، وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية والقرن الإفريقي، لاسيما مع ضعف مكانة إسرائيل في أوروبا وإخفاقها في تقديم نفسها على أنها دولة ديمقراطية ليبرالية.
تطبيع العلاقات
يقول أحمد مجدلاني، العضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن إسرائيل تجري محادثات مع عدة دول عربية وإسلامية لتطبيع العلاقات.
ويلفت إلى أن دولًا مثل “عمان والسودان وجزر القمر وجيبوتي وموريتانيا” منخرطة في محادثات تطبيع مع إسرائيل”، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية.
وكان قد صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، بأن خمس دول أخرى تخطط لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قريبًا، بعد الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
وأفادت تقارير دولية بأن عمان والسودان، هما الدولتان القادمتان في توقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل في الأيام القادمة.
بالمقابل، امتنع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التعليق على هذه التصريحات.
في حين، توقع نائب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دوف زاخيم، في مقال له بصحيفة “ذي هيل” الأمريكية، بأنه “قد تستأنف موريتانيا العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل التي حافظت عليها من عام 1999 إلى 2010، وقد تتحرك جيبوتي، حيث تمتلك الولايات المتحدة (والصين) قاعدة، أيضاً نحو التطبيع؛ وكلتاهما دولتان فقيرتان للغاية ومتعطشتان إلى المساعدة الاقتصادية والتقنية التي يمكن أن تقدمها إسرائيل لهما”، بحسب قوله.
وعقب تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل، دعت شخصيات هامة وسياسيون في موريتانيا لتوقيع سلام مماثل، مبررين ذلك بخدمة السلام في الشرق الأوسط، حيث صرح وزير الإعلام الموريتاني السابق، محمد ولد أمين بأن “الخطوات التي اتخذتها الإمارات والبحرين تخدم بشكل كبير القضية الفلسطينية، ويجب أن تتخذ بلادنا نفس الخطوة لتعزيز السلام في المنطقة”.
وأعلنت دولة موريتانيا، في أغسطس الماضي، عن دعمها لدولة الإمارات في المواقف التي تتخذها وفق مصالحها ومصالح العرب والمسلمين وقضاياها العادلة.
ويضيف “زاخيم” “أنه مع ذلك، وبالنظر إلى أنه على أي حال لا يوجد لدى أي دولة عربية أدنى حافز للمضي قدمًا في هذه الخطوة إلا بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، فمن الصعب رؤية كيف يمكن أن يتحقق توقع الرئيس ترامب بأن تسع دول عربية إضافية، أو حتى خمس دول، مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
السودان قادم
وبشأن قرب تطبيع السودان مع إسرائيل، نقل موقع “اكسيوس” الأمريكي، عن مصادر مطلعة، أن مسؤولين أمريكيين وإماراتيين وسودانيين عقدوا اجتماعا في أبوظبي، أمس الاثنين، بشأن اتفاق تطبيع محتمل بين السودان وإسرائيل.
وأوضح أنه إذا استجابت الولايات المتحدة والإمارات لطلبات السودان كالحصول على مساعدات اقتصادية، ورفع اسم الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودعم الفترة الانتقالية، وشطب الديون الأمريكية عليها، فقد يتم الإعلان عن اتفاقية تطبيع مع إسرائيل في غضون أيام.
وتحث إسرائيل الإدارة الأمريكية، على الموافقة على طلب السودان للحصول على مساعدات اقتصادية بحوالي 3 مليارات دولار، لمواجهة الوضع الاقتصادي الصعب التي تعيشه البلاد مؤخرًا، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق التطبيع.
وقد أثيرت قضية التطبيع بين السودان وإسرائيل، الثلاثاء الماضي، في اجتماع في العاصمة واشنطن بين “نتنياهو” ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
وبحسب المراقبين، فإن إسرائيل توثق علاقتها ببعض الدول الإفريقية المحورية مثل السودان لعقد صفقات ترحيل اللاجئين الأفارقة، وإعادتهم مرة أخرى لإفريقيا، ولتوسيع رقعة تجارة الأسلحة والمساعدات الأمنية والعسكرية حيث يتم كل ذلك بمباركة أمريكية .
توغل ناعم
“إسرائيل تعود إلى إفريقيا، وإفريقيا تعود إلى إسرائيل”، شعار رفعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أول زيارة له لإفريقيا عام 2016، منذ 50 عامًا، ولا شك أن ثروات إفريقيا المهولة والقوة البشرية الضخمة يقفان وراء طموحات إسرائيل في القارة.
