تستقبل المستشفيات الحكومية الآلاف من المرضى يوميًا، بمختلف الأعمار والأمراض أيضًا، منهم من لا يتذكر تاريخه المرضي المهم، الذي يمثل نقطة أساسية في تشخيصه، أو منهم من يصاب بأمراض تجعله يفقد القدرة على الحديث أو تذكر العقاقير الطبية التي يتناولها، والتي من الممكن أن تتعارض مع أي عقاقير جديدة يكتبها الأطباء، خاصة في الحالات الحرجة التي تتطلب التدخل الطبي السريع.

من هنا جاءت الفكرة للشاب المصري الطبيب أندور سعد، وهي “كارت ذكي” يحمل بيانات المريض.

الكارت الذكي الذي فكر فيه الطبيب الشاب هو و10 من زملائه، بمثابة قاعدة بيانات متنقلة مع المريض، تضم تاريخه المرضي وبياناته الشخصية أيضًا، وفي حالة وقوع الحوادث أو الظروف الطارئة يمكن الاتصال بأهله والتواصل معهم، فلم يعد هناك حاجة للورقة والقلم، فكل البيانات مخزنة بهذا الكارت الصغير.

3 سنوات

يقول الطبيب أندرو سعد، إنه فكر في الأمر منذ نحو 3 سنوات، حيث كان متواجدًا في مستشفى القصر العيني، وجاءت حالة لسيدة لا تتذكر أي من العقاقير الطبية التي تتناولها أو آخر التحاليل الطبية التي أجرتها ونتائجها.

هنا فكر الطبيب أن أي عقار خاطئ أو حقنة من الممكن أن تضر بحياة تلك المريضة، والمخاطرة هنا لا تفيد في كل الأحوال، فجلس يفكر هو وزملاؤه الأطباء في الحل، الحل للحالات المرضية القادمة، ليصلوا للكارت الذكي، الذي أطلقوا عليه “كارت الصحة”.

كارت الصحة

لم يكن الأمر سهلًا في بدايته، فإقناع المريض بحمل “كارت” به تفاصيل مرضه وتحديثه باستمرار أمر ليس بالسهل، كما أن تحديث البيانات باستمرار يحتاج إلى إمكانيات تكنولوجية بجانب الإمكانيات الطبية، والتي تحتاج بدروها إلى إمكانيات مادية، وأيضًا تعاون من الأطباء، ولكن هدف المحاولة كان نبيلًا بحسب وصف “سعد”، الذي لم يتراجع هو وأصدقاؤه، حيث قرروا المضي في تجربتهم ونشرها، وتحدي العقبات.

العقبة الأولي التي واجهت الفريق الشاب، هي العقبة المادية، فإنشاء البرنامج من الأصل يحتاج إلى أموال، وتحديثه باستمرار يحتاج إلى أموال أيضًا، والمواطن يحصل عليه في مقابل زهيد يصل لـ40 جنيهًا، فالهدف منه ليس الربح بحسب وصفهم، وإنما صحة المواطن المصري.

جهود ذاتية

بالجهود الذاتية انطلق البرنامج، ليبدأ رحلة جديدة من إقناع المواطنين بالحصول على “الكارت”، رحلة كانت طويلة ومرهقة، ولكنها أتت بثمارها في نهاية الأمر، حيث إن قطاعًا كبيرًا من المواطنين حصلوا على الكارت، بجانب قطاع كبير أيضًا من الأطباء يعلن تعاونه مع الفريق، يزداد كل يوم، فالطبيب هو الذي يمكنه إدخال الكارت وتحديث بيانات المريض، كما أنه لا يمكنه التلاعب بتلك البيانات، فعند التحديث يعود البرنامج للمريض للتأكد من التحديثات.

كانت المنوفية المحافظة الأولى استخدامًا، ثم انتشرت الفكرة لتشمل محافظات عدة، والفريق مستمر حتى تغطية كافة المحافظات المصرية، فالكارت يضم التحاليل الطبية التي أجراها المريض ونتائجها بالتحديثات المستمرة بالتواريخ، كما أنه يضم أيضًا إمكانية ترشيح أطباء مناسبين للمريض، بجانب معامل الأشعة والتحاليل.

الكارت مرتبط بموقع إلكتروني، هذا الموقع مرتبط بالهاتف المحمول للمريض، تصله الإشعارات، كما تصله إشعارات مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن تلك المرة هي إشعارات خاصة بالصحة، بعيدًا عن الواقع الافتراضي لمواقع التواصل.

يقول أندرو سعد مؤسس الفريق، إنه عرض الفكرة في بدايتها على 86 طبيبًا، وافق منهم 24 عليها، كما أنه واجه في البداية رفض العديد من الأطباء أيضًا، ولكنه لم ييأس واستمر في إقناعهم بمزايا المشروع للمريض والطبيب، فهو بمثابة كارت سحري يسهل رحلة العلاج، أو بمثابة قرص مضغوط يضم المئات من العقاقير ونتائج الفحوصات الطبية.

لا يهدف للربح

قيمة “الكارت” التي يدفعها المريض، لا تهدف للربح، وإنما توضع في التحديثات الدائمة التي يقدمها أعضاء الفريق، كما أنها توضع أيضًا في الحملات الإعلامية المستمرة التي ينظمها الفريق، ليصل المشروع لكل مواطن مصري، ويصبح حاملًا لكارت الصحة، فتاريخك المرضي هنا، بداية من فصيلة الدم، وحتى آخر عملية جراحية أجريتها، لأن تاريخك المرضي ينقذ حياتك، هكذا يرى فريق كارت الصحة، وبهذا يؤمنون، يدشنون حملات تعريفية، ويصلون بمحافظات وجامعات مختلفة، لعرض المشروع الذي يكبر يومًا بعد يوم.

الكارت الذي يحمله المريض، يحمل كود يتصل بقاعدة البيانات الخاصة به، وهنا اهتم الفريق الطبي الشاب في بداية الأمر بحماية المرضى من التلاعب، فعند تغيير الطبيب المعالج للمريض، يتم تحديث هذا الأمر من خلال المريض نفسه، كما أنه لا يمكن تحديث أي بيانات طبية أو شخصية قبل العودة للمريض، فحمايته وحماية صحته هي الأساس.

وزارة الاستثمار، قررت دعم الفريق الطبي الشاب، بقيمة 300 ألف دولار، حتى يتمكن من التوسع، والوصول إلى صعيد مصر، وتقديم خدمة متميزة للمرضى، كما أن التطوير مستمر أيضًا، فهناك معامل وعيادات تقوم بالترويج لنفسها من خلال الكارت، وتقدم خصومات لحامليه أيضًا، حتى تصبح المنفعة مشتركة بين الجميع، تحت شعار “صحة المواطن المصري أولًا”.