وتمتلك إفريقيا كتلة أرضية أكبر من أراضي كل من الولايات المتحدة، وشرق أوروبا، والهند، والصين مجتمعة، كما تشير التركيبة العمرية لسكان إفريقيا إلى أن نصفهم دون الخامسة والعشرين من العمر، ما يجعلهم قوة عمل مهولة ومؤثرة اقتصاديًا.
وفتحت إسرائيل منذ زيارة “نتنياهو” في يوليو 2016، والتي تلتها ثلاث زيارات مماثلة، شارك في واحدة منها في القمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في ليبيريا في العام 2017، كأول زعيم غير أفريقي يدعى لحضور القمة، سفارة واحدة لها في رواندا، ليصل عدد السفارات الإسرائيلية في الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى إلى 11 دولة، وتتمتع إسرائيل بعلاقات دبلوماسية على الورق مع 41 دولة إفريقية.
وتعد زيارة “نتنياهو” لأوغندا في فبراير 2020، الترويج الأمثل لصفقة القرن والبحث عن حلفاء جدد، وهو ما يتضح في حث أوغندا على فتح سفارة لها في القدس مقابل قيام إسرائيل بفتح سفارة في كمبالا.
بينما تُعتبر العلاقات الاقتصادية بوابة إسرائيل “الكبرى” لدخول إفريقيا، حيث يصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 3%، إذ تمثل إفريقيا لإسرائيل سوقًا هائلة وفرصًا استثمارية غير مستغلة، وهو ما يجعلها تسوق نفسها باعتبارها مالكة حلم الأمن الغذائي والطاقة الخضراء وتوفير الغذاء والطاقة الكهربائية لـ 600 مليون إفريقي .
ويكشف اللوبي البرلماني في الكنيست والمعني بدفع للعلاقات مع افريقيا بأن: “خصوبة الأرض الإفريقية وتطور التكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية هما المفتاح”.
أما من الناحية السياسية والاستراتيجية، فتعتبر إفريقيا أكبر تكتل في الأمم المتحدة، وتمتلك دولها عضوية متعددة في منظمة عدم الانحياز، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ولذلك فالعلاقة معها تخدم المصالح الإسرائيلية التي تسعى إلى تحقيق الشرعية وتأمين احتوائها في المحافل الدولية، والتأثير من خلالها على الصراع العربي الإسرائيلي.
وتهدف إسرائيل أيضًا إلى تطويق الأمن القومي العربي الذي يعتبر تهديدًا لها، وذلك بوجود علاقات وثيقة مع دول إفريقية تعتبر العمق الاستراتيجي للعرب، وخلق وجود عسكري قوي في منطقة البحر الأحمر وحوض النيل، وقد شكلت صادرت إسرائيل إلى إفريقيا 5% من صادراتها العسكرية.
ويبدو أن “نتنياهو” عمل بقول أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن جوريون، عندما قال إن “الطريق الأكثر ضمانًا للوصول إلى السلام، يكون عن طريق الحصول على أكبر عدد ممكن من الأصدقاء في آسيا وإفريقيا”.
وبعيدًا عن مصالح إسرائيل من وراء إفريقيا، فهي لعبت دورًا أساسيًا في خدمة الهيمنة الأمريكية في القارة، نظرًا لموقعها الجغرافي في القدرة على الوصول إلى المواد الخام، وحماية خطوط الملاحة في البحر الأحمر لأهميتها الاستراتيجية، واحتواء المد الشيوعي إبان الحرب الباردة، حيث قامت إسرائيل على محاربة الأنظمة الاشتراكية والشيوعية في إفريقيا، وهو الدور ذاته، التي تمارسه في محاربة النفوذ الإيراني تحقيقًا للمصالح نفسها.
خارطة إسرائيل في إفريقيا
وتعد ليبيريا من أولى الدول التي اعترفت بإسرائيل منذ إعلان قيامها عام 1948، وفي العام نفسه اعترفت جنوب إفريقيا بها أيضًا نظرًا لوجود نظام الفصل العنصري فيها، بينما افتتحت غانا عام 1957 سفارتها في إسرائيل وتبعتها الدول الإفريقية الفرانكفونية مثل نيجيريا، والسنغال، وساحل العاج، وذلك لقوة النفوذ الفرنسي في هذه الدول.
ويعد السودان، من أكثر الدول التي وضع له خطط استراتيجية من قبل إسرائيل، نظرًا لأنه الدولة الوحيدة التي تقع على الحدود مع دول حوض النيل، ما تشكل تهديداً لها، إذ عملت إسرائيل على توطيد علاقاتها مع إثيوبيا وأوغندا وكينيا وزائير لعزل السودان، والتغلغل في باقي الدول الأفريقية.
على جانب آخر، أدركت إسرائيل أهمية مياه حوض النيل، حيث استغلت الأمر في إنشاء السدود من خلال وكالاتها وشركاتها، وتأثيرها على إثيوبيا ودول مصادر المياه الأخرى، ومنها كينيا، وأوغندا، وبوروندي، والكونغو، وتنزانيا، ورواندا.
وجدير بالذكر، فإن إثيوبيا واحدة من أقوى حلفاء إسرائيل في إفريقيا، وذلك نظرًا لموقع الأخيرة الاستراتيجي بالنسبة للسودان ومصر، إذ تمثل ورقة ضغط مهمة لدولتي المصب، فضلاً عن وجود يهود الفلاشا فيها، كما تشكل منطقة مهمة لوجود الاتحاد الإفريقي بها، وبأغلبية مسيحية مقابل التواجد المسلم في إرتيريا والصومال.
ويري خبراء أن صراعات منطقة حوض النيل، لاسيما قضية سد النهضة، فرصة جيوسياسية تحقق فيها إسرائيل دورًا أكبر في المنطقة.
القضية الفلسطينية
بالمقابل، شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا للعلاقات الفلسطينية في القارة الإفريقية، وهو ما ظهر خلال التصويت الإفريقي لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة، أو الوقوف على الحياد في قضايا تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
كما أن تغير مواقف بعض الدول العربية من إسرائيل، دفع بكثير من الدول الإفريقية أن تحذو حذوها.
وتراجع دور السياسة الخارجية الفلسطينية داخل القارة السمراء بشكلٍ ملحوظ، وهو ما دفع مندوب فلسطين لدى الاتحاد الإفريقي، دياب اللوح، إلى مطالبة الدول العربية بمواجهة التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا، وقبول العديد من الدول إسرائيل كجزء من المنظومة الدولية.
وتفتقد القيادة الفلسطينية الحالية الي استراتيجية واضحة في التواصل مع إفريقيا والاستفادة من حلفاء تاريخيين للقضية، وهو عكس ما ركزت عليه منظمة التحرير الفلسطينية في بدايتها وزيارات ياسر عرفات المتكررة وفتح مكاتب تمثيل للمنظمة هناك.
تحديات أمام التطبيع
ورغم ذلك، فإن هناك بعض التحديات مازالت تقف أمام إسرائيل في خطواتها للتطبيع، فدول كـ بنين وجنوب إفريقيا والنيجر، لا تزال تعارض تسريع هذه الخطوات بل وربما تحاول إيقافه.
ففي ديسمبر 2018، منعت وزارة الداخلية في تشاد مظاهرة للاحتجاج على زيارة الرئيس إدريس ديبي إلى القدس المحتلة ولقائه بـ نتنياهو، بينما في أبريل 2019، قرر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي وسحب السفير نهائيًا من تل أبيب بسبب ضغوط المعارضة، وبالمقابل أعلنت إسرائيل أنها ربما تُغلق سفارتها في بريتوريا.
وتقف الموارد المحدودة أمام إسرائيل كعائق آخر، حيث لا يتجاوز عدد الدبلوماسيين العاملين في إفريقيا أربعة عشر دبلوماسيًا، وتُدار العلاقات مع الدول الإفريقية إما عن طريق السفراء غير المقيمين أو من القدس، ذلك بجانب سياسيات البلدان الإفريقية غير المتوقعة والتي تغلبها المصالح والبراجماتية.
كما تعاني إسرائيل أيضًا من وجود نحو أربعين ألف لاجئ إفريقي داخلها لا يستطيعون الاندماج أو الإقامة بشكل قانوني؛ كما أنهم عرضة دائمًا للاضطهاد والتمييز، وعليه فقد أضحت المفارقة حيث تسعى إسرائيل إلى أن تكون داخل إفريقيا، لكنَّها ترفض في نفس الوقت أن تكون إفريقيا داخل إسرائيل.